ليس جديداً القول إن القمة العربية في عمان لم تثر تفاؤل "القوى السياسية" في سورية فكان موقف الشارع مماثلاً الى موقفه في معظم الدول الأخرى، لكن ثلاثة امور ملموسة أقنعت السوريين ب"الرضا" عن نتائج القمة هي: خطاب الرئيس بشار الأسد وتقديمه تحليلاً للشارع الإسرائيلي وردود الفعل الأميركية والإسرائيلية عليه، المصالحة السورية - الفلسطينية، وانطلاق خطوات لتفعيل مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل الموجود في دمشق. إذ ما ان انتهى الرئيس الأسد من تقديم صورة للوضع الإسرائيلي من الداخل وعدم رغبة الشارع بالسلام، حتى نشر في الدولة العبرية استطلاع للرأي يفيد ان 66 في المئة يرون ان "الإجراءات القمعية" التي يتخذها رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون ضد الفلسطينيين لا تزال "خفيفة"، مطالبين بمزيد منها. وكان الأسد دعا الى "ربط المواقف العربية" بتصرفات الشارع الإسرائيلي المستمر في "عقليته وعنصريته وتطرفه" في السنوات الأخيرة، لافتاً الى ان المجتمع الإسرائيلي "عنصري اكثر من النازية". ولاقى هذا الموقف انتقاداً من قبل مسؤولين اسرائيليين والناطق باسم الخارجية الأميركي ريتشارد باوتشر الأمر الذي اعتبره مصدر سوري "موقفاً شخصياً لا يعكس الموقف الرسمي للإدارة الداعم للإصلاح" في سورية، في إشارة الى إعراب الرئيس جورج بوش خلال لقائه السفير السوري رستم الزعبي عن "الرغبة" بلقاء الأسد في "أقرب فرصة". ونقلت مصادر اميركية عن بوش قوله خلال لقائه الزعبي: "إننا نتابع باهتمام عظيم مبادرات الرئيس الأسد للإصلاح واننا نشيد بجهوده لزيادة الفرص الاقتصادية للشعب السوري". وزاد: "من المفترض لكل دولة ان تختط نهجها الخاص بالإصلاح لكن إذا نظرنا حولنا في دول العالم نرى من الواضح ان تلك الدول المنفتحة على رياح التغيير والاندماج وثورة التكنولوجيا والمعلومات اثبتت أنها الأكثر نجاحاً في بناء مستقبل من السلام والازدهار لمواطنيها. وأن لدى بلدينا فرصة اقامة علاقة أقوى ومتعددة الجوانب. وبإمكاننا ايجاد حلول للمشكلات التي عملت على تعقيد علاقاتنا في السابق". في المقابل فإن لقاء الأسد - عرفات ترك ارتياحاً في الشارع السوري ذلك لأنه الأول منذ سنوات بعد محاولات عدة بذلها الرئيس الفلسطيني لإزالة الجمود الحاصل بين الطرفين إثر توقيعه اتفاق اوسلو في العام 1993. وحاول عدد من الزعماء العرب في السابق ترتيب زيارة لعرفات الى دمشق التي كانت تطالب ب"تقديم ضمانات بأن لا يتراجع عرفات عن النقاط التنسيقية المتفق عليها"، ولكن ذلك لم يحصل. وحاول الرئيس الفلسطيني لقاء الأسد قبل القمة العربية، لكن دمشق أصرت على ان يكون اللقاء في القمة العربية بعد خطاب الأسد الذي بث على الهواء مباشرة وأمام الزعماء العرب. أي أن الأسد أراد القول إن "طي صفحة الماضي" مع عرفات جاء على خلفية خمس نقاط للتنسيق وبعد قناعة عرفات بأن خيار أوسلو مغلق... و"فشل بامتياز" كما قال الأسد. والشروط الخمسة التي قدمها الأسد كانت "أولاً، التمسك بالقرارين 242 و338 كأسس للحل السلمي. ثانياً، قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. ثالثاً، عودة جميع اللاجئين بحسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194. رابعاً، دعم الانتفاضة واستمرارها. خامساً، ترابط المسار الفلسطيني مع المسارين السوري واللبناني". ومن المقرر ان تصاغ في "ورقة عمل" سورية - فلسطينية تتوج لقاء عرفات - الأسد المقرر منتصف الشهر الجاري في دمشق. الذي مهد له رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية فاروق القدومي قبل ايام. ولا شك في ان اللقاء المقرر بين الرئيس الفلسطيني والمنظمات المعارضة لعملية السلام التي تتخذ من دمشق مقراً لها، سيترك أثراً على الموقف التفاوضي الفلسطيني من جهة وسيدعم الانتفاضة في الداخل من جهة ثانية. الى ذلك، عادت الحركة الى مكتب المفوض العام للمقاطعة العربية لإسرائيل احمد خزعل بعد سنوات من الجمود إثر تراخي المقاطعة او تجميدها من الدرجتين الثانية والثالثة، بعد اتخاذ القادة العرب قراراً بالدعوة الى اجتماع للمكاتب الإقليمية. وكان خزعل وجه دعوات الى الدول العربية لعقد "اجتماع عادي" للمكاتب الإقليمية في 22 نيسان ابريل الجاري بهدف "تفعيل المقاطعة العربية لإسرائيل" بعد مرور ثماني سنوات على الاجتماع الأخير. ويحتاج عقد الاجتماع الى غالبية ثلثين، الأمر الذي لم يتوافر لعقد اجتماع طارئ بعد اجتماع لجنة المتابعة في دمشق نهاية العام الماضي، ذلك ان خمس دول فقط هي سورية ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية والعراق وليبيا وافقت على تلبية دعوة مكتب المقاطعة لاجتماع طارئ. ولم ينجح المكتب العام بترتيب اي لقاء منذ العام 1993، إذ إن المقاطعة تراخت بعد انطلاق مفاوضات السلام في مؤتمر مدريد العام 1991 و جمدت بعد توقيع اتفاق اوسلو. ويقع المكتب الرئيسي في دمشق منذ انطلاق المقاطعة في العام 1951 بموجب قرار للجامعة العربية، وبدء تطبيق المقاطعة بحق إسرائيل والشركات الإسرائيلية أو الأجنبية التي تتعامل معها.