منذ فجر التاريخ والانسان يحاول تشييد أعلى برج أو مبنى أو بنية. ويبدو أن البلاد التي تحوي أعلى الأبنية تصبح مرموقة الى حد أن بناء مثل هذه المعالم بات من القضايا الكبرى التي تُدرج في جداول الاعمال السياسية في كثير من البلدان. وعلى مرّ الزمن، طالبت ابراج عدّة بلقب "الاعلى"، وتسابقت مدن على الفوز واختلفت في ما بينها على المعايير. فما هي إذاً، طبيعة الخلاف على "أفْعَل التفضيل" هذا الذي يشبه قصة "ابريق الزيت"؟ خلال تسعينات القرن الماضي، احتفظت الولايات المتّحدة بهذا اللقب. وكانت الابنية الشاهقة تنتصب الواحد تلو الآخر في ارجائها منذ بدايات القرن الماضي مبنى "وولْورث"، نيويورك، 241 متراً، عام 1913. ولكأن بعضها كان يتسابق مع بعضها الآخر على بلوغ السحاب، ضمن بلاد واحدة. وأحياناً، لم يكن اللقب ليدوم مع حائزه أكثر من بضعة اشهر، وأحياناً أخرى سنوات عدّة. عام 1974، انتهى بناء "برج سيرز" في شيكاغو 442 متراً، فانتزع اللقب واحتفظ به لمدة 20 سنة. ثم برزت آسيا منافساً قوياً لأميركا. ففي عام 1996، انتهى بناء برجي "بتروناس" التوأمين، في كوالالمبورماليزيا وبلغ ارتفاعهما 452 متراً. وكادا ينتزعان اللقب لولا نشوب نزاع حول ايّهما الاعلى "سيرز" أم "بتروناس". للوهلة الأولى بدا الجواب سهلاً جداً، إذ يكفي قياس المبنيين من الأسفل إلى الأعلى، وأطولهما يفوز باللقب. إلاّ أن الامور ليست بهذه البساطة. فمنهم من يرى أن الارتفاع يكون بقياس المبنى في حد ذاته أي بنيته الهندسية فقط، من دون الهوائيات المثبّتة على سطحه. ولانهاء الجدال الذي أثير، عمد "مجلس المباني العالية والمناطق العمرانية" في جامعة "لوهاي" بنسلفانيا، إلى تحديد 4 فئات لقياس الابنية العالية. وهي: 1- ارتفاع اعلى نقطة للبنية الهندسية، 2- ارتفاع اعلى طابق مأهول، 3- ارتفاع اعلى نقطة لسطح المبنى، 4- ارتفاع اعلى نقطة للهوائي. وعليه، يكون "سيرز" الاميركي متقدّماً في الفئتين الثانية والثالثة، و"بتروناس" الماليزي في الفئة الاولى، أما الفئة الرابعة فيتقدّم فيها "مركز التجارة العالمية" الذي انهار في 11 أيلول سبتمبر الماضي، وكان ارتفاعه الاقصى مع الهوائي 580 متراً ومن دونه 417 متراً. وتبيّن من التصنيفات الجديدة، أن لا مبنى واحداً هو الاعلى في العالم، إنما ثلاثة مبانٍ. وعلى رغم "الترضية" التي فضّ بها الخلاف، لم تنته المشكلة هنا. فقد ابدى اهل كندا انزعاجهم من التسوية التي لم تأخذ في الحسبان برجهم الشهير باسم "سي ان تاور" في تورونتو، ويبلغ ارتفاعه 599 متراً. هل الكنديون على حق؟ طبعاً لا، لأن هناك من قال إن برجهم مجرّد بنية حجر شكلانية، ليس فيها طوابق كثيرة وغرف وفنادق واحواض سباحة ومجمّعات تجارية... وإذا لم يكن "سي ان تاور" من فئة المباني العالية، فلعلّه يقع في فئة أعلى برج أو أعلى بنية. هنا، ثارت حفيظة الابراج التلفزيونية التي يصل ارتفاع احدها في ولاية داكوتا الشمالية إلى 629 متراً. فدخلت تلك الابراج في سباق "اعلى بنية في العالم"، على رغم احتجاجات جماعة "سي ان تاور" الذين قالوا إنها مجرّد ابراج معدن مثبّتة بحبال معدن ايضاً، تنهار لو قطعت حبالها. ثم تبعتها الحفّارات البحرية للتنقيب عن النفط والغاز، لكونها هي الاخرى بنى هندسية عالية، وإن نزولاً. وما الضير في ذلك، إذ يبلغ ارتفاع احداها من قعر المحيط في خليج المكسيك، 627 متراً؟ واغرب ما في هذه الخلافات أن "سي ان تاور" الكندي الشاهق، بقي شريداً لا ينتمي إلى أي فئة، ولا تجده في جداول تعداد "المباني والابراج... الاعلى". لعلّه ينتمي إلى فئة خاصة جداً، هي: أعلى "شيء" في العالم، ولو أن للشيء تفسيرات مختلفة. يبدو أنه كلّما أتى تصنيف جديد ل"الأعلى" تعقّدت الامور وتفاقمت الخلافات بين البشر. ونأمل ألاّ تصل إلى حدّ البلبلة التي اصابت اهل برج بابل، وهو "أول أعلى" في تاريخ البشرية، بلا منازع. ولعلّ الحل الامثل يكمن في التقيّد بالتسمية التي اطلقت على تلك البُنى، مأهولة كانت أم صمّاء، وهي "ناطحة سحاب"، عن الانكليزية skyscraper والتي تعني بالضبط "حاكّة السماء". وعليه، فإن أي بنية شاهقة تحكّ بطن السماء على نحو أفضل تفوز باللقب. وينبغي التعجيل في حسم الامور قبل أن تبصر فئة "ناطحات الفضاء" النور. اعلى 10 ناطحات سحاب 1- برجا بتروناس كوالالمبور، ماليزيا 452 م. 2- برج سيرز شيكاغو، الولاياتالمتحدة 443 م. 3- مبنى جين ماو شانغهاي، الصين 420 م. 4- مبنى امباير ستايت نيويورك، الولاياتالمتحدة 381 م. 5- سنترال بلازا هونغ كونغ، الصين 374 م. 6- بنك الصينهونغ كونغ، الصين 369 م. 7- برجا الاماراتدبي، الامارات العربية المتحدة 350 م. 8- المركز هونغ كونغ، الصين350 م. 9- تي أند سي تاور كاووسيونغ، تايوان 347 م 10- مبنى أموكو شيكاغو، الولاياتالمتحدة 344 م.