هل يعلم اللبنانيون ان الأرض تهتز تحت أقدامهم بمعدل قد يصل الى 40 هزة شهرياً؟ هذا ما تسجله اجهزة الرصد في المركز الوطني للجيوفيزياء التابع ل"المجلس الوطني للبحوث العلمية" في منطقة بحنس جبل لبنان مستثنية من هذه الهزّات ارتجاجات ناجمة عن انفجارات تحدثها الكسارات في الجبال. وتتفاوت قوة الهزات المسجلة بين نصف درجة وثلاث درجات ونصف الدرجة، ولا يشعر الإنسان بالهزة إلا إذا تجاوزت الأربع، مثلما حصل في 29 نيسان ابريل الماضي حين تحرك فالق اليمونة في البقاع. ولا ينسى اللبنانيون الزلزال المدمر الذي سجل عام 1956، ومركزه فالق روم في اقليم التفاح، وتجاوزت قوته ست درجات. فلبنان، وهو أعلى جبل على البحر المتوسط تشكل بفعل نشاط الزلازل وحركتها عبر خمسة ملايين سنة ويسجل الجيوفيزيائيون تغيرات طوبوغرافية تتفاوت بين سنتمتر وسنتمتر ونصف السنتيمتر سنوياً، ويشيرون الى أن الفوالق منتشرة في شكل كثيف حتى في المدن. وما يشغل هؤلاء إمكان تحديد مكان حدوث الهزة اكثر من معرفة قوتها، لمعرفة حجم الخطر الذي يتولد منها، خصوصاً في بلد مثل لبنان. ويشير مدير مركز بحنس اسكندر سرسق الى "أن المركز، وضمن إمكاناته المتواضعة، من خلال خمسة عاملين فيه بعدما كانوا ثمانية خلال الأحداث اللبنانية، يقومون بعمليات الرصد والبحث في آن". ويقول: "إن لا إمكان لتوقع الهزات لا في لبنان ولا في كل العالم، لكن المركز وبالتعاون مع الفرنسيين بدأ ببناء الشبكة الوطنية لرصد الزلزال من خلال ثلاث محطات في دير حوقا الشمال والزهراني الجنوب وراشيا البقاع الغربي والمحطة الأخيرة غير فاعلة بعد، وينتظر الانتهاء من تثبيت محطة رابعة في الفاكهة البقاع الشمالي نهاية العام الجاري، ما يوفر قدرة أفضل على تحديد اماكن الهزات الأرضية، علماً أن منطقة لبنان معقدة جداً وهناك فوالق عميقة وفوالق تتقاطع مع أخرى والفوالق الفردية بالآلاف، ما يستدعي ان يكون لدينا محطة كل عشرة كيلومترات، في حين لدينا خمس محطات مبدئياً. وإذا كانت المحطات غير مكلفة مادياً، فهي من الناحية التكنولوجية صعبة، لأن جغرافية البلد عبارة عن جبال ووديان وليست أرضاً مسطحة". ويتفاوت عمق حدوث الهزة، على ما يقول سرسق، ما بين 5 كلم و30 في باطن الأرض، وتطاول مساحة أرضية مهمة بين كلم ومئة كلم طولية، ما يعني ان عمق الهزة يحدد دائرة انتشارها عبر الموجات الناجمة عنها وتمددها". ومن الفوالق التي لم تحدد بعد فالق صيدا - طرابلس لأنه يدخل في البحر وبالتالي كل ما يحدث في هذه المنطقة غير معروف. ويرفض الاعتقاد الشائع ان الهزات الارتدادية هي تنفيس لما حصل قبلها. "فالحقيقة ان لا شيء مثبت علمياً. فقد تكون الهزات الارتدادية تحضيراً لهزات اكبر وقد لا تكون، علماً أن الهزة التي تتفاوت قوتها بين 5 درجات و6، لا تحطم الباطون المسلح ويبقى الهلع اكبر خطر على المجتمع، اي خروج الناس الى الشوارع، فالخطوة المهمة التي يجب القيام بها إذا كانت قوة الهزة خمس درجات البقاء في المنزل، وكما كان اللبناني يلجأ في زمن القصف العشوائي إلى "بيت الدرج" فليفعل الشيء نفسه، وإذا كان على الطريق فليلجأ الى مبنى". ويعتقد سرسق "أن فالق البحر هو الأخطر كما فالق اليمونة، لذلك من الخطأ اللجوء الى الشاطئ إذا حدثت هزة لأن المعروف عبر التاريخ ان الشواطئ اللبنانية معرضة للموجات الحاصلة نتيجة هزة ارضية حصلت في قشرة الأرض في قعر البحر". ويتوقع ان تصل الى السواحل اللبنانية باخرة أميركية - فرنسية يعمل عليها خبراء من مركز علوم البحار في فرنسا لمعرفة الفوالق البحرية التي تصل الى عمق مترين تحت قعر البحر، ويتوقع ان ينجز المشروع في العام 2002. وأكثر ما يقلق الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتور معين حمزة عدم اتباع معايير وقائية في تشييد الأبنية في لبنان، علما ان اعتماد الحجر والباطون والحديد في البناء زاد من قدرة الأبنية على المقاومة، لكن ثمة أبنية شيدت في ضواحي بيروت، تجارية لا تراعي معايير الهزات والزلازل، ونطالب بالتشدد في احترامها". ويوضح ان مقاومة الأبنية لهزات تصل قوتها الى سبع درجات ممكنة بكلفة لا تزيد عن سبعة في المئة فلماذا نعرض التجمعات السكانية الكثيفة لخطر هزة أرضية، علماً أن مدناً لبنانية كثيرة موجودة على فوالق زلزالية". وتختلف جيولوجية الأرض من حي الى آخر، فهناك أحياء أرضها رمل لتصبح فجأة صخراً وبالتالي ما يبنى على الرمل تختلف معاييره عما يبنى على الصخر، ويسأل حمزة: "إذا وضعنا قوانين تمنع البناء العمودي على أرض رمل هل يقبلها المجتمع؟". ويشير على سبيل المثال الى "أن أرض الأشرفية طبشور في حين هي صخر في رأس بيروت ورمل في الرملة البيضاء وبئر حسن، والوقاية يجب ان تكون كاملة في تشييد الجسور والأنفاق والبنى التحتية وفي بناء المستشفيات ومراكز الدفاع المدني". أربعون هزة في الشهر رقم يعتبره سرسق نشاطاً زلزالياً متوسطاً في لبنان وهو لم يتغير منذ عشرين سنة رصداً. لكن المطلوب، بحسب الدكتور حمزة "أن نعلم ان لبنان معرض لهزات والمزيد من الأبحاث يحتاج الى زيادة مواردنا العلمية، لكن المشكلة في جيل الشباب أنه لا يهتم بهذا الاختصاص، وكذلك الجامعات، وإذا درس أحدهم الجيوفيزياء فسيوجه اهتمامه الى موضوع البترول ويغادر لبنان الى دول عربية".