عمان - "الحياة"، أ ف ب - تلوح في أفق الاردن بوادر مواجهة جديدة بين الحكومة والاسلاميين، وهذه المرة بسبب "قانون جرائم الشرف"، الذي يعرف باسم "المادة 340" من قانون العقوبات ويسمح بأحكام مخففة لمرتكبي "جرائم الشرف". وكانت الحكومة حاولت مرتين تمرير مشروع قانون لالغاء هذه المادة أواخر العام الماضي، لكنها فشلت بسبب رفض مجلس النواب، علماً أن مجلس الاعيان الذي لا يملك سلطة تشريعية، وافق على الالغاء. وفي هذه المواجهة، تتسلح الحكومة بتأييد شعبي وملكي، كما بدا واضحاً في التظاهرة الضخمة التي شهدها الاردن أمس، وتقدَمها أمراء في العائلة الهاشمية المالكة، كما شارك فيها 5 آلاف شخص تقريباً يمثلون شرائح مختلفة من المجتمع، تضم زعماء قبليين وطالبات مدارس وناشطات نسويات. اما الاسلاميون، فلجأوا الى اصدار فتوى تعتبر حذف المادة "مخالفاً للشريعة الاسلامية"، داعين الى اجراء استفتاء في هذا الصدد. وتنص المادة 340 على الآتي: "أ - يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجته او إحدى محارمه في حال التلبس بالزنا مع شخص آخر وأقدم على قتلهما أو جرحهما او ايذائهما كليهما او احدهما. ب - يستفيد مرتكب القتل او الجرح او الايذاء من العذر المخفف اذا فاجأ زوجته او احدى اصوله او فروعه او اخواته مع آخر على فراش غير مشروع". وتقدم التظاهرة التي انطلقت من مدينة الحسين للشباب باتجاه مقر البرلمان أمس، الامير علي بن الحسين والامير غازي بن محمد ابن عم الملك ومستشاره للشؤون العشائرية، الى جانب أمين عمان السيد نضال الحديد. ودخل وفد برئاسة الاميرين علي وغازي الى البرلمان لتسليم عريضة باسم المتظاهرين تطالب بالغاء المادة 340. وكانت الملكة رانيا صرحت أخيراً في حديث الى محطة تلفزيون فرنسية بأن "جرائم الشرف ليس لها سند او أساس في الدين ولم يكن يقبلها الملك الراحل حسين وكذلك الملك عبدالله من بعده". وفي انتظار انتهاء جلسة البرلمان، تعالت الهتافات المناهضة للمادة 340 وصرخات نساء قريبات لفتيات قتلن في جرائم للدفاع عن الشرف. وحمل المتظاهرون الذين كانت غالبيتهم من الشباب اعلاماً سوداً تعبيراً عن حزنهم لوفاة عدد كبير من الفتيات والنساء في جرائم الشرف لمجرد الاشتباه فيهن، كذلك لافتات كتب عليها "لا لجرائم الشرف" و"لا للتفرقة العنصرية". وتفيد الارقام الرسمية ان 25 امرأة يقتلن سنوياً في المتوسط في الاردن في قضايا مرتبطة بالشرف، وهي نسبة تعتبر من بين الاعلى في العالم بالمقارنة مع عدد سكان المملكة 8،4 مليون نسمة. وصرح عدد من زعماء القبائل المشاركين في الاحتجاج بأن المادة المعنية أسيء استخدامها ونفوا ارجاع جرائم الشرف الى احكام الدين والعادات القبلية. كما اعتبرت إحدى المتظاهرات الطالبة ريم محاسنة "ان المادة 340 تنطوي على تمييز ضد المرأة لأنها تعطي الرجل فقط حقا يساء استغلاله في غالبية الاحيان، ما يعد مخالفة صارخة للدستور الذي لا يفرق بين الاردنيين لأي سبب". وصرحت المحامية اسماء خضر، احدى قيادات الحملة الوطنية المطالبة بالغاء المادة 340، بأن هذه التظاهرة تعد "خطوة كبيرة الى أمام، اذ اننا قمنا بحشد الاردنيين من الشرائح كافة للتعبير عن رفض المادة 340 للحفاظ على ارواح الاردنيات". واعتبرت ان لا الاسلام ولا اعراف العشائر تحض على قتل المرأة التي تحظى بكل تكريم من العشائر. ولم يتمكن الاسلاميون من القيام بمسيرة مماثلة لتلك التي جرت امس لأنهم لم يحصلوا على الموافقة اللازمة من وزارة الداخلية. لكن الامين العام لحزب "جبهة العمل الاسلامي" عبداللطيف عربيات، أهم تنظيم معارض اردني، عقد مؤتمراً صحافياً اعلن فيه ان الحزب "يقترح تنظيم استفتاء شعبي في هذه القضية"، معرباً عن ثقته بأن نتيجته ستكون لمصلحة الابقاء على المادة. واعتبر انه لا يجوز للحكومة ان "تضغط" بأي صورة من الصور على مجلس النواب الذي سبق له ان رفض الغاء المادة 340 مرتين. واكد ابراهيم زيد الكيلاني رئيس لجنة العلماء في الجبهة ان الغاء المادة 340 "يهدف الى تغيير هوية المجتمع الاردني واشاعة الانحلال خصوصاً ان الحفاظ على الشرف غير موجود في الثقافة الغربية". وأصدرت اللجنة فتوى تستند الى نصوص دينية وتعتبر ان "حذف المادة 340 من قانون العقوبات مخالف للشريعة الاسلامية" و"يهدر قيم المجتمع"، خصوصاً ان تلك المادة لم تطبق الا في حالات نادرة طوال تاريخ الاردن الحديث. وتعتبر الفتوى ان تلك المادة "لا تنافي الدستور الذي يساوي بين جميع المواطنين امام القانون، لكنها تتحدث عن الجريمة من خلال الواقع والظروف التي يعيش فيها الرجل عند وقوعها".