صارت الأسر اللبنانية "أونلاين"، في مجملها، ودخل الكومبيوتر أحاديث أفرادها وتحول جزءاً من حياتهم اليومية في العمل والمنزل. وفرضت هذه التقنية الحديثة تغييرات جذرية على نمط العيش، خصوصاً أنها لم تعد من الكماليات، بل باتت من الضروريات في المنزل على غرار البرّاد والهاتف والتلفزيون، إذا لم تفقها أهمية. لماذا؟ هل لأن اللبنانيين أكثر "تطوّراً" من سواهم؟ لا، بل هناك ثلاثة أسباب رئيسة لانتشار هذه التقنية. يتمثّل الأول في ولع اللبنانيين بالمعرفة وفضولهم للتعرّف الى كل جديد واستعماله. ويعود الثاني الى إدراج تعليم الكومبيوتر في المناهج الدراسية، فبات الأولاد اليوم يدرسون هذه المادة وهم دون العاشرة من عمرهم، أي منذ الصف الرابع الابتدائي، وبالتالي صار لزاماً على الأهل اقتناء هذه الآلة ليتمكن أولادهم من تطبيق دروسهم. ويعزى السبب الثالث الى الانتشار الكبير للكومبيوتر في سوق العمل، خصوصاً منذ زهاء عامين. وبات هذا الجهاز، بشاشته المفتوحة على العالم، من كلاسيكيات المكاتب والشركات، حتى الصغرى منها. ومن لا يحوزه ويتملك تقنياته يرمق بالدونية. وأكبر دليل إلى ذلك أن قسماً كبيراً من "طلاب" الكومبيوتر في المعاهد المنتشرة بكثرة في لبنان هم من الأطباء والصحافيين والمحامين والأساتذة وسواهم من الفئات المثقفة التي ترفض البقاء جاهلة هذه التقنية بعدما صار الصغار يتقنونها. أما التبديل الإيجابي الذي أدخله الكومبيوتر على حياة الأسرة اللبنانية فيتمثّل بالانفتاح الكبير على العالم، والحصول على المعلومات بكبسة زر. وتيسرت للطلاب معارف كانوا مرغمين على التفتيش عنها في الكتب طويلاً. ومن خصوصيات الأثر الايجابي في الأسرة اللبنانية تسهيل التواصل مع المغتربين في الخارج، وقلّما نجد أسرة لا إبن لها أو ربّ عائلة أو قريب في إحدى دول العالم. ويقول بطرس حايك الذي يقطن في قرية بعيدة جداً من العاصمة: "لقد وفّر علي الكومبيوتر والإنترنت الكثير من المصاريف، كنت أتصل أسبوعياً بأخي في نيوبدفورد ولاية بوسطن وأدفع زهاء 35 دولاراً عن كل اتصال، وبواسطة البريد السريع صرت أحدثه يومياً أربع مرات أو خمساً من دون أن أدفع شيئاً". وهناك سلبيات الكومبيوتر أيضاً، خصوصاً لدى شريحة الأولاد والمراهقين الذين لم يكتفوا فقط بتعلّمه مدرسياً بل ونجحوا في الافادة منه في التسلية. وصارت ألعاب الكومبيوتر التي تمثل ظاهرة عالمية اليوم، مصدراً ل"وجع رأس" الأهل في لبنان. وإذا كان بعض الأهل قادرين على ضبط أولادهم وإرغامهم على النوم "قبل الثامنة" للنهوض باكراً الى المدرسة، فإن آخرين يعجزون تماماً عن ذلك. وتروي أمينة: "إبني وائل 19 عاماً لا يخلد الى النوم قبل الأولى فجراً، وبعد أن ينجح في اجتياز مرحلتين او ثلاث من اللعبة التي اشتراها". هكذا صارت ألعاب Red Alert و Colin و Delta Force و Red Shift و Mortal Compat جزءاً من حياة الأسرة. والطريف أن بعض الآباء وكبار السن يجلسون قبالة الشاشة يتابعون اللعبة بحماسة تفوق حماسة الأولاد! وإذا كان الكومبيوتر خفف عبء الأبحاث عن الطلاب، فإنه أسهم أيضاً في ملء فراغ الكثير من القلوب الوحيدة. هكذا صار للمحادثة الالكترونية أو chatting شعبية كبرى لدى الشبان والصبايا، وهم يفتشون عن فتى فتاة الأحلام مبحرين عبر الشبكة، معززين عولمة العلاقات العاطفية! وإذا كانت الأسرة اللبنانية، في معظم أفرادها، تفيد من الكومبيوتر في شكل أو آخر، فإن كثيراً منها تنسى متعته وفائدته في آخر الشهر، بعد أن تتلقى فاتورة الهاتف التي تجاوزت عند السيدة كلير "المليون و500 ألف ليرة لبنانية في الشهر الواحد أي ما يوازي ألف دولار"، لأن أولادها الثلاثة يتسمرون أمام الشاشة نهاراً وليلاً. واللافت أن لبنانيين كثراً، حدّد نسبتهم أحد مديري شركات بيع الكومبيوتر المهندس جورج غرزوزي بزهاء 70 في المئة، لا يدركون ماهية الكومبيوتر ويظنونه الشاشة الخارجية. "هذه مشكلة مهمة نعانيها لأنها تفرض علينا أن نشرح للشخص مواصفات معينة، وهو كثيراً ما لا يفهم علينا. وتكمن المشكلة الكبرى حين يأتي الزبون الينا، ويقول إنه رأى الكومبيوتر نفسه بسعر أرخص، من دون أن يدرك المواصفات التي تميزه عن سواه". وتزداد نسبة مبيع الكومبيوتر يوماً بعد يوم، مع زيادة التسهيلات في الدفع التي تقدمها شركات كبيرة. ويقول غرزوزي: "يدفع الزبون 25 في المئة من السعر، وال75 في المئة الأخرى مقسّطة بين 6 أشهر وسنة واحدة. وأهم ما نقدّمه هو الخدمة بعد البيع.