الكتاب: "الفقه على المذاهب الأربعة". الكاتب: عبدالرحمن بن محمد عوض الجزيري. إصدار: دار ابن حزم. "الفقة على المذاهب الأربعة" كتاب عنى مؤلفه عبدالرحمن الجزيري بإخراجه بطبعة جديدة متجاوزاً فيها ما كان محل خطأ في الطبعة السابقة، ومفصلاً بعض المواضع التي كان فيها إيجاز. والجزيري عالم من علماء الأزهر، فقيه، درس في الأزهر ودرّس فيه وعين مفتشاً لقسم المساجد فكبيراً للمفتشين، فأستاذاً في كلية أصول الدين، ثم كان من اعضاء هيئة كبار العلماء، له مؤلفات كثيرة في العقيدة والفقه من اشهرها هذا الكتاب في الفقه على المذاهب الأربعة الذي له من المزايا ما لم توجد في كتب الفقه الأخرى. وعلى رغم ما فيه من إيجاز، فهو وضعه بهدف تسهيل مواضيع الفقه الإسلامي على أئمة المساجد والعلماء، لما لهؤلاء من دور في توضيح مسائل الفقه على عامة المسلمين وخاصتهم. إضافة الى تسهيل هذه المادة على طلبة اهل العلم والبحث، اذ جمع فيه الاجتهادات الفقهية للأئمة الأربعة. وأما منهجيته التي اتبعها في ترتيبه لهذه الاجتهادات فكانت على النحو الآتي: أولاً: إدراج كل مسألة من مسائل الفقه تحت عنوان خاص بها، كي يسهل الرجوع الى المسألة المرادة المقصودة بالنظر في فهرست الكتاب. ثانياً: النص في أعلى الصحيفة على المذهبين المعتنقين حتى يتحرر المذهبان على الوجه الذي لا يحتمل الخطأ، كما هو الحال في كتاب الصلاة، ومباحث القبلة ومباحث الحيض، ومباحث الجيرة، وغيرها. ثالثاً: رجوعه الى كتب الفقه في كثير من مواضيع الكتاب المذكورة في اسفل الصحيفة، وهي في الغالب ذكر السنن والفرائض بطريق الإجمال. رابعاً: المبالغة في الإيضاح، حتى يتيسر لكل من نظر في هذا الكتاب ان يظفر بغرضه بسهولة، معتنياً عناية خاصة بمسائل "كتابي: الحج، والصيام"، ليسهل على الناس فهمها من دون عناء". خامساً: ذكر الكثير من حكمة التشريع في كل موضع في حال تمكنه من ذلك. سادساً: الإتيان بالأدلة التي استند إليها الأئمة الأربعة من كتب السنّة الصحيحة، مع ذكر وجهة نظر كل منهم. وبالجملة، بذل الجزيري مجهوداً كبيراً، وحرره تحريراً تاماً، وفصل مسائله بعناوين خاصة، ورتبها ترتيباً دقيقاً، وما على القارئ إلا ان يرجع إليه، ويأخذ ما يريده منه بسهولة. ونختار شيئاً مما قاله في مباحث الإجارة. جاء تحت عنوان "مباحث الإجارة/ تعريفها وأركانها وأقسامها". الإجازة: في اللغة: بكسر الهمزة وفتحها والكسر أشهر، وهي مصدر سماعي لفعل أجر على وزن ضرب وقتل فمضارعها يأجر، وأجِر بكسر الجيم وضمها ومعناها الجزاء على العمل. 1- الحنفية قالوا: الإجارة عقد يفيد تمليك منفعة معلومة مقصودة من العين المستأجرة بعوض. 2- المالكية قالوا: الإجارة عقد يفيد تمليك منافع شيء مباح مدة معلومة بعوض غير ناشئ عن المنفعة. 3- الشافعية قالوا: الإجارة عقد على منفعة معلومة مقصودة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم. 4- الحنابلة قالوا: الإجازة عقد على منفعة معلومة تؤخذ شيئاً فشيئاً مدة معلومة بعوض معلوم. فالمعقود عليه هو المنفعة لا العين لأن المنفعة هي التي تستوفى والأجر في مقابلها ولهذا تضمن دون العين، وإنما يضاف العقد الى العين باعتبار انه محل المنفعة ومنشأها. ومما تقدم في المذاهب الأخرى تعرف العقود التي خرجت عن التعريف كالبيع والهبة والصدقة ونحو ذلك مما يكون العقد فيها على العين لا على المنفعة، وكذلك العقود على ما لا يباح ونحو ذلك. وأركانها كأركان البيع: عاقد ومعقود عليه وصيغة ثم ان العاقد يشمل المؤجر والمستأجر، والمعقود عليه يشمل الأجر والمنفعة، والصيغة تشمل الإيجاب والقبول كما هو رأي الشافعية والمالكية في الأركان، وتقدم في البيع ان الحنفية يقولون: ان الركن هو الصيغة وهو اصطلاح، فأما الصيغة فتنعقد بأي لفظ يعرف به غموض العاقدين وذلك عام في جميع العقود فإن المعول فيها على فهم مقصود العاقدين من ألفاظها بما لا يوجب الريبة والنزاع، لأن الشارع لم يبين ألفاظ العقود ولم يحوها، بل جعلها مطلقة ليستعمل الناس منها ما يدل الى غرضهم ويحدد المعنى الذي يقصدونه فتنعقد بلفظ الاجارة ... وتنعقد بلفظ الكراء ... وبلفظ البيع مضافاً للمنفعة. وفصّل الجزيري ما جاء عند الأئمة الأربعة في ما تجوز اجارته وما لا تجوز، ونقتطع هنا ما جاء في امر الاجارة على الطاعات، الذي له اهميته في حياة المسلمين في يومنا، وعلى رغم هذا فان الكثيرين لا يفطنون الى حكمه الشرعي، كالإجارة على الحج او لقراءة القرآن في المناسبات وغيره، كالآتي: قال الحنفية: اما الاجارة على الطاعات فأصول مذهب الحنفية تقتضي انها غير صحيحة، لأن كل طاعة يختص بها المسلم لا يصح الاستئجار عليها، ولأن كل قربة تقع من العامل انما تقع عنه لا عن غيره. والمحصل ان اصل المذهب منع الاجارة على الطاعات، ولهذا اجمعوا على ان الحج عن الغير من باب الانابة لا من باب الاستئجار، فمن حج عن غيره كان نائباً عنه في اداء هذه الفريضة، ينفق على نفسه بقدر ما يؤدي، فإن زاد معه شيء من المال الذي اخذه وجب رده الى صاحبه، ولو كان اجارة لما رد منه شيئاً. وأما افتاء بعض المتأخرين بجواز اخذ الاجرة على بعض الطاعات فهو للضرورة خوفاً من تعطيلها فأجازوا اخذها على تعليم القرآن ونحوه ولم يجيزوه على قراءة القرآن، إذ لا ضرورة في القراءة، كحال ما اعتاده بعض القرّاء من فعل ما ينافي التأدب مع كتاب الله تعالى، كتلاوته على قارعة الطريق للتسوّل به وفي الأماكن التي نهى الشرع عن الجلوس فيها وتلاوته على حال تنافي الخشية والاتعاظ بآياته الكريمة كما يفعل بعض القرّاء من التغني به في مجالس المآتم والولائم التي نهى الشرع عنها لما فيها من المنكرات وتأوه الناس في مجلسه كما يتأوهون في مجالس الغناء والإمعان في هذه الطريقة الممقوتة، حتى ان بعض القرّاء يحرفون كلمه عن مواضعه تبعاً لما يقتضيه نغم الغناء وتمشياً مع اهواء الناس وشهواتهم، فإن ذلك كله حرام باطل لا يمكن الإقرار عليه بأي حال. وفي مسألة الاجارة على الطاعة بالنيابة عن الميت ومرمى هول ثوابها اليه فيقول: ... اما ما يقبل النيابة كالحج، وقراءة القرآن والأذكار، والتهاليل ونحوها ففيها خلاف مبني على وصول ثوابها للميت. فبعضهم يقول: انها تصل فالإجارة عليها صحيحة، وبعضهم يقول: انها لا تصل فالإجارة عليها لا تصح. والمنقول عن الإمام مالك: انها لا تصل وان الإجارة عليها لا تصح. ولكن الظاهر قول اصحابه الميل الى انها تصل عملاً بحديث رواه النسائي: "من دخل مقبرة وقرأ قل هو الله احد احدى عشرة مرة وأهدى ثوابها لهم كتب الله له من الحسنات بعدد من دفن فيها"، فلو لم يكن ثواب القرآن ينفع الميت ويصل اليه لما حثّ النبي صلّى الله عليه وسلّم على قراءة قل هو الله احد للأموات.