العناية بكتابي الاخير "قراءة جديدة لقضية الشك في أدب الجاهلية" وتخصيصه بمقالة كبيرة تقارب سبعمئة وألف كلمة "الحياة"، الثلثاء 12/6/2001، ص21 ليس بالأمر اليسير في جريدة كجريدتكم، لا سيما ان صاحب المقالة صبحي الدبيسي اتخذ موقفاً ايجابياً من الكتاب. وليس من طبعي التدخل في نقد النقاد، فأهمية النقد انه رأي الآخر، او رؤية كاشفة لما يفترض ان المؤلف لا يراه لقصور الذات عن رؤية حقيقتها - والتأليف جزء من ذات المؤلف الفكري. لكن الذي قد يبيح لي التدخل الآن ان في المقالة عرضاً لمعطيات غير دقيقة، او غير موضوعة في السياق المناسب، بحيث قد تؤدي الرسالة النقدية بطريقة توحي الخطأ، وربما كان سبب ذلك مقتضيات صحافية فنية محضة: 1- إن طه حسين وناصر الدين الأسد لم يتناولا من الادب الاجنبي الا الادب اليوناني، اما قصيدة جلجامش وأغاني الفوز الفرنسية وشعر شكسبير، فلعلّي اول من استشهدها لدى دراسة موضوع الشك في ادب الجاهلي. 2- إن القول "بأن شكل القصيدة في عصر امرئ القيس لم يكن قديماً جداً" و"انه لم يوجد لدينا بيت شعر وثيق النص يمكن ان يعود الى ما قبل 500 ميلادية" هو قول المستشرق الالماني نولدكه وليس قولي. ولي على كل حال رأي مختلف في الموضوع. 3- إن كل الدارسين يعرفون رأي ابي عمرو بن العلاء في اختلاف لغة الشمال عن لغة اهل اليمن، وكذلك رأي مرجليوث وطه حسين في لغة الشعر الجاهلي، ولا فضل لكتابي اذا عرض لذلك الأمر، ولا اهمية لأن تؤكد المقالة عرضه له، بل تكمن الاهمية في الرأي الجديد الذي حاول الكتاب البرهان عليه وهو خطأ رأي ابي عمرو ومن تابعه، وذلك بالاعتماد على الحقائق اللغوية لبلاد اليمن. 4- وربما كان كتابي اول متعرض لموضوع المعيار الاسلوبي في نقد القدماء لشعر الجاهلية، لكن الاهم من ذلك تلك النتائج التي انبثقت من ذلك التعرض، وهو ما لم تلمح اليه المقالة. 5- لم يقل الكتاب إن العرب لم يدخلوا في النصرانية، بل اشار على العكس من ذلك الى اتساع انتشار النصرانية بين العرب وعلو مكانتها عندهم قبل الاسلام. كما ان الكتاب لم يقل إن الحنيفية خلاف اليهودية والنصرانية والشرك، وانها ملة ابراهيم، وان العرب كانوا ينتظرون الاسلام ويتشوقون الى اعتناقه كما ورد في المقالة، بل جاء في الكتاب ان الحنيفية "تبدو مرحلة تمهيدية للدخول في دين سماوي، ولعلها كانت خاصة بقريش، اي كانت بصورة من الصور استعداداً للاسلام" وهي تبدو "في القرآن خلاف اليهودية والنصرانية مرة، وخلاف الشرك مرة اخرى، وتوصف بها ملة ابراهيم. الا ان بعض الاخبار التي تجعل بعض الحنفاء ينتصرون تخالف بعض هذه المعاني". وإذا كان الكتاب قد ذكر ذلك وأومأ الى معرفة العرب لليهودية والنصرانية بما يسمح استنتاجاً بورود كلام ديني في شعرهم، فإنه قد ذكر لتأييد هذا الرأي ما لعله اهم منه وهو ورود كلام ديني في النقوش والكتابات القديمة يشبه شيئاً من الكلام الاسلامي! وذلك ما أهملته المقالة. 6 ورد في الكتاب مصطلح "الرواية الشفهية" وليس الشفوية، لأن الشفهية أصح بدليل فعل "شافه مشافهة" وجمع شفة على شفاه، والنسبة اليها بشُفاهي، واستعمال شفهَهُ بمعنى ضربه على شفته. اما الجمع على شفوات الذي يدعيه بعض اللغويين فلا دليل عليه في الاستعمال. 7 ان الشعراء الذين ورد ذكر قصصهم في كتابي، ومنهم عبيد بن الأبرص وليس الأبرص نفسه لم يشتهروا بالشعر القصصي، على ما جاء في المقالة، بل كانت ترجمة حياتهم نوعاً من القصص الفني لا التاريخي. 8 ان الشاعرين عبدالله بن العجلان ومسافر وليس معافر بن عمرو لم يموتا شنقاً، على ما جاء في المقالة، بل عشقاً، كما تزعم الروايات. 9 ان أمية بن أبي الصلت وأباه الصلت بن ربيعة لم ينازعا الرسول ص احدى القصائد، كما يفهم من المقالة، بل نازع أمية شاعراً آخر هو صيفي بن الأسلت في قصيدة، ونازع أباه الصلت في قصيدة ثانية. 10 لعل النتائج التي وصل اليها الكتاب واختصرت في ما سمي النتاج، اهم بكثير مما سجل في المقالة، وهي لذلك قد تستحق تعمقاً أكبر. 11 واضح ان الاخطاء المطبعية كثيرة، وانها اثرت في مضمون المقالة، وقد صححنا بعضها، من غير ان نشير الى ذلك، في ما مضى من هذا التوضيح. * مؤلف الكتاب أستاذ في الجامعة اللبنانية كلية الآداب.