كان أبيض لا شاحباً ولا دموياً كأنه بعدما حولته كل آلام الذكرى إلى طيف، تقطَّر عشر مرات على الأقل ليزيل عنه آثار طيفيته ويصير أبيض لتعرفه الأجيال الجديدة هكذا أبيض وتقول: ما لهذا العجوز الذي عاصر شتى أنواع المذابح من القتال للفكر للعشق للأرض الى القتال للقمة العيش يبقى جباناً هكذا بلا موقف ولا رد فعل ولا سخرية؟ سيرسمونه أبيض على لوحات الإعلانات واللافتات الانتخابية وعلامات المرور ثم يلطخون صورته بألوان الموت والخوف والخشوع ليبدو مطلياً بأوضاع مخجلة يستطيعون التعامل معها كأسباب للإدانة، وبينما هم يشوشون على وجوده بالصخب صار يمشي خفيفاً كالهواء يعيرهم نظرة جانبية كأنها الاختفاء أو اللا شيء الأبيض الذي يعدو فجأة ليظهر في لوحاتهم الفنية في أوراق كتابتهم وعلى صفحات جرائدهم في أحلامهم الملونة، ليستيقظوا جميعاً فجأة على هذا الكابوس الأبيض كأسنان الموت النظيف، كخلية أخرجت لتوها فضلات ذاكرة منتهكة. * شاعرة مصرية.