تظنه تمثالاً كلاسيكياً، أو حرساً من عسس لندن الذين لا يتحركون مهما فعلت أمامهم. لكنه في الحقيقة "تاجر حر" - كما يصف نفسه - يقفُ على قارعة الطريق تحت الشمس والمطر ليبيع ما يملك من أدوات بناء في غالبية الأحيان أو أدوات كهربائية أو العاباً يرفعها عالياً كي تراها أنت ويراها الآخرون. انه غسان اللوبيا... عائلته كانت تحمل هذه الشهرة سابقاً، لكنها تقدمت بدعوى الى محكمة الأحوال الشخصية مطالبة بالتصحيح، وكان لها ما أرادت، حتى أصبحت تعرف اليوم بآل بعينو. وغسان البالغ من العمر 23 سنة "لا تستطيع الامساك به فهو صراخ يقول كل شيء ولا يقول شيئاً. يخاطب الجميع ولا يخاطب أحداً". انه في الحقيقة الوجه والقفا معاً، تعجز عن وصفه، فهو حكاية لا تنتهي. يشم رائحة السرقة في كل شيء. لم يتزوج بعد "ما صار نصيب" يقول، ويضيف "النسوان بتنق كتير وأنا ما بحب النق لشو تعب القلب". أما لماذا يقف دائماً في المكان نفسه؟ لأبيع ما لدي من أشياء فأنا أملك اليوم مالجاً" مسترين يستعمل لتوريق الحيطان انظر كم هو جميل - يقول غسان - ويُضيف مالس، جديد، وكبير، انه لتوريق الحيطان. فهو معي منذ يومين ولا من يشتريه. "الناس بطلوا يورّقوا الحيطان... تنابل... تنابل... ما بدن يشتغلوا"... يردد غسان من دون توقف. - وغير المالج ماذا لديك؟ - مفتاح جُنط. - كم سعره؟ - عشرة دولارات - غالي كتير... يهمهم غسان ويردد "شامم ريحة سرقة". - سرقة شو يا غسان؟ - أنتَ مخابرات، شامم الريحة... ريحتكِ مخابرات أنا بعرف. - لا أنا لست كذلك. - أعرف هذه الريحة، أعرفها جيداً. أحاول تغيير الحديث فأسأل غسان مجدداً منذ متى تقف هنا؟ لا يجيب أعاود السؤال "غسان منذ متى تقف هنا وتبيع أغراضك؟". - شامم ريحة سرقة. - اية سرقة يا غسان؟ - الحشري بيموت قهر - يقول غسان - ويتابع "بدك تشتري اشتري ما بدك حاجي تنقي". ويتوجه غسان بكلامه الى زوجي قائلاً "الله يصبّرك بضل تنق". يتدخل زوجي مُسايراً غسان بقوله "معك حق، معك حق، ولكن لم تقل لنا منذ متى وأنت هنا تبيع الأغراض؟". - آه، يمكن أنت تحرّي كمان! - لا أبداًَ بس حابين نعرف. - ريحة مصرياتك سرقة، أنا بعرف، أنت ومرتَكْ مثل أبو الشوارب. يسكت زوجي، ويدعوني بحركة من يده للرحيل، لكنني أشعر برغبة ملحة في سؤال غسان عن أبو الشنب ومن هو؟ يقول: انه زبون عندي ناطره من أول الصيفية. - لماذا؟ - اشتري مني موتور تلحيم كهرباء، واعطاني مئة ألف ليرة مزورة، وأنا ناطره، وين بدو يروح، بدو ينزل من الصيفية مرتو كمان بتنق بتضل تنق علييه، ريحة مصرياته سرقة... تترك غسان، وتجارته وفكاهته، وتكمل سيرك حيث تتجه، وتسأل نفسك هل يحمل غسان هموماً؟ وتضيف هل يعيش في عالمنا ومشكلاته ام انه يعيش في عالم آخر؟ "انه لا يحب الحرب، ولا رجال السياسة، لأنهم كاذبون كما يقول "إلاّ الشيخ" الياس الخازن فهو آدمي أنا زلمتو وبحبو كتير وعندما أقول هذا للدرك يتركونني ويرحلون هرباًَ". وغسان لا يسهر في النوادي الليلية، ولا يلعب الميسر، ولا في سباق الخيل، "كلهم اونطجية" يقول ويضيف "بربّحوا مين ما بدن وبخسروا مين ما بدن، إذا عندك واسطة بتربح وإذا ما عندك واسطة بتخسر". وفي النهاية، يبقى غسان على بساطته وعفويته، وبراءة كلماته قصيدة طويلة منسوجة بأقوى أساليب الغضب والصمت. "فمثل غسان من الناس يرون ما لا يستطيع العاديون من البشر رؤيته، كما يقول زوجي".