عند كل مستجد لتحديث سياسي أو اجتماعي في شتى مواقع دول مجلس التعاون، يتكرر سؤال حاد، بريء في بعض الأحيان، ومحمل بدوافع خبيثة في أحيان أخرى، بخاصة حين يأتي "متظاهراً" بهموم المواطنة والإصلاح. ذلك هو التساؤل عن موقعنا من "الديموقراطية"! كُثُرٌ منا يحاولون تحييد السؤال بصورة حمائية للنفس أو تبريرية للموقف. وأغلبنا يتجنبونه لأنهم لا يجدون له جواباً شافياً، أو يحسونه مغرضاً. ومعهم حق... فقد ينتهي التشكيك بعرض للتدريب على التفجير! وقد يكون التطرق الى ما حققته أو لم تحققه تجربة المجالس المنتخبة بشتى أنواعها ومسمياتها في الدول الأخرى، شيئاً من هذا الالتفاف أو التهرب... لكن الحديث عن تجربة "مجالس" الخليج بشتى صورها، ذو شجون متداخلة. حتى بين المواطنين الخليجيين والأخوة العرب، هناك من ينظر إليها على أنها إجراء إرضائي يوحي بأنه يعطي شيئاً، ولكنه لا يعطي، في الحقيقة، غير مظهر المشاركة في صنع القرار. ومع هذا، فإنني أقول إن ما حققته المجالس النيابية المختلفة، عربية وغير عربية، في غياب الوعي وعدم التزام المواطنة ومسؤولياتها الجسيمة، لا يوحي بأن العالم النامي بصفة عامة، وصل الى مرحلة الاستفادة من تجربة الديموقراطية الشاملة، بصورتها الغربية أو حتى الشورى بالصيغة الإسلامية التي فضلتها دول الخليج. وما هذا باستنتاج او اعتراف بأمر جديد علينا، ولكننا نتناسى دائماً خلاصة التجربة الإنسانية: بين طيبة علي، وطموحات معاوية، ودهاء عمرو بن العاص وخبرته، ومنطق قراقوش، ومنطقية جحا... نظل نراوح على ذلك الهامش المتخبط مصدومين بواقعية ميكيافيللي. وأقول، إننا قبل أن نتساءل عن حقوق المجموع في انتخاب صناع القرار، يجب أن نكون على وعي بمدى تفشي الأمية السياسية والاجتماعية والثقافية، وحتى الوعي الديني السليم بين المواطنين العرب، وما يعنيه ذلك من إمكان تسخيرهم، إذا توتروا بفعل فاعل، في صخب غوغائي لا يوصلهم ومجتمعهم، الى غير الوقوع في براثن الاستغلال، تطرفاً الى أي وهم يصدقون أن فيه الخلاص. أقول، الديموقراطية والعدل والحرية والمساواة أحلام جميلة تراود مثالياتنا كلنا - ولو نستغني عن أحلامنا لا نتخلى عما تبقى من انسانيتنا فقط، بل ونغامر بإلغاء مستقبلنا - ولكني أسارع فأضيف اننا يجب الا ننسى أن الخطوة الأولى هي تحقيق التعليم والوعي والعدل الاجتماعي الذي يزرع الالتزام، ويسمح للمواطن، أي مواطن، بالتفكير والمعرفة، وبالتالي القدرة على الاختيار الصحيح. وحين نتسامح في غيبوبة الوعي او تخديره نحكم على مستقبلنا بالموت. وحين نرضى أن نكون الاغلبية المتراخية نستحق الحرمان من المستقبل. ولعلنا نعود الى عالم الواقع وموقعنا من الفعل فيه، ونحن أقدر على تطويعه، إذا واجهنا حقيقة ان تلك الخطوة الأولى المصيرية ما زالت هي نفسها حلماً لم يصل اليه عالم الاغلبية. وان علينا ونحن نحمل مسؤولية الوعي أن ندفعهم الى البدء بأولى الخطوات نحو العلم والوعي والمعرفة، لنستطيع تعبيد الدرب الوعر الى ممارسة المشاركة الفاعلة التي لا تتأثر بفحيح الاسئلة المغرضة، ولا بالتشكيك في الذات. أقول: كل محاولة لتحديث الوضع الخليجي خطوة بدء يقوم عليها البناء.