باللغة الانكليزية وحدها، يبث محرك البحث الأشهر على شبكة الانترنت "غووغل" الانباء، ويفعلها على طريقته الخاصة. فقبل كل شيء، "غووغل" هو محرك بحث Search Engine. ويبدو انه لم ينس ذلك في هذه الخطوة الجديدة، فهو "يبحث" عن الاخبار من مصادرها ويشدها الى صفحة الاخبار NEWS التي استحدثها أخيراً. وأضاف كلمة "جديدة" على عناوين اقسامه في الصفحة الاولى للفت الانظار الى هذه الخدمة الاخبارية المستجدة. ويعطي كل ذي حق حقه. فإذا عثر على الخبر على شبكة "ايه بي اس نيوز" ABS News مثلاً، كتب قرب عنوان الخبر مصدره. واذا نقرت على عنوان الخبر، تنتقل مباشرة الى المصدر. وهكذا، يدور "غووغل" على مواقع محطات التلفزة ووكالات الانباء والجرائد على الانترنت، ويجمع اخباره، المدعمه بسيول من الصور، من اربعة آلاف مصدر اعلامي على الشبكة الدولية للكومبيوتر، وهذا رقم يتحدث عن نفسه. وبعض هذه المواقع يبث مواد تلفزيونية على شبكة الانترنت. ومع مشاهدة المذيعين مباشرة على شاشة الكومبيوتر، يلغى الفارق الاعلامي بين الكومبيوتر والتلفزيون. وفي هذا المعنى، تذكر قراءة الاخبار في "غووغل" بالتفرج على التلفزيون باستعمال "ريموت كونترول". وفي تلك الحال، يتنقل المشاهد من محطة الى محطة قفزاً قفزاً، الى ان يصل الى ما يريد. وبهذة الاضافة، يقترب "غووغل" خطوة من الشكل المعروف لمتصفحات الانترنتBrowsers ، مثل "اكسبلورر" و"اي او ال". هل يتابع هذا التحول؟ الكومبيوتر محرراً تلفزيونياً! هل ينفع الكومبيوتر محرراً في أي صحيفة؟ الارجح لا، واستدراكاً نقول "حتى الآن". ويعتقد المتحمسون لتطوير ذكاء الكومبيوتر ان اليوم الذي يحل فيه الكومبيوتر، او ما يشبهه، محل محرري الصحف ليس ببعيد. والامر منوط بمدى التقدم في علوم "الذكاء الاصطناعي"Artificial Intelligence . وهذا موضوع طويل. وفي هذه الخدمة الاخبارية، تصنف المواد الاخبارية اوتوماتيكياً بواسطة الكومبيوتر. وليس هذا بالامر السهل ابداً. والحال ان توزيع هذه المواد يخضع الى قاعدة "ثلاثية"، اذا جاز التعبير، اي بحسب القسم والاهمية والزمن. فهي توزع اولاً، بحسب الاقسام السبعة الثابتة، اي: العالم، الولاياتالمتحدة، الاقتصاد، العلوم والتكنولوجيا، الرياضة، الترفية، والصحة. وربما كانت هذه خطوة سهلة. ولعل التوزيع بحسب الزمن اسهل من التوزيع بحسب الاقسام. وأما البعد الثالث في التوزيع، فهو ترتيب الاخبار بحسب اهميتها! وهذه خطوة فائقة الصعوبة، اذا تذكرنا ان الكومبيوتر هو الذي يجب ان يحدد أهمية الخبر، ومن دون اي "مساعدة" انسانية على الاطلاق. وهنا نصل الى قلب العمل كله. ويشدد "غووغل" على ان التصنيف بحسب الاهمية، وبواسطة الالكترونيات وليس اصابع الانسان وعقله، هو ما يميز اخباره. وفي تبسيط شديد، يحتاج هذا الامر الى برمجة صبورة وواسعة، لكي تبوب الاخبار بمقتضى أهميتها، بواسطة الجداول الالكترونية. والحال ان عبارة "من دون اي تدخل انساني" هي مخادعة الى حد ما. فما يعطي الخبر اهميته، بالنسبة الى الكومبيوتر، هو الطريقة التي برمجت فيها طريقة توزيع الاخبار على الصفحات التي تظهر على الشاشة. وغني عن القول ان هذا العمل، اي البرمجة، هو عمل انساني محض. ومن يتابع مواقع الاخبار على الانترنت، يلاحظ ان معظمها اعتمد طريقة تبويب المواد بحسب اهميتها، منذ مدة ليست بالقصيرة. ومن اردا البرهان، عليه زيارة موقع "سي ان ان" على سبيل المثال. واذا استخدم قسم "البحث"Search للتنبيش عن خبر ما، يجد ان النتائج تعود اليه مبوبة بطريقتين: الاهمية Relevance والتسلسل الزمني Date. وفي هذا المعنى، يبدو ما تؤديه خدمة الاخبار في "غووغل" تطويراً لما هو موجود فعلاً. ويصنف "غووغل" أخباره بحسب تسلسلها الزمني كذلك. وهذا هو البعد الثالث. ويكتب قرب كل خبر الزمن الذي انقضى على وصوله. وهكذا يتحَوَّلَ الكومبيوتر محرراً الكترونياً. الرقابة وصحافة العرب الالكترونية وعلى رغم انه محرر غض، الا انه يتبع قواعد المهنة بدأب. وصممت الصفحة الاولى من أخبار "غووغل" بحيث "تقول كل شيء في صفحة واحدة"، وهو ما تنحوه مهنة الصحافة العصرية. وجاءت الخدمة الجديدة في وقت يعاني "غووغل" مشكلات الرقابة. وحتى من دون ان يدخل الى عالم الاخبار، رمته الحكومة الصينية بالتهم، ومارست عليه رقابة صارمة. والسبب بسيط. فمن المعروف عنه انه من اقوى محركات البحث على الانترنت. وعندما يطلب الجمهور الصيني معلومات عن اي قضية، يعطيه عدداً كبيراً من المصادر التي يمكن الرجوع اليها. ويبدو انه امر لا يروق سلطات الصين التي ألفت، منذ ثورة ماو تسي تونغ الشيوعية، ان تكون هي المصدر الاوحد للمعلومات، وان تكون وجهة نظرها هي وحدها التي تصل الى عقول الناس. ولعلها مفارقة طريفة ان تسبق الرقابة تحول الكومبيوتر الى العمل الصحافي على الشبكة الالكترونية الدولية! ولعلها مناسبة لبعض الاعلاميين العرب لكي يراجعوا ما سمي بتجربة "الصحافة العربية الالكترونية". إذ جاءهم على حين غرة منافس لم يكن منظوراً من قبل. ولا يفعل الكثير من مواقع تلك الصحافة سوى ما يفعله "غووغل" في خدمته الاخبارية الجديدة. وهناك بالطبع فارق اللغة، ومقالات الرأي وبعض النكهة المحلية في بعض الاقسام. وما عدا ذلك، تتساوى الامور. واستطراداً، يصعب عدم تذكر النقاشات المديدة مع تلك المواقع، وخصوصاً حول مسألة "المضمون" CONTENT. فمرة اخرى، القاعدة الذهبية هي ان "المضمون هو الملك". اما العيش على خطف الاخبار من هنا وهناك، ودفعها الى صفحات على الانترنت، فذلك ما بات "غووغل" يتقنه تماماً، ومن دون الحاجة الى اي "صحافي الكتروني". أحمد مغربي [email protected]