} دعا ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير عبدالله بن عبدالعزيز العرب والمسلمين الى ادانة الارهاب ومن يؤازره "بقول أو فعل". وقال في خطابه أمام مؤتمر القمة لدول مجلس التعاون الخليجي في مسقط ان ما يحدث في فلسطين من "مشاهد أليمة" يستدعي "محاسبة النفس قبل الغير" و"طرح اسئلة ملحة وخطيرة طالما تهربنا من مواجهتها في الماضي". وأكد "اننا أخطأنا في حق أمتنا الكبرى حين سمحنا لعلاقاتنا أن تكون قائمة على الشك وسوء الظن..."، مشدداً على أن "استجداء الدول والمنظمات الدولية واستعطافها" تضييع للوقت... و"جهدنا كله يجب أن ينصب على اصلاح البيت العربي والاسلامي وجعله قادراً على مواجهة التحديات...". وفي ما يأتي نص الخطاب: "أيها الاخوة الكرام كم كان بودنا أن نجتمع اليوم في ظروف أفضل من تلك التي تمر بها أمتنا العربية والاسلامية، وهي ظروف اقتضت إرادة الخالق - عز وجل - أن يُمتحن فيها معدن الصابرين المؤمنين، من أشار لهم في كتابه العزيز فقال: "وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور". فالمحن والكوارث، في حقيقة أمرها، فرص وتحديات تتطلب منا جميعاً محاسبة النفس، ومراجعة المواقف، واصلاح الخلل، لنخرج منها - بإذن الله - أقوى مما كنا عليه يوم دخلنا فيها، فالأزمة القاتلة هي الوقوف أمام الأزمات مكتوفي الأيدي، سلبيي العزيمة، ملقين باللوم على الآخرين، دون أن نتصدى لدورنا الكامل مع المسؤولية. إن تغيير الواقع الأليم، لا يتسنى إلا بتغيير أنفسنا أولاً، انصياعاً وإيماناً لقول الحق - جل جلاله -: "ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". ومن خلال هذه الرؤية الالهية سيكون محور حديثي معكم اليوم. أيها الاخوة الكرام ان أمتنا العربية والاسلامية تضررت أبلغ الضرر بسبب تصرفات رعناء لقتلة رفعوا شعارات الاسلام، والاسلام منهم براء. وادعوا نصرة الأمة العربية والاسلامية، والأمة هي الضحية الأولى لاجرامهم وعبثهم، لذلك فواجب المسلمين جميعاً في هذه الظروف ادانة الأعمال الارهابية كافة، دون لبس أو غموض، وادانة من يؤازرها بقول أو فعل، وأن يبينوا الفرق الشاسع والواضح بينها وبين النضال الوطني المشروع في سبيل تقرير المصير. ان الاسلام هو دين التسامح والمحبة، ويعتبر قتل النفس البريئة كقتل الناس جميعاً، فالله - سبحانه وتعالى - يقول: "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً". والاسلام يدعو الى ان يكون التعامل مع الآخر بالمجادلة الحسنى لقوله تعالى: "ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، بل ان الله - جلت قدرته - خاطب موسى وهارون - عليهما السلام - حينما بعثهم الى فرعون فقال: "فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى". لذلك علينا أن نتعامل مع الآخرين بأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، لنعكس من خلال تصرفاتنا سلوك المسلم الحقيقي، الذي قال عنه نبي الرحمة: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". أيها الاخوة الكرام إذا ما حولنا أنظارنا صوب أمتنا العربية والاسلامية، راعنا ما يحدث لأشقائنا في فلسطين الشقيقة من تدمير ومذابح دامية تتم تحت سمع العالم وبصره. ان هذه المشاهد الأليمة تحتم على الأمة العربية والاسلامية في مشارق الأرض ومغاربها ان تواجه مسؤوليتها التاريخية، التي تتطلب محاسبة النفس قبل محاسبة الغير. ولا يكون ذلك الا بمواجهة اسئلة ملحة وخطيرة طالما تهربنا من مواجهتها في الماضي. ماذا فعلنا نحو تحقيق المبادئ السامية التي قامت عليها جامعة الدول العربية؟ ماذا فعلنا لتنفيذ معاهدة الدفاع المشترك؟ ماذا فعلنا لتحقيق الوحدة الاقتصادية؟ والسؤال الأهم هل ما يدور الآن في فلسطين من قمع دموي سيحدث لو أن اسرائيل وجدت أمامها أمة عربية واسلامية متضامنة، أمة موحدة الكلمة، والصف، والهدف، أمة تتحرك عبر مؤسسات فاعلة وقوية مؤثرة؟ أحسب اننا بطرح هذه الأسئلة نتلمس طريقنا الى الأجوبة، ومع الأجوبة الصحيحة نستطيع - بحول الله وقوته - الوصول الى أهدافنا الصحيحة. ان وقتنا أثمن من أن نضيعه في استجداء الدول والمنظمات الدولية واستعطافها، وقد فعلنا هذا، عبر عقود طويلة الزمن، بلا جدوى، وجهدنا أثمن من أن نهدره في شجب واستنكار، وقد قمنا بهذا، عبر عقود طويلة بلا فائدة. ان وقتنا كله يجب أن يكرس لمحاسبة النفس العربية والاسلامية على التقصير، وحثها على عدم تكرار الخطأ. وان جهدنا كله يجب أن ينصب على اصلاح البيت العربي والاسلامي وجعله قادراً على مواجهة التحديات. وأحسبنا لا نتجاوز الحقيقة اذا اعترفنا اننا جميعاً، ولا استثني أحداً، بأننا أخطأنا في حق أمتنا الكبرى حين سمحنا لعلاقتنا العربية والاسلامية أن تكون قائمة على الشك وسوء الظن بدلاً من المفاتحة والمصارحة، وحين نشدنا العون من الغريب ونسينا القريب، وحين فتحنا بيوتنا وأسواقنا لمنتجات الآخرين وسددناها أمام المنتجات العربية والاسلامية، وحين أجزنا لأنفسنا أن نعزو كل نكسة من نكساتنا الى مؤامرة تجيء من وراء الحدود، والى استعمار لا يزال يسكن العقول والأرواح. أيها الاخوة الأعزاء اننا لسنا في حاجة الى قمم طارئة تصدر عنها قرارات انفعالية ارتجالية، تموت قبل أن يجف الحبر الذي كُتبت به، فحاجتنا الحقيقية هي الى قمم للتأمل والتحليل تصدر عنها قرارات منطقية وواقعية تنفذ وفق جداول زمنية معقولة. ان الفرصة لم تفلت من أيدينا بعد، ولا يزال بوسعنا ان نُشخص الداء ونتلمس الدواء. والداء الذي لا أظننا نختلف على طبيعته، هو الفرقة القاتلة التي أبعدت الجار عن جاره، ونفرت الشقيق من شقيقه. والدواء الذي اعتقد اننا نجمع على فعاليته هو الوحدة التي تعيد الجار الى حمى جاره والشقيق الى حضن شقيقه. لقد كنا دوماً، نسعى الى الوحدة، ولكننا ضللنا الطريق حين عقدنا آمالنا على ترتيبات دستورية شكلية، توضع في فراغ وتنتهي في ضياع. فمسيرتنا الوحدوية يجب أن تتعلم من أخطاء الماضي، كما يجب أن تستفيد من كل التجارب الوحدوية الناجحة. ان الوحدة، الحقيقية لا تنصب على الشكليات ولكنها تقوم على مشاريع اقتصادية مشتركة تنتظم من أقصاها الى أقصاها، وعلى مناهج دراسية واحدة تنتج جيلاً شاباً مؤهلاً للتعامل مع المتغيرات، وعلى قنوات عربية واسلامية نستطيع عبرها معالجة مشاكلنا بأنفسنا وبدون تدخل الغرباء. ان المشاكل أمر طبيعي حتى داخل الأسرة الواحدة، والتحدي الحقيقي لا يكمن في طلب المستحيل وتوقع اختفائها، ولكن يكمن في قدرتنا على ايجاد المؤسسات القادرة على التعامل مع الخلافات قبل أن تستفحل، وعلى حلها قبل أن تتفجر. أيها الاخوة الأعزاء إن مهمة التوحيد والتقريب التي تواجهنا في خليجنا العربي، لا تختلف عن المهمة التي تواجهنا على مستوى الأمة العربية والاسلامية، فنحن في هذا الخليج جزء لا يتجزأ من الأمة العربية والاسلامية لا يصلح إلا بصلاحها ولا يتقدم الى بتقدمها. فعوامل الجوار والتشابه الثقافي والتاريخي والسياسي تسهل مهمتنا في التوحيد والتقريب على مستوى الأمة الكبرى. وكل نجاح نحققه في مجلس التعاون، أو يحققه أي تنظيم عربي أو اسلامي اقليمي آخر، هو في البداية والنهاية، نجاح يصب في مصلحة الأمة العربية والاسلامية ويخدم أهدافها. اننا لا نخجل من القول اننا لم نستطع بعد، ان نحقق الأهداف التي توخيناها حين إنشاء المجلس. ولا زلنا بعد أكثر من عشرين سنة من عمل المجلس نسير ببطء لا يتناسب مع وتيرة العصر. والانصاف يقتضي ان نقرر أن دول المجلس استطاعت تحقيق انجازات طيبة، يجيء في مقدمتها حل الأغلبية الساحقة من القضايا الحدودية المعلقة. الا ان الموضوعية والصراحة تتطلب منا ان نعلن ان كل ما تحقق حتى الآن، جزء يسير يذكرنا بالجزء الكبير الذي لم يتحقق، فلم نصل بعد الى انشاء قوة عسكرية واحدة، تردع العدو وتدعم الصديق. ولم نصل بعد الى السوق الواحدة. ولم نتمكن بعد، من صياغة موقف سياسي واحد نجابه به كل الأزمات السياسية. وهنا ارجو ان تسمحوا لي ان أذكركم ونفسي ان تمسكنا المبالغ فيه بمفهوم السيادة التقليدي هو الذي يقف حجر عثرة أمام مساعي التوحيد. ان اعطاء مجلسنا هذا قدراً أكبر من الصلاحيات لا يعني التنازل عن استقلالنا بقدر ما يعني دعم هذا الاستقلال وترسيخه وصولا الى وحدة عربية واسلامية في المواقف والتوجهات والأهداف. ولنا في الاتحاد الأوروبي نموذج نحسن صنعاً لو استأنسنا ببعض ما جاء فيه. أيها الأخوة الأعزاء ان مهمة التوحيد والتقريب هي واجبنا الأساسي على المدى القريب والبعيد. الا ان الظروف الاستثنائية التي نشهدها، هذه الأيام، تتطلب تحركاً استثنائياً للتعامل معها. فمن الناحية الاقتصادية، شهدت أسعار البترول في الآونة الأخيرة انخفاضاً خطيراً يهدد رخاء شعوبنا ورفاه مجتمعاتنا. وهذا الوضع يتطلب منا ان نوحد المواقف والجهود كما فعلنا عندما انخفضت أسعار البترول قبل بضع سنوات. حينما تمكنا وقتها، بفضل الله ثم المواقف الصلبة الواحدة، من تجاوز تلك الأزمة. ونحن بحول الله وقوته، قادرون على مواجهة الأزمة الراهنة بالمواقف الصلبة ذاتها. ومن الناحية السياسية، يشهد العالم تطورات خطيرة رأينا كيف بدأت، ولا نعرف كيف ستنتهي. ومن الغني عن الذكر اننا لن نستطيع التأثير في هذه التطورات ما لم نحللها بعقلية واحدة ونتخاطب معها بصوت واحد. ومن الناحية الثقافية، تتعرض أصالتنا الاسلامية العربية لكثير من الضغوط والتأثيرات، وما لم يكن لنا منها موقف واحد فإن هويتنا المتميزة يمكن أن تتعرض، لا سمح الله للتشويه. لذلك يفرض علينا الواجب أن نتبنى الخطاب الحضاري المعتدل، الذي يستطيع التعامل مع المتغيرات، ودون أن يفرط في الثوابت، فمشروعنا الحضاري القائم على الامتزاج الرائع بين الاسلام والعروبة، هو مشروع يمكن أن يخدم الانسانية جمعاء، اذا استطعنا أن نحسن التمسك به، وأحسنا عرضه على بقية الحضارات. أيها الاخوة الكرام بتوكلنا على الله - عز وجل - ثم بمؤازرة من شعوبنا العربية والاسلامية يستطيع القادة في أن يمضوا قدماً نحو مسيرة التوحيد والتقريب، اذا ما وضعوا نصب أعينهم مخافة الله ثم مصالح أمتهم العربية والاسلامية "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز". والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".