العربات تخدم تجار وباعة ومتسوقي مهرجان سكرية المذنب الحمراء    متحف العقيلات: يعرف زائري كرنفال تمور بريدة بتاريخ وأسوق تمورها    بوليفيا تعلن حالة الطوارئ على مستوى البلاد بسبب حرائق الغابات    زلزال بقوة 4.8 درجات يضرب إندونيسيا    تفاهم بين «الاستثمار» و«الصناعات العسكرية» و«إليترونيكا» في قطاعات الدفاع    منازل جاهزة للمبتعثين عند عودتهم !    الصناعة السعودية تبحث مع «فوتون» توطين صناعة المركبات    زفَّة سياسية مضحكة ومعيبة..!    شركة HONOR تكشف عن مستقبل مليء بالإمكانيات مع هاتف HONOR Magic V3 الذي حطم الأرقام القياسية في معرض IFA 2024    «العالم الإسلامي»: نُدين قصف إسرائيل لحي الزيتون    منتخبنا والخلل الفني والإداري    الدوليون يعطلون تشكيلة «الكلاسيكو»    أحد يجهز الفرسان للاتحاد    القنفذة: «هبوطات الشوارع» تصطاد المركبات    ما شروط نقل مخالفات «ساهر» إلى السائق ؟ محامٍ يجيب..    ضبط 22,021 مخالفاً للإقامة والعمل وترحيل 11,242    مانشيني.. سباك    تكريم الفائزين بالجوائز الثقافية الوطنية في 16 مساراً    عمرها 800 عام.. ساعة الفيل في واحة الملك سلمان للعلوم    رابطة العالم الإسلامي ومكافحة الطائفية    5 فوائد مذهلة لتوت العليق    البطولة العربية للكرة الطائرة الشاطئية "أخضر السيدات" يتأهل لدور الثمانية    منتخبنا أولاً.. وما مانشيني ببعيد عن كاسترو    ضمن المرحلة النهائية بمهرجان ولي العهد للهجن.. «صمت».. تسجل التوقيت الأفضل في «الجذاع»    المنتخب الوطني يواصل تحضيراته لمواجهة الصين ضمن تصفيات كأس العالم    "الزكاة " تصدر وثيقة المقابلات المالية للخدمات الجمركية    إعادة الكميات تدريجياً على أساس شهري.. المملكة و"مجموعة أوبك بلس.. التزام كامل بتعديلات الإنتاج التطوعية    اليابان تتخلص من 10 آلاف نمس    سلامة بحرية    ضبط أكثر من 22 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    صيف 2024 الأعلى حرارة في العالم    «إنستغرام» يتيح إضافة التعليقات إلى القصص    وفاة الأمير عبدالله بن تركي بن عبدالعزيز بن عبدالله بن تركي آل سعود    اختتام ورشة ترجمة الكتاب الأول في الرياض    تحت رعاية ولي العهد.. وزارة الثقافة تُكرّم بعد غد الفائزين بالجوائز الثقافية الوطنية    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف ثلاث مستعمرات تكاثر لنسور "غريفون الأوراسية"    الحوار    يناقش آليات حمايتها وتعزيز الوعي بأهميتها.. جدة تستضيف اجتماع المبادرة العالمية للشُعب المرجانية    توفير الطعام للأطفال وحده لا يكفي..استشاري: الأهم تناول الطعام بمكوناته الصحية    طريقة عمل كيكة جوز الهند الطرية في الخلاط بالزبادي والشيرة    الإصابة تحرم الشباب من خدمات البرتغالي "دانييل بودينس" لمدة 3 أسابيع    خطيب المسجد النبوي: قبل أن ترحلوا اتركوا آثاراً طيبة    خطيب المسجد الحرام : لا يعتذر إلاّ القوي ولا يسامح إلاّ الأشجع    المملكة تستضيف منتدى «صون الطبيعة» لغرب آسيا.. غداً    مناقشة الدور الوقائي لبرامج الصحة المدرسية    الشورى يدعم فتح فروع للجامعات ومكافآت الامتياز    غدا.. انطلاق أولى فعاليات مسار الأدب والثقافة والتراث في غرفة الخرج    حرس الحدود في ظهران الجنوب يحبط تهريب (13) كجم "حشيش"    غدا.. مؤتمر صحفي حول حفل روائع الأوركسترا السعودية في لندن    استشاري سمنة ل «الرياض» : نسبة نجاح عمليات التكميم أعلى من المرارة!    زحل يتقابل مع الشمس .. غدا    «يذرف دماً بدلاً من الدموع».. طفل يحير الأطباء!    د. مصلح الحارثي يشكر القيادة على تجدد الثقة وتعيينه عضوا في الشورى    الشؤون الإسلامية في جازان تطلق مبادرة تطوعية للعناية بكتاب الله في المساجد والجوامع ابتداء من محافظة الداير    الشؤون الإسلامية في جازان تقيم جولة دعوية في محافظة ضمد    الرياض: 900 مخالفة في مشاريع البنية التحتية    السعودية تستضيف المنتدى الإقليمي العاشر للاتحاد الدولي لصون الطبيعة لدول غرب آسيا    ولي العهد يؤدي صلاة الميت على الأميرة لطيفة بنت عبدالعزيز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الأصولية الإسلامية" وحدة لا فاشية
نشر في الحياة يوم 22 - 01 - 2002

حلّل فوكويوما علاقة العالم الإسلامي بالحضارة الغربية، وانتهى في مقاله "هدفهم: العالم المعاصر" "نيوزويك" في طبعتها العربية بتاريخ 25/12/2001 الى ان المشكلة ليست محدودة مع عدد من الإرهابيين كما يتصور بعض سياسيي الولايات المتحدة، بل هي مع مجموعة اكبر كثيراً من الراديكاليين الإسلاميين ومن المسلمين الذين ينضوون تحت ظاهرة سمّاها "الأصولية الإسلامية"، وسأستخدم هنا مصطلح فوكويوما للإشارة الى الظاهرة التي يدور حولها الكلام، مع ضرورة الانتباه الى عدم الاستسلام لكل المعاني التي ينطوي عليها هذا المصطلح الذي يعبّر عن جانب من الحياة الفكرية في الحضارة الغربية.
قرر فوكويوما في مقاله ان حل مشكلة العالم الإسلامي تكون بتعميق الحداثة والعلمانية، لكنه جهل او تجاهل ان الحداثة والعلمانية ليستا أميرن جديدين على العالم الإسلامي، بل كانتا أمرين مطروحين منذ قرن على الأقل، وجرت محاولات عدة لترسيخهما في المنطقة، وحمل رايتهما شخصيات وأحزاب وهيئات وفئات كثيرة، وأبرز من حملهما الحركات القومية على اختلاف أنواعها: العربية والسورية والفرعونية، ويمكن ان نمثّل بعلمانيين وحداثيين بارزين في نطاق كل من الحركات القومية السابقة، ففي المجال القومي العربي كان ساطع الحصري، وفي مجال القومي السوري كان أنطون سعادة، وفي المجال الفرعوني كان سلامة موسى، وقد اعتبر الخديوي اسماعيل في القرن التاسع عشر مصر قطعة من أوروبا، كما دعا طه حسين في القرن العشرين الى أخذ الحضارة بكل ما فيها من حلو ومرّ، ولم تبق العلمانية والحداثة في نطاق الدعوة بل انتقلتا الى التطبيق عندما تسلّم بعض الحركات القومية العربية قيادة دول عدة في العالم العربي في فترة مبكرة من القرن العشرين، وقد لعب ساطع الحصري دوراً بارزاً في كل من النظامين العراقي والسوري من اجل ترسيخ القومية العربية ذات التوجه العلماني الحداثي من العشرينات حتى الخمسينات من القرن الماضي، ثم ارتبط الفكر القومي العربي بالاشتراكية في الستينات، وتعمّقت الدعوة الى الحداثة والعلمانية في معظم اقطار العالم العربي: مصر، سورية، العراق، الجزائر، اليمن، السودان إلخ... وحاولت القيادات القومية العربية الاشتراكية ان ترسخ الحداثة والعلمانية في المجتمعات العربية التي حكمتها ومع ذلك لم تفلح، والسؤال الآن: لماذا لم تنجح محاولات تلك القيادات القومية العربية الاشتراكية في ترسيخ الحداثة والعلمانية وجعلهما جزءاً من كيان المنطقة؟ ولماذا كانت "الصحوة الاسلامية" التي جاءت بعد كل هذه المحاولات في ترسيخ الحداثة والعلمانية؟ السبب في ذلك واضح: ان تلك المحاولات لم تراع خصوصية المنطقة، لذلك فإن أي محاولة لتطبيق الحداثة والعلمانية في المستقبل ستكون مصيرها الفشل إن لم تراع خصوصية المنطقة وشخصيتها الحضارية التاريخية.
رجّح فوكويوما تشابه الدين الإسلامي مع الأديان الأخرى الكبرى كالمسيحية، والهندوسية، والكونفوشية إلخ... وتصوّر كل الأديان عبارة عن نظام شديد التعقيد تطور بطرق عدة. لا أريد ان اناقشه في نظريته الخاطئة التي تضع كل الأديان في سلّة واحدة وعلى صعيد واحد ومسار واحد، لكني اريد ان اشير الى نقطة خلاف رئيسة بين الدين الإسلامي والمسيحية، وهي ان الإسلام استطاع ان يكوّن أمة مسلمة منذ اللحظة الأولى التي نجح فيها الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالهجرة الى المدينة، وامتد وجود تلك الأمة الإسلامية الى وقتنا الحاضر، في حين أن المسيحية لم تستطع ان تكوّن تلك الأمة، بل قامت الأمم الغربية بعد سقوط المسيحية كالأمة الفرنسية، والإنكليزية، والألمانية، والهولندية. إن تجاهل قيادات الفكر والرأي والسياسة في الغرب لهذه الحقيقة وهي أن هناك أمة إسلامية ذات وجود مادي على أرض الواقع جعلهم لا يتعاملون تعاملاً سليماً مع منطقتنا، بل يتعاملون تعاملاً خاطئاً، فهم يتعاملون مع منطقتنا كشرق اوسط اي كجهة خالية من اي مضمون، وعليها ان تستقبل، وتتكيّف مع كل ما ينقل إليها، وعندما تأتي النتائج على عكس ما يتوقعون يتهمون المنطقة بأنها تفرز "أصوليات" متنوعة على غير ما وقع في المناطق الأخرى. إن التعامل السليم مع المنطقة بالانطلاق من وجود أمة ذات تشكل حضاري خاص هو الذي يحدد الأفكار والقيم المناسبة التي يجب ان تتفاعل معها.
علّل فوكويوما نشوء "الأصولية الإسلامية" لعوامل نشوء الفاشية في أوروبا، وهي اجتماعية كاجتثاث أعداد كبيرة من السكان من قراهم التقليدية او حياتهم القبلية، وانتقالهم الى المدن، كما ذكر سبباً آخر لنشوء "الأصولية الإسلامية" هو الفقر والركود الاقتصادي. إن هذا التعليل قاصر وغير صحيح، وإن التعليل الأصلح لنشوء ظاهرة "الأصولية الإسلامية" إنها تعبير عن رفض حركة التغريب والاستئصال الثقافي التي مارستها الأنظمة القومية الاشتراكية في منتصف القرن العشرين، وتعبير عن الانتماء الى الأمة الإسلامية ذات الثقافة الواحدة، وما يؤكد هذا التعليل وجود ظاهرة "الأصولية الإسلامية" على امتداد العالم الإسلامي، فوجدت في بلدان غنية وفقيرة وذات تركيبة اجتماعية متنوعة مثل تركيا والجزائر ومصر والخليج وفلسطين إلخ...
أشار فوكويوما الى ان "الأصولية الإسلامية" تعتبر الغرب فاسداً بسبب الإباحية، وبسبب المثليّة الجنسية، ووضع المرأة فيه إلخ... لكن الحقيقة ان مشكلة "الأصولية الإسلامية" مع الغرب ليست إباحيته بالدرجة الأولى، لكن المشكلة الأولى تكمن معه في نسبية الحقيقة التي يقوم عليها والتي تتصادم مع بعض الجوانب الثابتة في الدين الإسلامي: كالعقائد، والعبادات، والحدود، والتشريعات المتعلقة بالأسرة مثل أحكام الزواج والطلاق إلخ...
شبه فوكويوما "الأصولية الإسلامية" بالفاشية التي برزت في أوروبا في الثلاثينات من القرن العشرين، والتي قادت العالم الى الحرب العالمية الثانية، وبيّن ان الجامع بين الأصولية والفاشية هو عدم التسامح مع الآخرين، ولا أريد الخوض في مدى صحة تشبيهه "الأصولية الإسلامية" بالفاشية والفوارق بينهما، لكن اشير الى تناقض فوكويوما عندما امتدح الخلافة العثمانية التي كانت تطبق نظام الملل الذي يحقق التسامح الديني الذي امتد من القرون الوسطى الى القرن التاسع عشر، في حين ان اوروبا كانت غارقة في اضطهاد الفرق الدينية لبعضها البعض في تلك الفترة التاريخية.
ولام فوكويوما الدول العربية جميعها لأنه لم يحدث فيها تطور نحو الديموقراطية خلال القرن الماضي، وأشار الى انه لم تتطوع أي حكومة عربية للتخلي عن السلطة لمصلحة الديموقراطية، ليس من شك بأن لوماً كبيراً ومؤاخذة واسعة توجه الى كثير من ممارسات الحكومات العربية السلبية في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية إلخ... لكن لوماً آخر وفي شكل اكبر يوجّه الى الولايات المتحدة التي كان تدخلها في العالم الإسلامي من اجل ترسيخ ديكتاتوريات عسكرية، او ممارسة سياسة ضارة بالمنطقة.
إن المتفحّص لمقال فوكويوما يرى ان الغرب ما زال يريد ان يفرض نموذجه الحضاري الذي فشل في فرضه خلال القرنين الماضيين.
* كاتب فلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.