غالباً ما يلحق الطراز الفني للعمارة الإسلامية، عامل المضمون الذي تميزت به، حين يعمل على عكس البعد الحضاري الخاص بها والمعبر عن آلياتها. وتعد المكتبات من الصروح المنفردة التي كانت أحد مراكز الفكر في المشرق الإسلامي. ولم تعرف المكتبة كمؤسسات ثقافية مستقلة من الناحية المعمارية إلا في وقت متأخر نسبياً لأنها كانت جزءاً داخلياً من المدارس. ومن هذه المكتبات العمرية الشيخية في دمشق، والرضائية في حلب. وتعتبر المكتبة الظاهرية من أشهر تلك المكتبات وأهمها نظراً لارتباطها حالياً بمجمع اللغة العربي، وهي ما زالت الى الآن، مقصداً لطالبي العلم والمعرفة. تقع المكتبة الظاهرية في شمال غربي الجامع الأموي داخل بناء المدرسة الظاهرية، وأمر ببنائها الملك السعيد ابن الملك الظاهر. وتعود تسميتها بذلك الى كون الأخير قد دفن فيها، بعد ان تم نقل جثمانه من قلعة دمشق الى قبة المدرسة الظاهرية. وتوفي الملك السعيد قبل الفراغ من عمليات البناء انتهى في 677 ه، فدفن بجوار والده، وأوقفت على تدريس الحديث والمذهبين الشافعي والحنفي. اما بالنسبة الى مصادر الكتب التي دخلت المكتبة فقد مرت بمراحل عدة، منها ما تم نقله من مكتبة المدرسة العمرية الشيخية وهو الجزء المتبقي منها بسبب تعرض المكتبة للسطو والسرقة، كما يذكر عبدالقادر بدران عنها: "وكان بها خزانة كتب لا نظير لها... ثم نقل ما بقي منها وهو شيء لا يذكر بالنسبة الى ما كان في خزنة الكتب الى قبة الملك الظاهر". وأهم تلك المراحل كان في عام 1295 ه، حين تمكن الوالي مدحت باشا من استصدار قرار من السلطات يقضي بجمع الكتب في مكتبة عامة مقرها، تربة الملك الظاهر، ليستفيد الجميع من هذه الكتب. وآنذاك تولت الجمعية الخيرية برئاسة علاء الدين عابدين جمع هذه الكتب من المكتبات الموجودة في دمشق. واعترض ذلك صعوبات من قبل الذين استغواهم الاستئثار بالكتب والأوقاف، وتعرض للتهديد بالقتل احد مقتني المكاتب الابتدائية وهو الشيخ طاهر الجزائري، إن لم يعدل عما هو ماضٍ فيه لكنه لم يكترث بهذا التهديد، لأنه كان من اكثر اعضاء الجمعية نشاطاً، وأشدهم غيرة على الكتب. ووصل عدد الكتب التي جمعوها في المرحلة الأولى حوالى 2429 كتاباً. تم وضعها في المكتبة وقيدت في سجل خاص، دونت فيه تعليمات ووثائق التأسيس وتاريخ انشاء المكتبة عام 1298ه وذلك في عهد السلطان عبد الحميد الثاني والوالي حمدي باشا. وصادق هذا السجل تواقيع اعضاء الجمعية، ثم اودعوا امانة هذه الكتب لمحافظين مستوثقين، بعد ان حصلوا منها على سند كفالة رسمي بها، وخصص لكل محافظ راتب شهري مقطوع قدره 200 قرش سوري. وبعد ذلك اصبح للمكتبة الظاهرية تسمية جديدة وهي المكتبة العمومية، حين اصبحت تخضع لإشراف الجمعية العمومية ستة اعضاء للمكتبة. وقد بين نظام المكتبة ضرورة إطلاع الجمعية العمومية للمكتبة على موجودات المكتبة من الكتب وغيرها كل ثلاثة اشهر، وتكون المطالعة في المكتبة فقط، وتبدأ أوقات المكتبة من شروق الشمس حتى المساء، باستثناء يوم الثلثاء نظراً لعطلة المكتبة في هذا اليوم. بالنسبة الى التبعية الإدارية والمالية للمكتبة فقبل ان تلتحق بديوان المعارف ودمج موازنتها بالأخيرة عام 1919 بقيت الأوقاف تتولى مهمة الإشراف عليها، إضافة الى الرقابة الممارسة من قبل الجمعية العمومية. وأعلن ديوان المعارف في حدود ذلك التاريخ عن استعداده لشراء أي كتاب أو مخطوط لرفد المكتبة التي اصبح اسمها "دار الكتب العربية". ولما ازدادت وظائف الديوان المعارف تحول الى قسمين الأول انيط به مهمة اعمال المعارف العامة، وانفرد الآخر بأمور اللغة والمكتبات والآثار. وبعدها صدرت وثيقة تقضي بتسمية القسم الثاني من ديوان المعارف باسم المجمع العلمي. وعلى ذلك اضحت تلك الدار مرتبطة بالمجمع بما يحتاجه من خدمات وبقيت المكتبة معتمدة على قبة الملك الظاهر، كخزنة للكتب وقاعة للمطالعة، بسبب اشغال بقية المكان بمدرسة ابتدائية. ولاحقاً اصبحت المدرسة العادلية مقراً للمجمع العلمي، وذلك لاضطرار المجمع في جعل إحدى قاعات المدرسة قاعة للمطالعة، نتيجة لازدياد عدد القراء. عندها اخذ المجمع يجتهد في السعي لدى المسؤولين للموافقة على انفصاله مع ملحقاته عن داري الكتب والآثار ثم ارتبط بعد ذلك بالجامعة السورية عقب انفصاله عن ديوان المعارف عام 1936. وبعد ذلك عمل هذا المجمع على محاولة نقل المدرسة الظاهرية من مبنى الملك الظاهر، حتى توصل الى ما يريد بعد جهود دامت ثماني سنوات، فأصبح موقع مدرسة الملك الظاهر في مبنى آخر عام 1927. وخلال هذه الجهود، اتى المجتمع بنظام داخلي للدار وكلف مهمة الإشراف عليها وتفقد شؤونها للشيخ سعيد الكرمي. وبعد انتقال المدرسة الابتدائية من المدرسة الظاهرية قام المجمع العلمي بإرجاع المبنى كما كان على هندسته الأصلية، باستثناء القسم العلوي بسبب الهدم الذي تعرضت له. اما القسم السفلي أي الأرضي، فما زال كما هو من الخارج. وفي الداخل بنيت بعض الجدران الأخرى لاستغلال المكان كمكتبة. بلغ مجموع الكتب في الدار اليوم 68800 كتاب، وعدد المجلات العربية ألف مجلة والأجنبية 500 مجلة. ومن أهم كتبها: القانون في الطب لابن سينا طبع عام 1593م، الزبور طبع عام 1793م، والكليات لأبي البقاء الكفوي طبع عام 1280، وتاريخ الخميس طبع عام 1283، والجاسوس على القاموس لأحمد فارس شدياق طبع عام 1299، وتاريخ الدول الإسلامية في المغرب ابن خلدون طبع عام 1297، ولسان العرب طبع عام 1300، والأسماء والمصنفات طبع عام 1313، وشرح صحيح مسلم للنووي طبع عام 1319، وعجائب المخلوقات للقزويني طبع عام 1849. وتم رصد مبلغ من المال من الموازنة المخصصة لمجمع اللغة العربية للقيام بعمليات الترميم والتحسينات لأجزاء المكتبة. وبدأت المكتبة شراء الكتب الجديدة المطلوبة من روادها بدءاً من نهايات كانون الثاني يناير الماضي، كما يتم حفظ وتجليد عشرات الكتب التي شارفت على التلف في شكلها الخارجي.