ندوة "اسهامات الكويت في الثقافة العربية" عقدت في 6 و7 تشرين الأول أكتوبر الجاري بالتعاون بين المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والمجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والأدب. وافتتحت الندوة في الكويت بكلمات بدر الرفاعي الأمين العام للمجلس وحسين عمران ممثل الأمين العام للمنظمة المنجي بوسنينة ونورية الرومي باسم الباحثين المشاركين. افسحت الندوة المجال لمناقشة الأبحاث فوازنت بين البحث والتعقيبات ما جعلها تتميز بالحيوية. وبدأت الأبحاث بورقة صلاح فضل التي تليت عنه بالنيابة، فتناولت "شخصيات عربية رائدة أبدعت في الكويت" وركزت نماذج من هؤلاء الرواد كأحمد زكي أول رئيس تحرير ل"العربي" التي صدرت في العام 1958 وتزامن صدورها مع عقد الدورة العربية لمؤتمر الاتحاد العام للأدباء العرب في الكويت بعد بيروت ودمشق والقاهرة، وقد تولى ادارته الكويتي الراحل عبدالعزيز حسين وكان محوره "البطولة في الأدب العربي". وتركز بحث صلاح فضل على عنصر الانفتاح الذي جعل من الكويت حاضنة ثقافية عربية ومركز تنوير. وعزا بدر الرفاعي ذلك الى أن سكان الكويت هم في الأصل مجموعة مهاجرين يقوم مجتمعهم على التسامح، فيما أشار خليل علي حيدر الى ان الهيئة الدينية لم تكن جزءاً من السلطة السياسية في الكويت ما سمح لهذه السلطة بحرية في الانماء والتحديث. واختارت نورية الرومي من رواد التنوير في الكويت الشاعر فهد العسكر فتناولت حياته وشعره مركزة على عنصر التمرد المبكر والاقبال على الانفتاح ونقد ما لم يتم ينقد من قبل. وهو تعلم في المدرستين المباركية والأحمدية وكان يعرض قصائده على أساتذته العرب في المدرستين. وقد عبّر شعرياً عن تمرده بأسلوبين، واقعي ورومانسي. وتناول المنصف الشنوفي باختصار موقعين للابداع الكويتي، هما أعمال الشيخ عبدالعزيز الرشيد في الكويت وخارجها، ومجلة "البعثة" التي أصدرها الطلاب الجامعيون الكويتيون في القاهرة. ومن بين فوائد محاضرة الشنوفي احالته الى كتاب يعقوب يوسف الحجي "الشيخ عبدالعزيز الرشيد: سيرة حياته" الصادر عن مركز البحوث والدراسات الكويتية. ففي هذا الكتاب نوافذ جديدة أبرزها سيرة الرشيد في الكويت والسعودية وسائر مناطق الخليج وسيرته اللاحقة في أندونيسيا وماليزيا وسنغافورة حيث أسس جريدتين، أولاهما بالاشتراك مع المغامر العراقي يونس البحري. وهنا يفصّل الباحث يعقوب يوسف الحجي الحديث عن الصحافة العربية في جزر أندونيسيا والملايو وخلافات العرب الحضارمة من حضرموت - اليمن الذين استوطنوا تلك البلاد، ويعرف المتابعون أسماء تولت مناصب وزارية، خصوصاً من آل السقاف. وأورد يعقوب الحجي في كتابه لائحة بالصحف العربية الصادرة في أندونيسيا في الفترة ما بين الحربين العالميتين 1917 - 1943، ك"الاقبال" صدرت في العام 1917 وترأس تحريرها محمد حسن بارجا، و"الارشاد" 1920 رئيس تحريرها حسن بن علي الثقة، و"حضرموت" 1923 رئيس تحريرها السيد عيد روس العلوي، و"الهدى" 1931 رئيس تحريرها عبدالواحد الجيلاني العلوي، و"الكويت والعراقي" 1931 صاحباها عبدالعزيز الرشيد ويونس بحري. وأرّخ صدقي حطاب للمطبوعات الكويتية وأثرها في المكتبة العربية، متناولاً المجلات والسلاسل الثقافية والمؤسسات المنتجة للثقافة والداعمة لها. وتناول أديب اللجمي بالتفصيل وقائع انجاز الخطة الشاملة للثقافة العربية التي حضنت إعدادها الكويت ومشاركته فيها. وفصّل مبروك المناعي الحديث عن المؤسسات الثقافية الكويتية التي لا تزال ناشطة وحاضرة لدى القارئ العربي في مختلف أقطاره. وكانت ورقة محمد مصطفى القباج في عنوان "اسهام الكويت في نقل عيون الثقافة العالمية الى الثقافة العربية". ومما ورد في الورقة عن الترجمة من حيث المبدأ: "يشير جورج شتاينر الى أن "وجود الترجمة يبرره كون البشر يتكلمون لغات مختلفة"، ومن هنا يتحدد الدور الأساسي لفعل الترجمة كمنفذ لحوار الثقافات، وإغناء اللغات، وتأمل فيها مما ينجم عنه تواصل، أسيسته التنوع والاختلاف. وبالتالي فإن الترجمة تجسير للهوة القائمة بين اللغات والثقافات لتتبادل اللغات والتأثير فيما بينها وتتداعم. ان اللغة التي يترجم اليها خطاب أو نص "لها طقوسها وشروطها الخاصة، انها تقحم في النص مسائل وقضايا لا تكون واردة في شكله الأصلي، وإذا بالمترجم مرغم على نقل ما لا يكون راغباً في نقله". النتيجة تطوير اللغة المترجمة بتفتحها على لغة أخرى مختلفة عنها، لها أيضاً طقوسها وشروطها. الترجمة تسهم في توسيع صوغ اللغة وتخصب مفرداتها وتراكيبها وتغني قاموسها. هذا البعد التواصلي للترجمة يجعلها وسيلة ناجعة للمثاقفة، أي الاغناء المتبادل بين الثقافات واللغات، بناء على تساويها من حيث ان لكل ثقافة ولكل لغة عبقريتها الخاصة، تراكيب وأساليب وأنماطاً وبلاغة. ومن الأكيد أن اللغة المترجمة وهي تعمد الى نصوص أجد يتاح لها الدخول في حداثة تحفز على ابداعات ما كانت لتكون ممكنة لولا مغامرة امتلاك المنتوج الفكري للغة مترجمة ومختلفة. لذلك فإن المثاقفة من وجهة نظرنا لا يمكن أن تكون الا ايجابية، اللهم إلا إذا داخلت لغة أو ثقافة ما نزعة هيمنة، آنئذ تصاب الترجمة بعيوب وانحرافات قد تؤدي الى غياب أو اضمحلال الثقافة واللغة المترجمة، وتندرج في هذه الحالة الدعاوى الفرنكوفونية التي تتفاعل في المنطقة المغاربية من الوطن العربي، وكذا النزوع العولمي الراهن الذي يسعى الى فرض نمط أحادي في لغة العلم والإعلام، بل نمط ثقافي واحد يهدف الى طمس الهويات بل نهايتها على قياس ما يلوكه بعض المتفلسفة المسيسين بصدد نهاية التاريخ والايديولوجيات من ناحية، وصدام الثقافات من ناحية أخرى. ان المثاقفة الايجابية التي يتيحها فعل الترجمة تجعل من الاختلاف أمراً مشروعاً، ومن قبول الآخر خصلة حضارية تجلي جماليات الفوارق بين اللغات والثقافات، بذلك يكون فعل الترجمة امتداحاً لهذه الجماليات التي تنمي الأذواق، وتقوي طاقات الابداع والابتكار، وكأن الأمر يتعلق بمنهجية محكمة في تحويل الفوارق والتباينات والتنوعات اللغوية والثقافية من مواد متراصة في حالة عطالة الى طاقة حيوية تتفاعل فيها تلك المواد. وإذا التجأنا الى المجاز نعتبر الذات والآخر كمادتين متراصتين، يؤدي تداخلهما، بإقحام الذات في الآخر "واقحام الآخر في الذات" الى طاقة خلاقة تثري الوجود، طاقة تجعل الترجمة على حد تعبير هايدغر عملية فكرية تمثل الذات عن طريقها أمام الفكر، كما يمثل المتهم أمام المحكمة. ان ادماج الآخر في الذات على صعيد الكيانات الثقافية ككل، أي ادماج الآخرين كمناخ ثقافي براني، في الذوات كمنهاج ثقافي جواني، هذا الادماج هو المعادل الدقيق لمفهوم التواصل الانساني. وبعبارة أخرى فإن الحوار بين الثقافات واللغات يتحقق حتماً بفعل الترجمة باعتبارها "وسيطاً بين الثقافات"، ولأن هذا الفعل هو نافذة الذات على الآخر، نافذة للغة المترجمة على اللغة المترجمة، حتى في حالة الترجمة غير الدقيقة أو غير الموفقة أو الخائنة. وعلى أي حال فإن الترجمة في المطلق، ومهما كانت النعوت التي تلصق بها تتصدر قنوات التثاقف الذي تسمح لأي خطاب أو نص أن يخرج من دائرة الاستعمالات العادية الى دائرة الأعمال الإبداعية الخالدة. لنتصور عالماً من دون فعل الترجمة، من المؤكد أنه سيكون عالماً من الكيانات الثقافية واللغوية المنغلقة على ذاتها، المنعزلة عن غيرها، عالم من دون فعل الترجمة ستكون فيه اللغات بالتأكيد فارغة، هزيلة المعاني، محدودة الخيال، تقليدية على الدوام أسلوباً ومضامين. عالم "من دون ترجمة لا يمكن للثقافة الا ان تنغلق على نفسها وتتحجر"، تماماً كحالة الذي يفتح عينيه داخل سجن لا يبرحه أبداً. وعليه فإن فعل الترجمة بالمواصفات المذكورة "ضرورة تاريخية"، وفوق هذا وذاك "فعل ابداعي ونشاط لغوي وموقف ايديولوجي"، انه ضرورة تاريخية لأنه هو الفعل الذي يفرز الأحداث والوقائع، ثم انه فعل ابداعي لأنه ينقل الابداع من لغة الى لغة أخرى ومن وسط ثقافي الى وسط آخر، وهو نشاط لغوي لأنه يشتغل على اللغة الواحدة، وبين اللغات المختلفة، وأخيراً هو موقف ايديولوجي لأنه ينقل الرؤى الخاصة للعالم من لغة الى أخرى. ولا يقتصر أثر فعل الترجمة على الثقافة واللغة بل انه أيضاً "أساسي للتقدم الروحي للإنسان" لأنه يمرر القيم المبثوثة داخل الخطابات والنصوص. هنا لا ينبغي ان ننسى ان الترجمات الأولى في العالم كانت بين الخطابات والنصوص المقدسة، أسطورياً أو دينياً، أي ان ترجمة النصوص المقدسة سبقت ترجمة النصوص الدنيوية، وكيفما كانت الحال فإنه في كلتا الحالين تكون "حركة الترجمة مقرونة بأزهى عصور الفكر في الغالب". وأضيف أيضاً مقرونة بأكثر المراحل ارتباطاً بالدين أو بالأسطورة".