العثور على "الحساء الأصلي" الذي "طُبخ" منه كل العالم . اكتشاف حالة خامسة للمادة كانت موجودة لحظة ميلاد الكون

أنشأ علماء الفيزياء لأول مرة شكلاً جديداً للمادة عن طريق إعادة تركيب ظروف يُعتقد بأنها كانت موجودة بعد أجزاء من الثانية من مولد الكون. أعلن عن الاكتشاف علماء "المختبر الأوروبي لفيزياء الجسيمات" في جنيف، وذكروا أن المادة المكتشفة تشكل "الحساء الأصلي" الذي "طبخ" منه كل العالم. وقالوا أنهم توصلوا الى المادة التي يطلق عليها اسم "غلوون" عن طريق ايجاد ظروف حرارية تقترب من ظروف بداية الكون وتبلغ 100 ألف مرة الحرارة في مركز الشمس.
"الغلوون"
عندما كان الكون أصغر من ذرة كان أكثر حرارة. ولا يختلف الكون في ذلك عن المواد التي تشتد حرارتها عموماً عند ضغطها. وعندما كان الكون مضغوطاً في حجم أقل من حجم ذرة كان الارتطام بين الأجزاء التي يتكون منها أشد عنفاً من أي عنف آخر حدث خلال 15 بليون السنة الماضية. وبمقدار ما نعود الى ماضي الكون تشتد الحرارة الماحقة ويحتدم العنف الجبار. هذه الفكرة البسيطة تقدم مفتاح فهم تطور الكون ونشوء المادة التي يتكون منها. ويحاول "المختبر الأوروبي لفيزياء الجسيمات" المشهور باسم CERN تحقيق ظروف حرارية مقاربة من الظروف التي وجدت في اللحظات الاولى من ميلاد الكون. أمكن ذلك عن طريق ضغط المادة وجعل أجزائها الأولية التي تُسمى "جسيمات" particles ترتطم بأعنف قوة.
وذكر مدير المختبر الأوروبي عالم الفيزياء الايطالي لوتشيانو ماياني أن نتائج التجربة قدمت صورة واضحة لحالة جديدة للمادة يطلق عليها اسم "غلوون" Gloun. تختلف هذه الحالة عن الحالات الثلاث للمادة، الصلابة والسيولة والغازية. الصلابة التي تميز الصخور، والسيولة التي تميز مياه البحار، والحالة الغازية للهواء الذي نتنفسه ليست جميع أشكال المادة. ولم يعرف العلماء إلاّ في القرن العشرين الماضي شكلاً رابعاً من أشكال المادة اطلق عليه اسم "البلازما". تتكون البلازما في النجوم، حيث تفكك السخونة اللاهبة مكونات ذرات المادة وتطلق من داخلها جسيمات "بروتون" و"نيوترون". هذه الجسيمات الأولية تعوم حرة داخل الشمس، حيث درجات الحرارة تبلغ المليون مئوية. وأضاف الاكتشاف الأخير شكلاً جديداً "خامساً" للمادة وجد قبل تكون هذه الجسيمات. وكان علماء الفيزياء النظرية حدسوا منذ سنوات وجود مادة "غلوون" Gloun، لكن لم يتم اقتناصها إلاّ أخيراً عن طريق ضغط مكونات ذرات مادة الرصاص الى أقصى درجة.
"الانفجار العظيم"
ويعتقد العلماء أن العثور على مادة "غلوون" خطوة مهمة في طريق فهم ظروف ميلاد الكون قبل نحو 15 بليون سنة. وجدت هذه المادة مباشرة بعد لحظة "الانفجار العظيم"، عندما كان عمر الكون أقل من ثانية واحدة. فالذرات التي كان يُعتقد أنها الوحدة الأساسية للمادة لم تولد في الحقيقة إلاّ بعد 500 عام من "الانفجار العظيم" Big Bang الذي نشأ عنه الكون. وقبل أن تتكون الذرة بوقت طويل تكونت "نواة" الذرة التي ولدت عندما كان عمر الكون 3 دقائق فقط. قبل ذلك كانت مادة الكون تتكون من "بلازما" وجُسيمات يُطلق عليها اسم "كوارك" Quarks، و"غلوون". ولدت هذه المواد بعد 10 أجزاء من مليون جزء من الثانية الاولى لميلاد الكون. آنذاك لم يكن هناك وجود لجسيمات الذرة المعروفة كالألكترونات والنيوترونات والبروتونات. وكان العلماء يعتقدون سابقاً أن جسيمات "كوارك" و"غلوون" لا توجد إلا مترابطة مع النيوترونات والبروتونات. وتكمن أهمية الاكتشاف الجديد في عثوره على مادة بلازما "كوارك-غلوون" التي تُعتبر "الحساء الأولي" لمادة الكون.
يمثل الاكتشاف الجديد جهداً جماعياً لأكثر من 350 عالماً من عشرين دولة أوروبية. واستخدمت في البحث عن هذه المادة آلة معجل accelerator في المختبر الأوروبي "سيرن" عملها تسريع حركة الذرات. ويطلق اسم Super Proton Synchrotron على هذا المعجل الضخم الذي يمتد نفقه تحت الأرض ما بين الحدود السويسرية والفرنسية. يسرّع المعجل حركة الجسيمات داخل الذرة بسرعة قريبة من سرعة الضوء. وفي هذه السرعة تتراطم الجسيمات ببعضها البعض بعنف قريب من عنف "الانفجار العظيم" الذي نشأ عنه الكون. يحدث ذلك خلال جزء من عشرة ملايين جزء من الثانية. ويحقق بذلك المعجل عملياً نظرية "الانفجار العظيم" التي تبدو أقرب للخيال.
المعلومات الكاملة عن الاكتشاف في موقع الانترنت:
http://www.cern.ch/CERN/Announcements/2000/NewStateMatter