سيرمّم "التياترو الكبير"، في وسط بيروت ولكنه سيتحوّل مطعماً، فضلاً عن زوايا أخرى للفنون والثقافة. وكان ان اعتصم أهل المسرح امام مبنى التياترو المنخورة جدرانه قبل مدة، احتجاجاً على المشروع الجديد، ولكن من دون جدوى. ف"التياترو الكبير" الذي ولد في أوائل الثلاثينات من القرن الماضي، كان شبيهاً بدار "الأوبرا" في باريس، واحتضن أعمالاً فنية عربية، وعالمية، وأعلاماً ونجوماً، كأم كلثوم ونجيب الريحاني ويوسف وهبي... وفي بداية الحرب الأهلية، صار يستخدم لعرض الأفلام الرديئة والإباحية أسوة ببعض الصالات المجاورة، إلى أن أتت عليه المعارك وأحالته خراباًً. وليس في الحنين الى ماضي التياترو سوى حجة للكتابة عن حاضر شاب غير معني بالذاكرة، ولا يبالي بما كانت عليه ساحة البرج. انتهت الحرب وبدأت إعادة الترميم للبنية التحتية في المنطقة التي يقع فيها التياترو الكبير، وانتهت، لكنها استثنت مبنى المسرح الذي بدأ ترميمه ليكون مطعماً مع منتفعات ثقافية. وكل ما تستطيعه وزارة الثقافة ان تمنع أي تغيير في هندسته. هذا مع العلم ان المطاعم من حوله تتكاثر بسرعة. ويبدو ان هذه الأخيرة، مع "زملائها" الملاهي، باتت تسبق كل المجالات الفنية الأخرى، حتى صارت هي المسرح اليومي. والولائم هي المشاهد المسرحية الجديدة التي يتم تحضيرها والاستعداد لها. ويمكن القول ان "الفريت" البطاطا المقلية صار لها أتباع ومريدون أكثر مما لكبار المسرحيين. وفي ظل غياب العمل السياسي، وقلّة النوادي الفاعلة، وحدها المطاعم والملاهي تلبي رغبات الشباب والعائلات، في التلاقي. وليس ازدهار المطاعم سبباً ليكون المسرح على حاله الحزينة، بالطبع. إذ ان لمشكلات الحركة المسرحية اليوم مسببات عدة، منها: انقطاع وفراغ بين أجيال مسرحية. فالمواهب وحدها لا تكفي. تلك المواهب نفسها، مع زملائها في العمل المسرحي تعمل في التلفزيونات والدوبلاج، لأن ضرورة توفير المعيشة غلبت شغف الشباب ونزقهم. نحزن على حال المسرح اللبناني وننظر اليه، ونجده خارج الخريطة، أو هو فن الأقلية بامتياز. أما الغالبية ففي الملاهي والفضائيات ويا ليل يا عين... يا عمري! في هذه الأثناء، يغرق المسرحيون القدامى، في أزمات اقتصادية، بعضهم يتنحّى جانباً وبعضهم الآخر يظهر في أعمال لا تليق بنخبويته، وآخرون يلوذون بالجيل الجديد من الشباب، الذي يدرك مدى أثمان الحرب.