أخيراً تنبه المسؤولون في مصر إلى أهمية تطوير ضاحية حلوان 30 كيلو متراً جنوبالقاهرة وهي التي تتميز بتاريخ عريق، وإمكانات سياحية ملفتة، إذ يعود تاريخها إلى العصور الفرعونية. وتشير المصادر التاريخية إلى أن المدينة عاشت إزدهاراً حقيقياً في عصر الخلفاء الأمويين، وفي عهد الدولة الطولونية، وإن كانت لم تكتسب آنذاك أهميتها كمنطقة سياحية، ولكنها انتظرت حتى عهد الخديو اسماعيل، الذي اتخذ قراراته في شأن تحديث القاهرة. وتضمنت تلك القرارات تأسيس مدينة حلوان الحمامات شرق حلوان القديمة بعدما رأى ضرورة الاستفادة من عيونها الكبريتية الطبيعية، وامكاناتها السياحية. وترتفع المدينة بنحو 40 متراً عن سطح البحر، وهي تبعد نحو أربعة كيلو مترات الى الشرق من نهر النيل، ولذلك يتميز جوها بأنه "جاف" ونسبة الرطوبة فيه منخفضة. كما يبلغ متوسط الساعات التي تشرق فيها الشمس ثماني ساعات على مدار العام، ما يسهم في تهيئة المناخ للسياحة وتخدم هذه الظروف كذلك انماط السياحة. ويؤكد مدير "مركز حلوان الكبريتي للطب الطبيعي والروماتيزم" الدكتور حسين القاضي أن تاريخ العلاج بمياه حلوان الكبريتية يعود الى سنة 1889، وجُددت الحمامات في عام 1955، وفي منطقة العيون الكبريتية مركز اختصاصي للعلاج يحوي نحو 38 غرفة للعلاج بالمياه الكبريتية بالاضافة الى العشرات من غرف الاستراحة وشاليهات لإقامة المرضى الوافدين من خارج القاهرة. ويعالج المركز أمراضاً روماتيزمية عدة منها التهاب المفاصل والروماتيد، وحالات الشلل، ووهن الأطراف والتئام الكسور، وتيبس المفاصل، وامراض السمنة الزائدة من خلال مركز العلاج الطبيعي. وعلى رغم تلك الامكانات داخل المركز إلا أن حركة العلاج في داخله شهدت انخفاضاً كبيراً في السنوات القليلة الماضية، بعد زيادة نسبة التلوث في الضاحية التي ساهم فيها التوسع الصناعي وحولها. وفي الضاحية ثلاث شركات متخصصة في انتاج الاسمنت. وزادت نسبة التلوث مع التوسع في إنشاء المصانع منذ قيام ثورة تموز يوليو عام 1952. ويبلغ عدد مصانع حلوان 46 مصنعاً، وقد تسبب هذا التوسع في زيادة عمرانية كبيرة، إذ ارتفع عدد سكانها من 50 ألف نسمة عام 1927 إلى نحو مليوني نسمة عام 1995، وتشير الاحصاءات إلى وجود نحو 15 منطقة عشوائية محيطة بالضاحية، ما يؤثر سلباً على عمليات تطويرها وتحديثها. ويأمل ابناء حلوان أن يكون القرار الذي اتخذه محافظ القاهرة الدكتور عبدالرحيم شحاتة بطرح منطقة عين حلوان للاستثمار السياحي بنظام B.O.T مع حق الانتفاع لمدة 15 عاماً، مع بداية لخطوات جديدة لتحديث المنطقة. كما يأملون في أن يشمل القرار تطوير المساحة الخضراء المحيطة بمنطقة العين نحو 20 فداناًَ وإعادة رصف المحاور المرورية وتخطيطها حول "العين" و"جامعة حلوان" المجاورة لها. وينتظر أن تكون تلك القرارات بداية للاستفادة من دراسات علمية أجريت بغرض تخفيض نسبة التلوث في المدينة، وكان "مركز بحوث ودراسات التنمية التكنولوجية" في جامعة حلوان أجرى دراسات عدة لرصد المشاكل البيئية في المنطقة انتهت الى ضرورة التفاوض مع شركات الاسمنت لايجاد صيغة للتعاون العلمي معها وذلك حول الاسلوب الواجب للتخلص من عوادمها. وفي إطار خطة وزارة البيئة هذه تم اعتماد مبلغ 250 مليون جنيه مصري لحماية المنطقة، وسجلت الدراسات والقياسات الميدانية انخفاضاًَ ملحوظاً بالفعل في نسبة التلوث المسجلة في المنطقة وبنسبة 60 في المئة عنها قبل أربع سنوات. والمفاجأة التي حملتها تلك الدراسات أن نسبة التلوث في حلوان لا تختلف عن وسط القاهرة، أي 407 ميكرو غرامات لكل متر مكعب. وفي موازنتها للتطوير، رصدت محافظة القاهرة 1.2 مليون جنيه مصري كمبلغ مبدئي للتطوير وانقاذ العيون الكبريتية في منطقة عين حلوان، والتي تعرضت للتلوث في الاعوام الأخيرة، إذ تصب بقربها انابيب الصرف الصناعي لنحو 42 مصنعاً. واشار تقرير حديث صادر عن مصلحة الطب الوقائي الى أن مياه تلك العيون تزداد تلوثاً وخطورة، حتى أن مياهها اصبحت غير صالحة للشرب، لأن ملوحتها زادت من ثلاثة آلاف الى ستة آلاف درجة في حين أن المياه الصالحة للشرب تراوح درجة ملوحتها بين الف وألفي درجة. ويشمل تطوير منطقة عين حلوان كذلك تطوير متحف الشمع - القريب من العين - واسندت تلك المهمة الى وزارة الثقافة بالتعاون مع محافظة القاهرة، كذلك تطوير الحديقة اليابانية التي انشئت في حلوان عام 1917، وتحوي مجموعة من النباتات النادرة المحاطة بالتماثيل البوذية. وربما تنجح تلك الجهود في إعادة الوجه الجميل للضاحية التي سكنها عدد من رموز الحياة الثقافية والفنية والرياضية في مصر أمثال حافظ ابراهيم وسيد قطب وتحية كاريوكا ولاعبا الكرة حسام وابراهيم حسن.