تستعد "دار التربية والتعليم الاسلامية" أو "الكلية الاسلامية" في طرابلس للانتقال الى منطقة زيتون طرابلس في "ضهر العين" الكورة، من مكانها القريب من جامع "طينال" في شارع العجم، في حي "محرم". سيضم المبنى الجديد للكلية "جامعة المنار" بالتنسيق والتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت. وبهذا تخسر مدينة طرابلس أقدم وأعرق جامعة اسلامية - وطنية ويصبح مصير المبنى التاريخي للكلية مجهولاً. ولم يعد في انتظاره سوى الهدم واقامة طبقات اسمنتية مكانه، الا اذا ما تنادى الى حمايته الغيارى والحريصون. فالمبنى الذي تم انشاؤه في العام 1922 يعتبر واحداً من المباني المتميزة بأنساقها الهندسية، من طراز القصور الاندلسية - والشامية، والمغربية، وقد يكون اليوم يواجه أيامه الأخيرة. وقد اقيم المبنى المذكور في مدينة طرابلس التي وعت مبكراً أهمية انخراطها في المشروع الوطني- العروبي العام، ومن خلال الدور العلمي الحديث. وعلى هذا راحت تنشئ نوعاً جديداً من العلاقات، ومختلفاً عما عرفته في الحقبة العثمانية، على مستوى اندماجها سياسياً وايديولوجياً في مشروع "دولة لبنان الكبير". وحين اتسم دور المدارس الرشدية - العثمانية" في أواخر القرن التاسع عشر بالتقصير عن مواكبة الدور الذي تمثل في أساليب ومناهج عمل الارساليات الأجنبية تحركت مجموعة من العلماء والمشايخ لانشاء معهد أو جامعة اسلامية تضطلع بهذا الدور. ولم ينكر الطرابلسيون ميلهم الى الحفاظ على خصوصية مدينتهم الاسلامية الطابع والتوجه. برز ذلك في محاولات رفضهم البقاء تحت سلطة الانتداب الفرنسي في أعقاب اعلان "دولة لبنان الكبير" ونزوعهم نحو الحاق طرابلس بسورية آنذاك ذات النهج "العروبي - الفيصلي" وبرغبتهم في انشاء مؤسسات تربوية - ثقافية، ذات مناهج "اسلامية - عروبية" قادرة على تأهيل أبنائهم بكفاءات تضاهي تلك التي تعطيها الإرساليات الأجنبية. حصلت مجموعة المؤسسين لما سمي في ما بعد "دار التربية والتعليم الاسلامية" على قرار ترخيص لها تحت اسم "الجمعية الخيرية الاسلامية، واسعاف المحتاجين" في 18 آذار في عام 1921. كان صاحب الفكرة الشيخ جميل عدرة، وشاركه في التأسيس الشيخ عبدالحميد الحامدي، والشيخ فائق الجمالي، والشيخ توفيق الميقاتي، والحاج زكي الامام والحاج كمال بركة والحاج حسين الحالومي والحاج رائف سلطان والحاج رفيق فتال والحاج اقبال زيادة وانضم اليهم لاحقاً الحاج وهيب حسين آغا. ويقول احد المشرفين التربويين في الكلية لم يشأ ذكر اسمه عن دور الكلية التربوي اليوم، وعن أساليب ومناهج التعليم فيها: تطبق الكلية المناهج التربوية اللبنانية الجديدة قبلها مثل اي مؤسسة تربوية أخرى. وقد جرى اعداد المعلمين للتكيف مع هذه المناهج من خلال دورات تأهيلية، بما ينعكس ايجاباً على الطلاب. لدينا معلمون حضروا دورات تدريبية في فرنسا، وفي لبنان. كما وأنهم دربوا وساعدوا زملاء كثر لهم على التمكن مما اكتسبوه في هذا المجال. يوجد في الدار أساتذة شاركوا في اعداد معلمين ومعلمات في التعليم الرسمي والخاص على صعيد لبنان. ولا يمكننا مقارنة المرحلة السابقة التي خرجت الكلية فيها أسماء لامعة عربياً ولبنانياً بالمرحلة الحالية. حيث كان لتلك المرحلة ظروفها التاريخية التي هيأت وساعدت على بروز الذين برزوا في ما بعد. ومن المعروف لدى الباحثين والمهتمين في هذا المجال أن "الجمعية الخيرية الاسلامية" قامت استجابة، لنداءات وحاجات المجتمع الطرابلسي- الاسلامي، وكرد فعل على ما تركته الحرب العالمية الأولى من مآسٍ. وكان اهتمامها أساساً ينصب على رعاية الأيتام والمشردين وتعليمهم. وقد أنشأت الجمعية بعد ذلك "دار التربية والتعليم الاسلامية" التي بدأت معهداً تعليمياً متواضعاً تنامى واتسع وأصبح في الخمسينات - الستينات "أهم معاهد التعليم الخاص في العالم العربي". ومع التزام الجمعية بدورها الأساسي في رعاية الأيتام نجحت في اقامة صرح تربوي كبير، أصبح في ما بعد "قبلة الطلاب العرب من جميع الأقطار العربية". وقد ساهم في نمو "دار التربية والتعليم الاسلامية" مجموعة عوامل أبرزها تنامي الشعور الوطني الطالبي باستقلال لبنان وخلاصه من الانتداب الفرنسي، وأصبحت هذه الدار آنذاك بما ترمز اليه من تجسيد للبنانية التربية الوطنية - الاسلامية - العروبية المؤسسة التي يقصدها اللبنانيون عموماً، والطرابلسيون خصوصاً. وقد شجع ذلك الكثير من طلاب المعاهد والارساليات الأجنبية على تركها والالتحاق ب"الكلية الاسلامية" نظراً لقناعتهم أن الانتقال الى هذه الدار يمثل موقفاً وطنياً متقدماً. ونتيجة احتشاد ابناء طرابلس والشمال فيها أصبحت معقلاً للحركات الطالبية المطالبة باستقلال لبنان. آراء بعض الطلاب وعن رأي الطلاب في الكلية الاسلامية، ومناهجها وطرق تعليمها اليوم تقول الطالبة ريمي درباس، من طلاب "القسم الأدبي" في صف البكالوريا القسم الأول، تحتاج المدرسة الى مختبرات للكمبيوتر والتقنية الحديثة، وربما هي غير مهيأة لاستقبال كل شيء. كما وأن ثمة عنصراً آخر هو عدم وجود أساتذة كفيين لتعليم بعض المواد التي لا غنى اليوم عنها كالمعلوماتية، والاقتصاد، والاجتماع وفق أساليب التكنولوجيا الحديثة، وبمواصفات كمبيوترية. ولا تزال المناهج القديمة هي السائدة بما لا يتلاءم مع ما هو مطروح اليوم. علاقة الطلاب بالأساتذة علاقة ممتازة على الصعيدين التعليمي والتوجيهي ولا يوجد اي توجه طائفي ضمن التوجه العام للمدرسة. وعن الأسئلة نفسها تجيب الطالبة نادين نجم الدين وهي من طلاب البكالوريا "قسم العلوم الاختبارية" فتقول: تحرص إدارة المدرسة قدر المستطاع على توفير تعليمنا البرامج الجديدة لنكون مسلحين مستقبلاً بالسلاح العلمي الحديث. تعتبر مناهج الكلية مناهج متقدمة جداً، ومختبرها الكيميائي مجهز بكامل المعدات التي يطبق بواسطتها لنا المعلمون الدروس. دور طالبي ناشط ومن المعروف أن للكلية الاسلامية في طرابلس دوراً تاريخياً يتميز عن "سائر طلاب المدارس والكليات اللبنانية لجهة القضايا الوطنية، اللبنانية، والعربية على حد سواء. ففي العام 1943 قاد طلاب الكلية الاسلامية التظاهرة الشهيرة في 13 تشرين الثاني نوفمبر، التي سقط خلالها قتلى وجرحى في مواجهة قوات الانتداب الفرنسي. واستمر نهج الكلية الى ما بعد الاستقلال نهجاً وطنياً - عروبياً متعاطفاً مع قضايا التحرر العربي بدءاً من "نكبة فلسطين" مروراً بأحداث المنطقة العربية جميعاً، بما فيه النضال في سبيل تحرير الجزائر. وقد أدى ذلك في مرحلة الخمسينات والستينات الى اعتبار الكلية مصدر ازعاج دائم للسلطة اللبنانية آنذاك، لأنها كانت تتبنى القضايا الساخنة على المستويين العربي والمحلي. وكانت تغض الطرف عن حيوية تحركات طلابها في الداخل. ومن المحطات الوطنية البارزة في تاريخ الكلية الاسلامية أنها كانت معقلاً دائماً لدعم "الانتفاضة الفلسطينية" التي حدثت في العام 1936، واستمرت ثلاث سنوات تقريباً. حيث كانت تجمع التبرعات، وتنطلق التظاهرات الداعمة في طرابلس من "الكلية الاسلامية" والتي على أثرها زارها قائد تلك الانتفاضة، مفتي فلسطين الشيخ أمين الحسيني. كما حظيت الكلية بزيارة أنور السادات "نائب رئيس الجمهورية العربية المتحدة" نتيجة المواقف الوطنية المؤيدة لجميع قضايا التحرر العربي. وفي العام 1956 تطوع قرابة الخمسين طالباً من الطرابلسيين المتحمسين، وتوجهوا الى مصر على متن باخرة، للالتحاق بالمقاومة المصرية ضد "العدوان الثلاثي". كما وزارها رياض الصلح وحسين العويني وكميل شمعون. ونجحت هذه الدار في اقامة صلات وثيقة مع عدد من الجامعات في العالم، خصوصاً جامعات مصر وتركيا، بإضافة الى عدد من الجامعات الأميركية التي كانت تقبل شهادة "الثانوية العامة" التي تصدرها الدار من دون الحاجة الى شهادة "القسم الثاني" الحكومية، مما أفسح في المجال أمام المئات من طلاب الكلية الالتحاق بسهولة بالجامعات في الخارج. ولأن الكلية الاسلامية كانت "الكلية الوحيدة في لبنان التي تصدر شهادات مدرسية مقبولة جامعياً في العالم" تشجيع كثير من الطلاب العرب من كل البلدان العربية على الالتحاق بها، حيث وفد هؤلاء اليها وعلى مدى سنوات طويلة من سوريا والأردن والعراق وفلسطين والكويت والسعودية واليمن وغيرها. وإضافة الى وجود عدد كبير من الطلاب العرب من المراحل الثانوية، كانت الكلية مقصداً لمئات الطلاب من جميع انحاء لبنان، خصوصاً ابناء بيروت والبقاع. وكان وجود قسم داخلي في الكلية يتسع لأكثر من 500 طالب مع اقامة كاملة من الأمور التي سهلت قبول الطلاب العرب واللبنانيين من خارج طرابلس. وقد برز الكثير من هؤلاء في مجالات علمية وثقافية واقتصادية مهمة، وتبوأ بعضهم مراكز سياسية عليا في بلادهم. كما وكانت الكلية تضم قسماً خاصاً بالبنات في مبنى مستقل الا انه أقفل في أواخر الخمسينات. ومن الشخصيات اللبنانية المرموقة التي تلقت تعليمها في الكلية: الشيخ صبحي الصالح، والرئيس رشيد كرامي، والرئيس عمر كرامي والرئيس أمين الحافظ والنائب محمد كبارة والنائب صالح الخير، والدكتور عبدالمجيد الرافعي، والنائب محمود طبو، وكثيرون ممن تبوأوا مركزاً عليا في هيئات وقطاعات المجتمع المدني. وأفرزت الكلية الاسلامية في طرابلس نخبة كبيرة من طلابها أنشأوا لاحقاً مراكز "الرابطة الثقافية" وهو واحد من أضخم المراكز الثقافية في لبنان. واعتبرت هذه الرابطة في مرحلة الحرب الأهلية "قاعدة العمل الوطني" عبر تبنيها مع مؤسسات رديفة ل"النادي الثقافي العربي" في بيروت، و"دار الندوة" و"نادي أنطلياس" اقامة مشروع "الحوار السلمي الاسلامي - المسيحي" طيلة سنوات الحرب. وقد ساهمت الكلية في تشييد مبنى الرابطة الثقافية الذي قام على مساحة تناهز الألف متر تقريباً. ويضم قاعة كبيرة للحفلات والعروض المسرحية، والفنية، وقاعة استقبال كبرى، وقاعة مكتبة عامة، ونادي للألعاب الرياضية المتنوعة. ويبلغ عدد المنتسبين الى الرابطة الثقافية 1000 عضو جميعهم من طلاب الكلية الاسلامية. وتضم اليوم "دار التربية والتعليم الاسلامية" أكثر من ألف طالب وطالبة، موزعين على فرعين للبنين والبنات لكل منها مبنى مستقل. وتبدأ صفوفها من الروضة الأولى حتى الصف الثانوي الثالث. ويجري التدريس فيها وفق مناهج التعليم الرسمي اللبناني. وتعد الدار الطلبة لنيل شهادة البكالوريا اللبنانية بفروعها الثلاثة.