الجميزة في ملعب مدرسة مار الياس، في غرب بيروت، طعنت في السنّ، وتهالكت حتى احتاجت الى عكازات من أعمدة اسمنتية. هي واحدة من جميزات قليلات بقين في المدينة التي اشتهرت، بالأمس، بجميزاتها الضخام: ظل الذين انتجعوا أمام المنازل واسترخوا وتسامروا وعقدوا برلماناتهم الصغيرة. فابحث اليوم، فإنك لن تجد غير جميزات قلائل يتوارين خلف الأسوار، داخل الحدائق المختبئة عن أعين مقاولي الاسمنت و"علب السردين" التي ضيّقت على الساكنين المساحات. وحدها، هذه المتهالكة على العكازات، تشهد على المراحل، وتوحي الذكريات وتنفرد ب"أعجوبة"" ولذلك اسعفوها وحقنوا شرايينها بالنسغ، وأحاطوها بحوض من تراب، وسلطوا عليها المصابيح... غير أنَّ الأخاديد التي رسمت العمر في جلدها فضحت سرَّها" فما هي الصبية التي تخلب، لولا فروعٌ فتية انبثقت منها، فأظلَّت وآوت اليمام والسحليات والدواري. وثمر الجميزة، هذا الطيب كالتين، يتحلب له الريق، ولكنه يعزُّ على طالبه، فلا أحد يدري ما يفعل جميز يمتلك أعجوبته. قند لفت كنيسة مار الياس بطينا ايليا خولي، الذي عاصر من عمر الجميزة مراحل، وشاهد المتبركين الوافدين اليها، يعتقد مع غيره من المؤمنين ان مار الياس مقيم بين عروقها، ويذكر ان بعضهم "شاهده". "الجميزة لم تكن هكذا"، يقول ايليا خولي" "لم يكن هذا الحوض، ولم تكن الأعمدة... كانت فتية، تظهر منها جذور ثخينة كنا نجلس عليها، ولكنهم عندما شقوا الطريق تحت المدرسة قطعوا بعض هذه الجذور، فنامت الجميزة نومها هذا... منذ ذلك الوقت ونحن ندعمها بالأعمدة". ولكنها شاخت فوق ما يطاق؟ - لذلك يتعهدها مشتل زراعي يتفقدها مرة في الشهر ويعالجها. كانت أكبر من ذلك؟ - نعم... ولكن قذائف الحرب لم توفرها... وكانت أغصانها أكثر كثافة. نحن قلَّمناها وقطعنا الأغصان التي شوهتها القذائف... قطعنا عشرين طناً حطباً منها! وثمرها من النوع الذي يؤكل؟ - يمكنك العثور على ثمار الجميز في السوق، هذه ثمرها لا يؤكل! * * * جميزات بيروت عجائز، وقليلات هن الجميزات الفتيَّات" إذ الاهتمام ينصرف اليوم الى شجر الكينا وأنواعٍ أُخَر... فهل تخطر لنا صورة بيروت من دون جميز؟ حبذا - على الأقل - لو نبقي على الباقي!