عشرون في المئة من المراهقين في مصر يدخنون، المصريون يدخنون 85 بليون سيجارة سنوياً، نسبة تعاطي المخدرات في المعاهد الخاصة بلغت 30 في المئة، عدد مدمني الهيرويين في مصر يتراوح بين 20 و30 ألف شخص. والبانغو هو أكثر الأنواع انتشاراً بين المدمنين المصريين، والشباب هم أكثر الفئات إدماناً، بل إن غالبية المتعاطين تقل أعمارهم عن 20 عاماً. وشهدت مصر زيادة مطردة في عدد قضايا المخدرات خلال عامي 1998 و1999. فبلغ عدد القضايا في عام 1998 نحو 49931 قضية، وزاد العدد في العام التالي الى 75717 قضية، وجميع المتعاطين في هذين العامين لعقاري الأمفيتامين وLSD كانوا من الشباب. وبعيداً من الإحصاءات والأرقام والدراسات، باتت مشاهد السرنجات الملقاة في الشوارع الجانبية، وعلب أدوية الكحة والسعال من المشاهد المألوفة في أحياء مصر بمختلف مستوياتها. كما ذاع صيت أكشاك بعينها وصيدليات في أوساط المدمنين تروج المخدرات وتبيع العقاقير المهدئة وغيرها من المستخدمة كبدائل للمخدرات. لا للمساواة وكانت من المزايا القليلة لعدم المساواة بين الجنسين، عدم إقبال الفتيات والنساء على الإدمان بدءاً من السيجارة وانتهاء بالهيرويين والبانغو، إلا أن هذه الميزة بدأت تتلاشى مع زيادة الوعي المساواتي، وعرفت الفتاة المصرية طريقها إلى هذا العالم المظلم وإن كانت الاحصاءات الرسمية لم تغطِ هذه الجزئية بعد. الأطفال والشباب يمثلون نحو نصف التعداد المصري، وسن بدء التعاطي في انخفاض مستمر، ويموج عالم المخدرات بموضات وصرعات تجذب الشباب إليها، فظهرت عقاقير جديدة منشطة وأخرى باعثة على النشوة. قرينة الرئيس المصري السيدة سوزان مبارك تبنت الدعوة لعقد مؤتمر يوحد الجهود القومية لمواجهة مشكلات تعاطي وإدمان المخدرات لدى الشباب في العقد المقبل. وعهدت إلى المجلس القومي للطفولة والأمومة ممثلاً في أمينها العام السفيرة مشيرة خطاب بالتعاون مع المكتب الاقليمي للأمم المتحدة لمكافحة المخدرات ومنع الجريمة مقره القاهرة، وبالتنسيق مع الوزارات والمؤسسات المعنية، فكان المؤتمر القومي لمكافحة الإدمان الذي انعقد في القاهرة يومي 22 و23 نيسان ابريل الجاري، تحت شعار "معاً لحماية النشء من المخدرات". اتسم المؤتمر بقدر كبير من الصراحة والتلقائية، وبدا ذلك واضحاً في اليوم الأول من خلال فتح باب الحوار المباشر بين عدد من اليافعين والشباب من المشاركين والسيدة مبارك. الشباب يسأل وقف الطالب أحمد محمد عثمان 16 سنة يسأل: واضح أن المدرسة من أبرز المشكلات في قضية إدمان الشباب، فهل السبب هو سوء الإدارة أم اصدقاء السوء أم ماذا؟ وردّت السيدة مبارك قائلة: "يجب أن تلعب المدرسة دوراً أكبر في التربية فلا يصح أبداً أن يقف استاذ وهو يدخن في فصل مدرسي أو جامعي"، وتسأله: "هل يدخن زملاؤك في المدرسة؟"، فيقول: "صحيح إن التدخين في المدارس ممنوع، لكن الشباب يدخنون أثناء الفسحة". وتتساءل السيدة سوزان مبارك: "هناك حلقة مفقودة... مجموعة شباب يتعاطون مواد مخدرة في سيارة أحدهم، لماذا نتركهم هكذا؟ وكشك بعينه معروف أنه يبيع المخدرات... أين الأمن؟". ووقفت الطالبة أميمة سعيد إسماعيل 14 عاماً تسأل بتردد: "هل مسموح لمن هم في مثل سني أن يبلغوا عمن يتعاطى المخدرات؟"، و"أين القدوة إذا كان معظم ضباط الشرطة يدخنون؟"، ويصفق الجميع لسؤالها الأخير، ويقف وزير العدل المستشار فاروق سيف النصر ليرد رداً مقتضباً قوامه أن "البلاغ حق لكل مواطن". الطالب محمد اسماعيل 16 سنة وجه سؤاله الى وزير الشباب: "كثيراً ما نسمع من ضرورة انخراط الشباب في الرياضة لأنها تبعدهم عن عالم التدخين والإدمان، إلا ان اشتراكات النوادي الرياضية حققت أرقاماً قياسية، ما يدفعنا إلى النواصي ومن ثم إلى الإدمان". يذكر أن النوادي الكبرى في القاهرة تشترط أن يدفع الأعضاء الجدد ما يزيد عن 20 و30 ألف جنيه مصري للفرد عند الاشتراك. وزير الشباب الدكتور علي الدين هلال قال: "هناك 1100 ناد في مصر، لكننا لا نعرف ولا نردد سوى أسماء النوادي الكبيرة التي لا يزيد عددها عن أصابع اليد الواحدة، وهناك مراكز الشباب التي يتراوح رسم الاشتراك فيها بين ثلاثة و12 جنيهاً للفرد". ووقف طالب آخر يعبر عن مشكلة حقيقية: "نحن جيل يعاني عدم وجود قدوة، ويكفي أن الطالب والمدرس يتبادلان السجائر في داخل الفصل، ويكفي كذلك الكم الهائل من المقاهي التي تفتح أبوابها وهي متاخمة للمدارس". الصيدليات متهمة والقى زميل له باللوم على الصيدليات التي تحول بعضها إلى أوكار لبيع العقاقير المخدرة من دون رادع أو رقيب. وكان تدخل وزير الصحة الدكتور اسماعيل سلام ضرورياً هنا، فأعلن في البداية عن برنامج "أصحاء العام 2010" الذي يهدف إلى الاقلاع عن التدخين، كما أعلن أن وزارة الصحة - التي تحوي خمسة آلاف موظف - منطقة خالية من التدخين. وأشار سلام إلى وجود 22 عيادة للإقلاع عن التدخين سترتفع إلى 40 عيادة في المستقبل القريب، مشيراً الى وجود خط ساخن للإجابة عن تساؤلات الشباب الخاصة بالتدخين والمخدرات مع ضمان السرية والخصوصية. ويبدو أن قضية الصيدليات التي تساهم في بيع المواد المخدرة من المشكلات الصعبة الحل، فسلام أشار إلى أن التجارب السابقة التي ضيقت فيها وزارته الخناق على بيع المواد المخدرة والمسكنة أسفرت عن مصاعب كبيرة واجهها المرضى المحتاجون لها لتسكين آلامهم. من جهة أخرى، عرض ممثل لوزارة الداخلية تجربة لصاحب صيدلية صدرت ضده أحكام لبيع مواد مخدرة 16 مرة، وعلى رغم ذلك فهو يعاود فتح الصيدلية، وممارسة نشاطه في كل مرة. الوقاية خير من العلاج ورشة العمل الخاصة بالوقاية في المؤتمر عرّفت "الوقاية" بأنها "الأعمال التي يتم التخطيط لها لإعاقة النشء عن بدء تجربة التعاطي للمخدرات والكحوليات والتدخين، وإعاقة استمرار حال التعاطي ومضاعفاته. وشرحت الورشة البيئة الميسرة للتعاطي في نقاط عدة، أبرزها زيادة الضغوط الحياتية مثل البطالة، والسكن، والزواج والعنف المجتمعي، كذلك التفكك الأسري وبالتالي اختلال السلوكيات، ويساهم التضخم السكاني وانتشار المجتمعات العشوائية في زيادة نسب إقبال الصغار والشباب على الإدمان. وإذا كان "الاعتراف بالحق فضيلة"، فإن هذا ما أقدمت عليه ورشة عمل "الوقاية". مصر تعاني خللاً في إجراءات الوقاية، فمثلاً لدينا 90 ألف مدرسة تستقبل 5،16 مليون طالب، وعلى رغم ذلك فإن عدد العيادات داخل المدارس يبلغ 6893 عيادة، وفي خارجها 248 عيادة فقط، إضافة إلى 2899 وحدة ريفية للتأمين الصحي. وبحسبة بسيطة، تبين أن على كل من تلك العيادات القيام بجهود الاكتشاف المبكر والوقاية والعلاج ل 1650 طالباً وهو مطلب لم يدرب أحد من العاملين فيها عليه. وانتقدت الورشة عدم إقرار قانون مزاولة وظيفة الخدمة الاجتماعية ليتسنى ظهور وظيفة المرشد الاجتماعي المدرب والمرخص له للعمل الحرفي مجال إرشاد الأسرة، وحل صراعاتها ودعت إلى سرعة صدور القانون. ودعت الورشة إلى اعتبار بعض القرى والاحياء التي تتاجر في المخدرات مناطق كوارث، مع تدريب رجال الدعوة الدينية ليصحبوا مرشدين اجتماعيين. العلاج ممكن ولكن لكن إذا وقع المحظور، ولم تفلح الوقاية، فكيف يكون العلاج؟ غالباً ما يكون وقوع المحظور ناتجاً من أحد أو بعض الأسباب الآتية: وجود تاريخ للإدمان في الأسرة، الانهيار الأسري، الدخل المنخفض، ضعف الوازع الديني، اختلال الانضباط في الأسرة، تدخين السجائر قبل سن 12 سنة، مصاحبة أقران مدمنين، والظروف السيئة في بيئة العمل. ورشة العمل الخاصة بالعلاج أقرت وجود قصور عام في الخطط والأنماط العلاجية للإدمان في مصر. وفي ظل عدم وجود أساس علمي يحدد الحجم "الحقيقي" لمشكلة الإدمان، فعلى الدولة أن تتبنى إنشاء بنك مركزي للمعلومات الخاصة بالمخدرات، كما طالبت الورشة بضرورة الفصل التام بين الأقسام المعدة لإيداع حالات الإدمان المحولة بأحكام من المحاكم والحالات المتطوعة. وتضامناً مع روح الجرأة والشفافية التي اتسمت بها فاعليات المؤتمر، اعترفت ورشة عمل "لجنة الأممالمتحدة" بوجود خطر محتمل في ألا تشهد الفئات المعرضة لخطر تعاطي المخدرات الشباب العاطل من العمل والفقراء في الحضر والريف سوى تحسن بطيء لحالهم وآفاقهم الاقتصادية، لذا يبدو أن هناك احتمالاً بزيادة مشكلة تعاطي المخدرات. ونعود إلى النشء الذين قدموا لائحة طويلة من المشكلات، والطلبات، والمقترحات، وتذكر "الحياة" منها وكما صاغها اصحابها: - يجب أن يكون القانون حازماً مع التجار. أما المدمن فهو مريض. مكافحة المخدرات مطلوبة، لكن عدداً من الصيدليات تحول إلى أوكار للمخدرات، فرص العلاج المتكامل غير موجودة أو غير معروفة. التعرف الى سلوك المتعاطي يتأخر لعدم الوعي وفقدان التواصل. الرسائل الإعلامية مليئة بأفلام ومسلسلات تعرض التدخين كوسيلة للهروب والتسلية، يجب أن يشير التحذير المطبوع على علب السجائر الى أن "التدخين بداية الإدمان"، البرامج المقدمة في شأن التوعية أسلوبها "مش أوي". كلام الكبار الحلو المثالي يتعارض كثيراً مع سلوكهم، رجال الدين يتبعون في كلامهم اسلوب النصح والترهيب ولا مجال للحوار، العلاقة بين المدرس والتلميذ غائبة، ولا مجال للحوار، مجالس الآباء غير فاعلة، ولا دور محدداً للاختصاصي في المقررات، في البيت نحتاج الأب والأم، لكن اسلوبهما يجب أن يكون قياسياً لمرحلة نمونا، ويجب أن يخضعنا لتدريب خاص بكيفية التعامل مع المراهق.