تبنت الادارة الاميركية، عبر وزير الخارجية كولن باول، تقرير "لجنة ميتشل". وكلفت وفداً ثلاثياً برئاسة سفيرها في الاردن وليام بيرنز تحويل التقرير الى "خطة عمل". وراحت، بعد ساعات، تقلل من أهمية الخطوتين بالتركيز على ثلاثة محاور. أولاً، ان ما جرى هو أقل من مبادرة. فالتقرير وضعته لجنة دولية واكتفت واشنطن باعلانه أساساً صالحاً للخروج من الوضع الراهن. أي انه لا يلزم العهد الجديد تماماً. ثانياً، لا نية، في الوقت الحاضر، لرفع مستوى التدخل الاميركي المباشر في النزاع. فباول المتوجه في جولة افريقية - اوروبية لا يعتزم زيارة الشرق الأوسط وقد لا يقابل أحداً من زعماء المنطقة في المدى المنظور. ويعني ذلك الاصرار على ضبط الحضور بحيث تتوافر الصدقية اللازمة ليس للادارة الحالية وانما للانتقادات التي وجهها الرئيس جورج بوش الى سلفه بيل كلينتون على الدرجة العالية لتوريط البيت الأبيض. ثالثاً، ليس المطلوب أكثر من ايجاد آلية لوقف العنف وهو ما لا يرقى، اطلاقاً، الى مسعى سياسي يوفر أساساً لبدء التفاوض ناهيك عن رسم معالم الحل النهائي للنزاع. قد يكون صعباً على الولاياتالمتحدة الصمود عند هذا الموقف في حال تدهورت الأوضاع أكثر واحترقت ورقة التقرير في لهيب المواجهات المستمرة. الا ان الاشارات الأولى لما قد يكون عليه الموقف الاميركي غير مشجعة من وجهة نظر عربية وفلسطينية. ان الصيغة التي اعتمدها باول لاعلان تبني "تقرير ميتشل" قدمت فهماً له أكثر ميلاً الى الرأي الاسرائيلي في نقطة جوهرية هي المتعلقة بالاستيطان. فاللجنة الدولية دعت الى وقف فوري للتوسع الاستيطاني بما في ذلك ما له علاقة ب"النمو الطبيعي". ولكن باول تهرب من اعطاء رأي حاسم في الموضوع موحياً بأنه قد يوافق على اقتراحات "التجسير" التي تقدم بها شمعون بيريز، وزير خارجية شارون. وتوافق هذه الاقتراحات على عدم بناء مستوطنات جديدة، وتتعهد عدم مصادرة أراض، ولكنها تصر على حق البناء ضمن ما هو موجود وفقاً لنظرية "النمو الطبيعي". وإذا صح ان الادارة الأميركية تميل الى هذا "المخرج" فهذا يعني انها واصلت انحدارها في ما يخص المستوطنات من اعتبارها غير شرعية، الى اعتبارها مجرد عقبة أمام السلام، الى اعتبارها استفزازية، الى الاعتراف بحقها في النمو... الطبيعي. الى ذلك "طوّر" باول ما هو وارد في التقرير من ان لا تفاوض قبل وقف النار ولا صلة بين وقف النار، كضرورة داهمة، وبين وقف الاستيطان كقضية قابلة للنظر. وهكذا فإنه وجه ضربة قاسية الى فكرة التزامن في خفض العنف من الجانبين لمصلحة "التعاقب" الذي يلقي المسؤولية على الفلسطينيين أولاً. ومن الضروري، ربما، القول ان هذا الانحياز الأميركي مقتصر على توفير شروط لبدء البحث في شروط استئناف المفاوضات السياسية. والمعروف ان التشدد الاسرائيلي في العنوان الثاني التفاوض السياسي أشد قساوة بما لا يقاس وهو ما يفسر محاولات القضاء على المبادرة المصرية - الاردنية. يريد باول، باسقاطه طلب الوقف الشامل للتوسع الاستيطاني، وبتقديمه وقف النار على ما عداه، ان يوقف الانتفاضة بأي ثمن، أي بثمن لاسرائيل. وهذه مقدمة لتغليب الرأي الاسرائيلي في ما يخص بداية المفاوضات السياسية و... خاتمتها! لم يكن غريباً، والحال هذه، ان يجد شارون صيغة للترحيب بأول تفسير أميركي للتقرير الدولي وذلك في انتظار التغليب الكامل للقراءة الاسرائىلية التي تضمن له الاستمرار في سياسته تحت غطاء "تقرير ميتشل". وهذا ما اتهمه به زعيم "ميريتس" يوسي ساريد عندما اعتبر موافقته "ذرّاً للرماد في العيون"، و"تظاهراً بالقبول" لحماية استمرار الاستيطان.