لا يزال مشروع الهاتف الخليوي والعقد الذي ابرمته الحكومة السورية مع شركتي "سيريا تيل" و"انفستكوم" لتوفير هذه الخدمة في البلاد يثير جدلاً حاداً حول مدى شرعيتة بين المواطنين والخبراء. وكان آخر التطورات فتح تحقيق في مجلس الشعب البرلمان بناء على مداخلة لاحد الاعضاء نشرتها "الحياة" في شهر أيار مايو الماضي. تعتبر شركة "سيريا تيل" الانتقادات التي وجهت الى المشروع غير مقبولة وتعتبر الاقاويل والارقام "غير صحيحة" ولا اساس لها وغير مدروسة على الاطلاق، ما دفعها الى توضيح الصورة في رد الى "الحياة" قالت فيه انه "خلال الفترة التجريبية قدمنا العديد من التضحيات من دون اي عوائد او ارباح للاستثمارات التي بلغت نحو 30 مليون دولار اميركي، وذلك لاثبات جدارتنا الفنية في هذا المشروع. وقدمنا خدمة معقولة للمشتركين وحققت للدولة ايرادات من التشغيل تقدر بنحو 100 مليون ليرة الدولار يساوي 50 ليرة اضافة الى الخبرات التي اكتسبتها الكوادر الفنية للدولة، الامر الذي ساعدها على عمل دراسة تقويم للمشروع الدائم". وتعتقد الشركة ان الفترة التجريبية خلال العام الماضي كانت عاملاً اساسياً في فهم السوق السورية وما فيها من جوانب متعددة، ما ساهم في زيادة فرص الفوز بالمشروع الدائم وهو ما تحقق بالفعل. وكان النائب رياض سيف انتقد المشروع التجريبي الذي قامت خلاله شركتا "سيريا تيل" و"انفستكوم" بتقديم الخدمة مجاناً. وقال: "بعد طول انتظار دخلت خدمة الخليوي الى سورية عن طريق فاعل خير قدم مجاناً التجهيزات اللازمة لتشغيل 60 الف خط. وعلى الرغم من الخدمة السيئة فان هناك ما يكفي من الاعذار كونها مرحلة تجريبية. وشاءت الصدف ان تحظى الشركة فاعلة الخير بعقود دائمة تمكنها من بيع 1.7 مليون خط واستثمارها ل15 سنة، مع اعطائها حق احتكار كامل السوق السورية للسنوات السبع الاولى من العقد مقابل دفعها بليوني ليرة سورية كدفعة مقدمة، وتنازلها عن 30 في المئة من واردات المكالمات للسنوات الثلاث الاولى و40 في المئة للسنوات الثلاث اللاحقة و50 في المئة لباقي سنوات العقد التسع". وردت مصادر "سيريا تيل" بالقول ان الادعاء بأن "الشروط قد تم تفصيلها" لا اساس له خصوصاً ان هذه الشروط تتوافر في عقود المشغلين العالميين كافة مثل "فودافون" البريطانية و"فرانس تليكوم"الفرنسية، مشيرة الى ان هذه الشركات ترى في المنطقة وخصوصاً في الاوضاع الحالية العديد من المخاطر التي تجعلها تحجم عن توظيف استثماراتها. دفتر الشروط وأضافت انه لعل احد الاسباب الرئيسية التي جعلت 17 شركة من الشركات ال23 التي حصلت على دفتر الشروط تمتنع عن المضي قدماً في المشروع هو مجموعة الشروط القاسية التي وضعتها "المؤسسة السورية للاتصالات" ومنها ان تسدد الشركات النسب المحددة في العقد للمؤسسة من كامل العائدات المتحققة وليست المحصلة، ما يلقي بعبء شديد على المشغل، خصوصاً ان هناك نسبة عائدات غير مسددة من المشتركين للشركات. وتابعت انه كان من بين الشروط أن تسدد الشركة كل ما يقع على عاتقها لكل دورة هاتفية، اي مرة كل شهرين حيث تتم تسوية الحسابات بينها وبين المؤسسة وليس في نهاية كل سنة مالية، على غرار ما هو معمول به في الاردن على سبيل المثال، وأن تسدد كل شركة مبلغاً يصل الى 20 مليون دولار يدفع مرة واحدة كأجور ترخيص تردد للمجال الترددي وأن تسدد سنوياً 2.5 مليون ليرة سورية عن كل ميغاهرتز اجوراً لحماية الترددات، اضافة الى اجور اشغال المساحات في ابنية المؤسسة واجور تركيب التجهيزات على كل برج من منشآت المؤسسين واجور ترخيص استخدام الوصلات الميكروية بحدود 400 الف ليرة سنوياً، والتي يمكن ان تبلغ اعدادها في نهاية المشروع آلافاً عدة وذلك كرسم حق الحصر للمؤسسة وهو مطبق فقط في العقد السوري، اضافة الى ان كامل عائدات المكالمات الدولية تعود الى المؤسسة وفي الوقت نفسه اذا لم يتم تحصيلها من المشتركين يبقى الضرر على المشغل وحده. وأشارت الى انه لا توجد في العقد السوري اي اعفاءات جمركية كما في الاردن حيث يوجد اعفاء جمركي على التجهيزات، ويضاف الى ذلك شرط القيام بتطوير المشروع بشكل دائم حتى نهاية العقد، اي ان الشركة يجب عليها تطوير المشروع حتى السنة الخامسة عشرة وتسليمه مع آخر التطويرات في مجال نظام "جي. اس. ام" في تلك السنة، اي ان المشروع سيكون جديداً بالمعنى الكامل لمفهوم التجهيزات والبنية التحتية. وتساءلت الشركة: "مع هذه الشروط القاسية هل من الممكن ان تصل اي ارباح الى النسب الخيالية التي يتحدث عنها البعض؟"، في اشارة الى الدراسة التي قدمها سيف لمجلس الشعب والتي أشارت الى "حصول الشركة المشغلة على ارباح كبيرة تصل الى 8،346 بليون ليرة سورية بعد استرداد كامل رأس مالها. وفي الطرف المقابل، فان الشعب السوري يضيع 8،346 بليون ليرة سورية". وأشارت ارقام "سيريا تيل" الى ان نسبة صافي أرباح الشركة المشغلة لن تتعدى في اي سنة اكثر من 10 في المئة، بمتوسط يقدر بنحو سبعة في المئة وهي نسبة ربح متدنية خصوصاً في مشاريع التكنولوجيا التي يبلغ متوسط ارباحها نحو 20 في المئة. كما سيصل اجمالي عائدات "المؤسسة العامة للاتصالات" الى نحو 2.3 بليون دولار كحصة في الارباح والمكالمات. "بي. أو. تي" اما الانتقاد الموجه الى اعتماد نظام "تنفيذ وتشغيل وتسليم" بي. أو. تي في عقد الخليوي، اذ جاء في مداخلة سيف، فردت عليه الشركة قائلة: "هذا النظام تعمل به الدول التي تحتاج الى اقامة بنية تحتية من دون ان تملك الاموال اللازمة لذلك. وغالباً ما يستعمل في بناء الموانئ والمطارات والطرق السريعة وبعض المشاريع المماثلة، اي ان هذا النظام يصلح فقط للمشاريع التي يمتد عمر استخدامها لعشرات السنين. وبما ان مشاريع الاتصالات الحديثة تعتمد بشكل كلي على تقنية المعلوماتية التي تتطور بسرعة فائقة فان استخدام هذا النظام فيها ليس له ما يبرره، خصوصاً وانناً على اطلاع كامل على التجربة غير الناجحة لهذا النظام في لبنان، والذي ادخل خطأ الى نشاط الخليوي. وتعمل الحكومة اللبنانية جاهدة للتخلص منه والانتقال الى نظام بيع الترخيص. ومن المعروف عالمياً انه لم تقدم اي من الدول في العالم في الاعوام الخمسة الاخيرة على اعتماد نظام بي. أو. تي في نشاط الهاتف الخليوي. واذا ما وضعنا بين اعيننا المصلحة الوطنية، فانه يستعصي علينا فهم اعتماد نظام بي. أو تي في سورية سنة 2001 الا من خلال عملية تعفي الشركة المتعاقدة من دفع 200 بليون ليرة سورية في حال اعتماد نظام الترخيص والاكتفاء ببليوني ليرة فقط". وقالت مصادر "سيريا تيل" انه لا فرق بين خيار الرخصة او خيار نظام "بي. أو. تي". وأضافت: "نحن كشركة نعمل بظل الشروط المفروضة وان كنا نود ان نوضح ان قيمة الترخيص في سورية لم تكن لتتعدى 350 مليون دولار، في حين ان قيمة الرخصة في مصر كانت نحو 520 مليون دولار لدولة لها مقومات ومعدلات الدخل السنوي للفرد نفسها وتعداد سكانها اربعة اضعاف سورية. كما اننا كنا نرحب ان يتم الاخذ بنظام الترخيص، اذ انه يمنع التدخلات كافة ويعطي المشغل حرية الحركة في سياسته التوظيفية والتقنية والتسويقية لتطبيق ما يراه مناسباً من انظمة غنية وطرح ما يريد من اسعار".