على مشارف القرن العشرين، لم يكن هناك في المشهد الأثاري العربي، سوى حضارتين محددتي المعالم في مصر والعراق، ذاع صيتهما دوليا وتسابقت كبريات المتاحف على اقتناء تحفهما، ولكن مع نهاية القرن العشرين اختلف الأمر كثيراً، وصرنا على وعي بوجود حضارات في شتى أرجاء العالم العربي، بل وصار لدينا علماء ومدارس أثرية. فنحن نذكر سليم حسن وحسن الباشا وابراهيم شبوح وعبدالهادي التازي وعدنان البني وعبدالرحمن الانصاري وعفيفي بهنسي وغيرهم كثيرين. والجديد في هذا المجال أنه في البداية كان علم الآثار الاسلامية جزءاً من عمل المستشرقين، وجانباً من الماضي القريب. وفي نهاية القرن الماضي استقل هذا العلم، وصار جانباً من الماضي الذي يجب استعادة أمجاده. وكأن هذا كله يشكل جانباً من التحدي الحضاري في ظل العولمة، إذ يمثل التراث جزءاً من الشخصية المحلية التي تقاوم الذوبان، وهذا التحدي برز خلال العام 1999 في العراق، حينما نجح العراقيون في ترميم المدرسة المستنصرية، أقدم مدرسة إسلامية باقية في العالم، وتعرضت لأضرار بالغة نتيجة للقصف الأميركي - البريطاني العشوائي للعراق. وتعد حضارات العراق وما كشف من آثارها خصوصا في اطلال مدينة نينوى، مدينة النبي ابراهيم عليه السلام، عاملاً مهماً في تقدم الدراسات الخاصة بالحضارات في هذا البلد العريق، خصوصاً ما يتعلق بملوك البابليين والآشوريين. كذلك أدت الاكتشافات الاثرية الى حل العديد من الاشكاليات المتعلقة بالحضارة السومرية. ولكن على صعيد آخر تم استكمال الكشف عن الاطلال الرئيسية لمدينة سامراء عاصمة الخلافة العباسية، إذ تم الكشف عن بقايا مسجدها الجامع، واستكمال التصور الخاص بتخطيطه، كما تم الكشف عن منطقة القصور العباسية، وكذلك أسواق المدينة، وعثر في المدينة على عملات وقطع خزفية نادرة. فلسطين وسورية وفي فلسطين أصيبت البعثات الاثرية اليهودية الى جانب المسجد الأقصى بخيبة أمل كبرى طوال القرن العشرين، فلم يتم العثور على أي دليل ذي قيمة على الوجود اليهودي في القدس، بل إن الاكتشافات الخاصة بهم أدت إلى العثور على قصور الأمراء الأمويين الذين حكموا المدينة ودار الإمارة الاموية وهذه صورة أخرى من صور التحدي الحضاري. وإذا انتقلنا الى سورية سنجد تقدماً مذهلاً في اكتشافات آثار ما قبل التاريخ فيها، إذ أن بعثة أثرية سورية - يابانية، اكتشفت هيكلاً لإنسان "نياندرتال" في كهف الديدرية يعود الى نحو مئة ألف سنة، أي في العصر الحجري الأوسط، ويعود هذا الهيكل لطفل كان يبلغ من العمر ثلاث سنوات. وأهمية هذا الكشف تعود الى أن أول هيكل عظمي لإنسان "نياندرتال" عثر عليه قبل 140 سنة في كهف يحمل الاسم نفسه قرب مدينة دسلدورف الألمانية، وتعود أهمية كشف سورية الى أن الطفل المكتشف دفن بعناية فائقة في الكهف والى جواره عدد من الادوات الصوانية المختلفة مما يدل على عناية إنسان ذلك العصر الفائقة بمواته، وعلى تحضره. وكان أهم حدث أثري شهدته سورية هو اكتشاف بعثة سورية - ألمانية - ايطالية مشتركة في موقع المشرفة، بيوت سكنية احتوت جراراً فخارية كبيرة وأدوات بازلتية لطحن وتخزين الحبوب تعود للألف الثالث قبل الميلاد، وعثرت البعثة في باحة أحد البيوت على أكثر من ثلاثين طبعة لأقدام بشرية مازالت محفوظة حتى الآن. وفي منطقة القصر الملكي الذي يعود للألف الثاني قبل الميلاد عثر على قاعة العرش. وفي العام 1969 وجهت سورية بالاشتراك مع اليونسكو نداءً دولياً لإنقاذ الاثار التي كانت ستغمرها مياه سد الفرات الذي عرف في ما بعد بسد الثورة، وذلك في البحيرة التي تكونت خلف السد على مساحة 80 كم طولاً و8 كيلو مترات عرضاً، وسارعت عدد من المؤسسات الدولية لانقاذ آثار بحيرة السد قبل أن ينتهي المشروع وتغمرها المياه. فعملت جامعة شيكاغو في تل المربيط واستكملت بعثة فرنسية العمل في الموقع نفسه. وتوصلت البعثتان إلى نتائج مهمة، على رأسها الكشف عن أقدم قرية عرفت في سورية حتى الآن، وهي تعود الى الألف التاسع قبل الميلاد. وينتمي سكان هذا الموقع الى الحضارة النطوفية التي أنشأت بين النيل والفرات. ومن المواقع التي جرى فيها الحفر تل حبوبة الكبيرة، ويعتبر من أهم المواقع في منطقة الغمر، إذ تم الكشف عن مدينة كاملة تعود الى مرحلة فجر التاريخ وهي المدينة الوحيدة التي ترجع الى هذا العهد في وادي القسم السوري من الفرات. وقامت بعثة جمعية الاستشراف الألمانية بالتنقيب في هذا الموقع خلال فترة السبعينات. ومن أهم النتائج التي أسفرت عنها هذه البعثة هي أن هذه المدينة شيدت وفق مخطط مسبق وتبلغ مساحتها 18 هكتاراً، أما عدد سكانها فيقارب سبعة آلاف نسمة، وهي تضم مراكز إدارية ودينية مهمة. وشهدت سواحل سورية عملية انتشال 40 جرة فخارية كانت محمولة على سفينة غرقت أمام سواحل هذا البلد في العام 282 قبل الميلاد، وشاركت في عملية الانتشال بعثة يابانية ونظراً الى أهمية الكشف، تقرر إقامة متحف للاثار البحرية السورية. وتم تسجيل أعمال الانتشال في فيلم تسجيلي عرض في كل محطات التلفاز في العالم، إلا المحطات العربية. الأردن الحديث عن التراث والمكتشفات الاثرية في الأردن يطول فهذا البلد لم يكن له ذكر واسع النطاق في الأدلة الاثارية الدولية، غير أن توالي الاكتشافات فيه، فضلاً عن وعي السلطات الاردنية بأهمية القلاع الاثرية الأيوبية والمملوكية فيه، جعله أكثر بلدان العالم شهرة في مجال العمارة الحربية الإسلامية. وخير مثال على ذلك قلاع معان والكرك وعجلون التي حرصت السلطات الأردنية على ترميمها وصيانتها، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل سعت الجامعة الأردنية الى إنشاء قسم للآثار فيها، كان له دور في تنشيط الكشف عن التلال الأثرية. وكان أبرز أنشطته الكشف عن تل المزار من 1977 الى 1980. وعثر في هذا التل على مدينة منظمة جيداً، ذات مصنوعات راقية، يحيط بها سور دفاعي من الطوب اللبن. وفي البتراء عاصمة الملوك الانباط عثرت دائرة الاثار الأردنية على معبد نبطي في وسط المدينة، وهو يرتفع 23 متراً، وله حرم فسيح مساحته 12 ألف متر مربع، وعثر الاثريون الأردنيون على ثلاثة محاريب داخل "قصر البنت" في البتراء الذي يعود الى القرن الأول قبل الميلاد، وعثر أمام المحراب الاوسط على منصة كانت توضع عليها أنصاب المعبودات التي كان أهمها "بعل شمين" و"العُزى". البحرين مثّل صدور قانون حماية الآثار العام 1970 بداية العمل المنهجي في الكشف عن تراث دولة البحرين، خصوصاً أن هذا البلد شهد حضارة مزدهرة في العصور القديمة عرفت بحضارة دلمون التي ورد ذكرها في بعض الكتابات السومرية. وأكثر مواقع هذه الحضارة أهمية هو موقع "سار الجسر" اذ عثر على معبد يضم طبقات اثرية متعددة، منها أختام وكسر فخار، وأواني مصنوعة من النحاس والفضة والصدف. وعثر في الموقع على مقابر تعود الى عصور قديمة بعضها يتعدى عمره ثلاثة آلاف عام، قسّمها الباحثون الى خمسة طرز معمارية. ولا نستطيع أن نغادر البحرين من دون زيارة "بيت القرآن"، الذي جمع فيه مؤسسه مصاحف من شتى أرجاء العالم، ليعد أفضل متحف متخصص في فنون المصحف الشريف. الكويتوقطر تركزت المكتشفات الاثرية في الكويتوقطر في جزيرة فيلكا، وبدأت عمليات الكشف الاثري فيها في العام 1958، وأبرز ما عثر عليه فيها بقايا معمارية منها قلاع، وأسوار ومعابد، ثم اختام متنوعة معظمها دائرية تتميز بعض الأشكال والكتابات الصورية التي تعبر عن الأحوال الدينية والفنية والاقتصادية للجزيرة، وهي تعود الى حضارة دلمون التي تمتد إلى باقي مناطق الخليج العربي. ويبرز حاليا وسط المكتشفات الأثرية في الجزيرة المعبد اليوناني الذي يعد أحد أبرز معالم الحضارة الهلينسية فيها، وكذلك القلعة اليونانية التي يحتمل أنها استخدمت في العصور الاسلامية المبكرة. ويعود تاريخ التنقيب عن الاثار في قطر الى العام 1956 عندما أبرمت الحكومة القطرية اتفاقاً في هذا الشأن مع بعثة اثارية دانمركية واتفاقا آخر مع بعثة بريطانية في العام 1973، يعرض متحف قطر بعض مكتشفاتها الاثارية، وقامت بعثة فرنسية بالتنقيب في الفترة من 1976 الى 1981، ويعرض متحف الخور الاقليمي حاليا معظم مكتشفاتها الاثرية، وكذلك البعثة اليابانية العام 1988، فضلا عن بعثات إدارة المتاحف والآثار القطرية. ومن المواقع الاثرية في قطر موقع عسيلة، الذي نقبت فيه كل من البعثة الدانمركية والفرنسية، وهو من أقدم المواقع الاثارية التي اكتشفت فيها اثار إنسان ما قبل التاريخ في قطر، وهو يعود الى نهايات العصر الحجري القديم الباليوليتي. وعثر في موقع عسيلة على مجموعة من المشاغل الحجرية الموسمية التي كانت مخصصة لصناعة اسلحة وأدوات الصيد. السعودية ولا شك في أن الباحثين والمهتمين بالآثار سيتوقفون كثيرا أمام ما اكتشف في المملكة العربية السعودية خلال القرن العشرين، ولكن أهم هذه الاكتشافات المحاولات الجادة لسبر غور منطقة الربع الخالي بين السعودية وعُمان، والكشف بواسطة تقنيات حديثة عن وجود حضارات قديمة فيها. وثاني أهم الكشوف هو كشف طريق البخور النبطي، اذ عثر على نقوش نبطية ولحيانية في المنطقة من العلا إلى تبوك، يزيد عددها على 300 نقش، كما عثر على معبد قديم متهدم وأبراج حراسة ومراقبة. وهذا الطريق يضاف كطريق تجاري الى طريق الشام المشهور. وأكثر المناطق الاثرية في المملكة التي حظيت باهتمام دولي موقع قرية الفاو. والفاو موقع أثري مهم وقديم يقع على بعد 770 كيلو مترا الى الجنوب من مدينة الرياض. وكانت الفاو عاصمة دولة كندة العربية، ومركزاً تجاريا مهما على طريق التجارة القديم بين أطراف الجزيرة العربية الجنوبية والشمالية والشرقية. واكتشف بها سوق كبيرة كان عبارة عن ثلاثة طوابق، ويحيط به سور من الحجر واللبن المقوى. وتعد اكتشافات الريذة ذات أهمية خاصة في مجال الآثار الاسلامية، خصوصا أن الريذة كانت من المدن الرئيسية على طريق الحج العراقي الذي عرف بدرب زبيدة، ودلت الكشوف الاثرية فيها على أن تاريخها يعود الى ما قبل عهد الخلافة الراشدة، واتسع في العهد الاموي، وازدهر في العباسي الأول، الى أن هجر في مطلع القرن الرابع الهجري. كانت المدينة ذات أحياء منظمة وقصور مسورة ذات أبراج مدورة الى جانب المساجد البرك والآبار وخزانات المياه، التي كشف عنها من خلال اعمال الحفر الاثري. الإمارات وعُمان خصص في متحف العين في الامارات العربية المتحدة قسم للمكتشفات الاثرية القديمة، بدءاً من العصر الحجري الحديث، وابرز ما فيها ما عثر عليه في مدافن "الهيلي" التي يرجع تاريخها إلى 2400 قبل الميلاد. ونقل الى المتحف مدخل شمالي ومدخل جنوبي لأحد قبور "الهيلي" عليها رسوم بارزة، وقسم آثار "أم النار" وهي جزيرة صغيرة تقع قرب أبو ظبي، تبين من أعمال الكشف الأثري أن سكانها في الألف الثالث قبل الميلاد عرفوا واستخدموا الآجر الصيني، وكانوا يحصنون مستوطناتهم بالأبراج والخنادق المائية، وفي موقع الدور في أم القوين عثر على كسر فخارية يرجع تاريخها الى ألفي عام ومسكوكات من النحاس والفضة تعود للقرنين الثاني والثالث قبل الميلاد. بالاضافة الى دمى فخارية. ما زالت عمان الى اليوم أرضاً بكراً في مجال الاكتشافات الاثرية، وما تم فيها لا يتوازى مع أهميتها وتراثها الاثري غير أن ما يحسب لها هو تخصيصها وزارة مستقلة للتراث القومي. وعمان بلد قديم عرف في المصادر السومرية العراقية "بمجان" وكانت تستمد منه المعادن بخاصة النحاس، ومن هنا انطلق الباحثون للبحث عن مناجم النحاس القديمة التي قادتهم الى التعرف على حضارة ازدهرت بدءاً من العام 3000 قبل الميلاد. ومن أبرز المواقع التي كشفت في هذا الصدد في عمان موقع ميسار في وادي "سمد" حيث عُثر على منازل وأفران لصهر المعادن، وآبار مياه. وعدت الاكتشافات الآثارية في موقع مدينة ظفار أهم الكشوف الاثرية الاسلامية في عمان، حين عثر على سور المدينة، وقناة مائية اصطناعية، وبقايا المسجد الجامع للمدينة، وبقايا قصر اميرها. اليمن تمثل اليمن أكثر البلاد ثراءً من الناحية الاثرية بعد مصر والعراق، ومازالت البعثات الاثرية الكندية والألمانية والفرنسية خصوصاً ذات اليد العليا في التنقيبات الاثرية في اليمن. غير أن أهم كشف اثري في اليمن خلال القرن العشرين اكتشاف مومياوات محنطة في اليمن أكدت قوة العلاقات الثقافية بين مصر واليمن في العصور القديمة، وتأتي الاكتشافات الاثرية في شبوه، عاصمة اقليم حضرموت في العصور القديمة، لتمثل أهمية خاصة في تاريخ اليمن، إذ توجد في تلال شبوه نقوش تدل على انها سكنت في العصر الحجري القديم، والعصر الحجري الحديث، وعثر على نقوش أخرى تدل على وجود مصري واغريقي فيها، كما عثر على قصر حاكم شبوه ومعبد المدينة. وعلى جانب آخر تبنت اليونسكو، بدعم غير محدود من الحكومة اليمنية، مشروعاً لتسجيل وإنقاذ تراث العاصمة صنعاء، من منازل ومساجد، وتم وضع صنعاء كواحدة من المواقع ذات الاهمية البالغة على قائمة التراث العالمي، وتم فعلاً ترميم عدد كبير من منازل صنعاء الاثرية ومساجدها، في مشروع يعد نموذجا رائدا للحفاظ على التراث المعماري الاسلامي. كما نجحت هيئة الاثار اليمنية في تسجيل اثار مدن عدن وزبيد وحيس وجبلة وشبام، وترميم بعضها سواء بالجهود المحلية أو بمساعدات دولية. وربما يعد كنز المسجد الجامع في صنعاء الذي عثر عليه العام 1972، نتيجة لاصلاحات كانت تجري في المسجد، أهم كنز أثري عثر عليه في اليمن، يضم 40 الف صفحة مخطوطة من المصحف الشريف، تعود للقرون الخمسة الهجرية الأولى، كما ضم مخطوطات نادرة. لبنان والسودان وإذا كان لبنان بلداً ازدهر منذ فترة تاريخية مبكرة، إلا أن معالمه التراثية ذات الأهمية مغيبة، فعلى سبيل المثال آثار طرابلس لم تلق عناية كافية، بل لم يعرفها الباحثون في الاثار المعمارية المملوكية والعثمانية. وللأسف الشديد فإن أهم كشف اثري في لبنان لم يحظ بأي عناية أو رعاية سواء من الدارسين أو من السلطات الاثرية في هذا البلد، وهذا الكشف يرجع الى العام 1949، عندما عثر على بعد ثلاثين ميلاً شرق بيروت، على بقايا مدينة عنجر، وهي مدينة شيدها الخليفة الاموي الوليد بن عبدالملك وتمثلت تلك البقايا في سور مربع الشكل يحيط بالمدينة يتوسط كل ضلع من أضلاعه باب شامخ تكتنفه الابراج، وعثر على مسجد المدينة الجامع وقصر الأمير، وحمامات عامة وبقايا منازل. وإذا كانت الحرب الأهلية في لبنان دمرت أجزاء من العاصمة اللبنانية فقد أتاح مشروع إعادة إعمار بيروت فرصة ذهبية لخبراء الآثار للبحث في أرضها عن المخلفات الاثرية، وعثر على بقايا جدار حجري أحاط يوما بمستوطنة "بيروتا" الكنعانية التي تعود الى العصر الحديد حوالى 2000 قبل الميلاد، كما عثر على البنية التحتية للحمام الروماني للمدينة، وعثر على لقى أثرية من عصور مختلفة، وهذه المخلفات ستعيد كتابة تاريخ بيروت. ولد علم الآثار في السودان على يد رايسنير، العالم الاميركي الذي شارك في الحملة الدولية الأولى لإنقاذ آثار النوبة بين عامي 1907 و1908، كما عمل من 1912 حتى 1932، رئيساً لبعثة جامعة هارفارد في كرمة في السودان، وشارك في حفائر معابد وأهرامات جبل يرقل، وفي حقول الأهرام الملكية في نوري والكورو ومروي. وأدت أبحاث رايسنير في كرمة الى اكتشاف احدى أقدم الممالك الافريقية المستقلة. وبعد الحرب العالمية الثانية، توافد علماء الاثار الفرنسيون والسويسريون والايطاليون الى السودان، وفي السنوات الأخيرة توسع ميدان التنقيبات الاثرية ليشمل شرق السودان والصحراء، وما زال علم آثار السودان فرعا من علم الاثار المصرية، وإن كان خلال السنوات الأخيرة بدأ يتشعب، حتى أضحت دراسة السودان القديم والكلاسيكي علما مستقلاً بذاته. وما زال السودان يعرف آثارياً بمملكتين قويتين هما نبتة التي كانت قوة نوبية تمكنت من السيطرة على مصر على مدى قرن تقريبا من 656 الى 750 قبل الميلاد. ومملكة مروى التي استمرت من القرن الثالث قبل الميلاد وحتى القرن الرابع بعد الميلاد. ولم ينجح علماء الاثار حتى الآن في حل رموز مملكة مروى. ليبيا وتونس تزخر ليبيا بالعديد من المواقع الاثرية الي جرى العمل فيها خلال القرن المنصرم، وابرزها حفائر سلطان، حيث موقع المدينة العربية سرت التي اشتهرت في القرن الرابع الهجري، وبدأت حفائر هذه المدينة العام 1962، وتم الكشف عن اسوار المدينة وجامعها، وكانت المفاجأة في هذه الحفائر العثور على معالم المدينةالرومانية الى جوار المدينة الإسلامية، وعرفت المدينةالرومانية في المصادر التاريخية باسم اسكينة. وشدت حفائر "جرمة" انتباه العالم، ومن المعروف أن الجرمنتيين استوطنوا ليبيا في الألف الأول قبل الميلاد، وجاؤوا اليها من أوروبا، وتم الكشف عن ابنية جرمة، وعدد من المقابر الملكية على هيئة مصاطب مدرجة من الحجر تعود الى ملوك أو حكام الجرمنتيين، وفي حفائر "تاجوراء" عثر على فيلا رومانية، تميزت بما وجد فيها من حمامات تزين قاعاتها نماذج جميلة من الفسيفساء تعد من أروع نماذج الفسيفساء في شمال افريقيا. وفي قرقاس التي تقع الى الغرب من طرابلس، عثرت مصلحة الاثار الليبية على مقبرة تمتد مسافات واسعة تحت الأرض في هيئة قبور، تحت الأرضية التي تعرف بالكتاكوميس. وقامت مصلحة الآثار الليبية بتسجيل مساجد ليبيا التراثية، واصدرت موسوعة خاصة بها في مجلدين، وكذلك تسجيل قلعة طرابلس العاصمة وسورها. وفي تونس لا تكاد حركة ترميم وصيانة الاثار تهدأ حتى تنشط مرة أخرى، ففي خلال الخمسين عاما الماضية جرى ترميم جامع الزيتونة، الذي شيد العام 250 هجرية، وجامع القصبة في تونس العاصمة الذي شيد في القرن السابع الهجري، كما تم ترميم رباط المنستير، وهو القلعة التي شيدها هرثمة بن أعين، قائد الخليفة هارون الرشيد في القرن الثاني الهجري، ويعد من أقدم التحصينات الحربية الإسلامية على سواحل البحر المتوسط. وتم كذلك ترميم قصر "ألجم" وهو ملعب روماني يرجع تاريخه إلى القرن الثالث الميلادي، وهو من حيث الاتساع يأتي في المنزلة السادسة بعد كويزي روما، ولكنه أكثر ارتفاعاً وأشمل من حيث العناصر. وأبرز المواقع الكلاسيكية التي تم الكشف عنها في تونس موقع هنشير الفوار، وتقع هذه المدينة على بعد 108 كيلو مترات غرب تونس العاصمة، واكتشفت فيها كنيسة الاسقف ويرجع تاريخ بنائها الى القرن السادس الميلادي، كما تم الكشف عن ميدان المدينة. وعثر في المدينة في نقوش لا حصر لها تعود الى العصر الروماني. ومن المدن الاسلامية التي تم الكشف عنها في تونس وعد كشفها حدثا مهما خلال القرن العشرين، مدينة قادة وقام بالكشف عنها الأثري محمد الشامي، الذي اكتشف قصر المدينة، وهو بناء مستطيل يحيط به سور خارجي تدعمه أبراج نصف دائرية. وعثر في القصر على قطع من الفخار والزليج التونسي. وعلى رغم غنى الجزائر آثارياً الا أن معظم ما ينشر عن اثارها يكون عادة باللغة الفرنسية، وهو ما يشكل حاجزا قويا في سبيل التعرف على ما يدور فيها سواء في مجال ترميم الاثار أو المتاحف أو الاكتشافات الاثرية. غير أننا نستطيع أن نقف أمام حدثين شهدتهما الجزائر، الأول الاكتشافات الاثرية الى جوار قلعة بني حماد اذ بدأ الحفر في هذه المدينة العام 1964، وكشف عن قصرين هما قصر الامير وقصر البحر، وكشف كذلك عن مسجد المدينة وبيوت سكنية عدة. والثاني تمثل في الاكتشافات الاثرية في عدد من المواقع الرومانية منها تبة آثار رومانية كشف فيها عن مدرج روماني، وموقع تيازا الذي عثر فيه على مقابر وعملات رومانية. وموقع تمقاد الذي عثر فيه على تماثيل وساحة وبيوت ومعصرة. المغرب وموريتانيا يعد المغرب من أشهر دول افريقيا تراثيا بعد مصر، وتتوالى الاكتشافات الاثرية فيه عاما بعد عام، ومن ابرزها مغارة تمارة، التي تدل على وجود الانسان في المغرب منذ 300 ألف سنة، ويؤكد ذلك الادوات الحجرية التي يرجع عهدها الى ما قبل التاريخ والمنتشرة في صحراء المغرب. ودلت رسوم الكهوف المكتشفة في جبال اطلس خلال القرن العشرين على وجود الفيلة والزراف وخيل البحر. ويحتفظ متحف الاثار في الرباط بعدد من اثار ما قبل التاريخ المكتشفة في المغرب. وفي مدينة ليكسوس على الطريق بين الرباط وطنجة التي تعود الى عصور ما قبل الاسلام، عثر على مسرح ومدرج روماني كما عثر في المدينة نفسها، على قطع من الخزف الأحمر الفينيقي، ومكتشفات هذا الموقع معروضة في متحف تطوان الاثري. ومن المدن الرومانية التي كشف عنها في المغرب مدينة "وليلي" التي عثر فيها عى نماذج من البيوت الرومانية والفسيفساء وتماثيل رومانية. وفي مجال الاثار الاسلامية، كشف الدكتور عثمان اسماعيل على مدينة شالي ويعد الكشف عنها اضافة مهمة للعمارة الاسلامية والفنون. والمغرب وضع خطة تحت رعاية البنك الدولي للحفاظ على مدينة فاس، عدت نموذجا يحتذى به دوليا، كما نجح في صيانة وترميم تراثه في مدن مراكش والدار البيضاء وطنجة وسلا. وفي موريتانيا ما زلنا نجهل تراث هذا البلد، فضلا عن أن معظم ما نشر عنه كان باللغة الفرنسية، غير أنه يمكن التوقف أمام مدينة وادان وهي مدينة تراثية كاملة أخلتها السلطات الموريتانية من سكانها للحافظ علىها، وتسعى الى تحويلها الى مزار سياحي. * باحث في المجلس الأعلى المصري للآثار.