طالما تمنّى الأهل أن يكون أولادهم مميّزين في ذكائهم وتصرّفاتهم وبخاصة متفوقين في الدراسة. لذا غالباً ما يعاملون بحزم أيّ تلكؤ أو إهمال من الولد ويعزون أيّ تقصير منه الى كسل أو حماقة أو رغبة في مشاكسة الأهل وإساءة التصرّف. فلا يتنبه أحد الى احتمال وجود مشكلة ما من الممكن معالجتها إذا ما عملوا على معرفتها وتحديدها. هناك أسباب قد تؤدي الى تقصير الولد في المدرسة، أحدها يعود الى أن الولد يعاني من الADHD - attention- deficit hyperactivity disorder وهي حال عصبية تتميّز إجمالاً بقلّة الانتباه وبنشاط مفرط واندفاع في غير محله. بعضهم يعاني من قلة الانتباه المرضيّ من دون النشاط المفرط إذ غالباً ما يفشل الولد في التنبّه إلى التفاصيل مما يكثر الأخطاء التي يقع فيها، أو يلاقي صعوبة في التركيز على أمر معين، واتباع التعليمات المفروضة خلال اللعب أو أثناء القيام بواجباتها المدرسية مما يؤثر ليس فقط على فروضه التي تتسم بالفوضى وانعدام الاتقان بل أيضاً على علاقته مع أصدقائه الذين سيجدون صعوبة في اللعب معه، فيبعدونه عنهم أو يتجاهلونه. وهو أيضاً وإن أكمل فروضه، غالباً ما ينسى إحضارها الى المدرسة أو ينسى أدواته المدرسية... وهو يصرف الانتباه بسهولة عن العمل الذي يقوم به ويتجنّب المشاركة في عمل يتطلب جهداً فكرياً، فتراه يلتفت الى أي حركة خارج الصف ويتلفّت يميناً وشمالاً من دون أن يثبت على أمر واحد. أما النشاط المفرط الذي يتزامن مع قلة الانتباه المرضي في معظم الحالات، فيتسم بالحركة الدائمة والاندفاع غير الملائمين إذ تجد الولد يركض ويقفز في كل مكان ويتململ في مقعده في الصف أو يهب واقفاً بينما عليه أن يلزم الهدوء، كما تتسم كلّ تصرفاته بالصخب والاندفاع فيتكلم كثيراً ويعجز عن انتظار دوره في الكلام فيقاطع الآخرين ويفرض نفسه عليهم. كل تلك التصرفات هي غير إرادية، لا يستطيع أن يتحكم الطفل بها، وهنا تكثر المشاكل مع الأهل فالذي ينجح عادة مع الأولاد لا العاديين ينجح مع أولئك الذين يعانون من الADHD كالمعاقبة أو الوعود بالمكافأة إذا ما التزم بالتصرّف المرجو... فالمكافأة، إن لم تكن فوريّة، على تصرف يتطلب وقتاً قصيراً يفقد الولد الاهتمام بها سريعاً وتخبو الإثارة التي تولدها في بادئ الأمر. أما المعاقبة المستمرة فلا تنفع إلا بجعله أكثر عدائية ورفضاً، وتزيد من قلة الثقة بالنفس والإحباط اللذين يعانيهما بسبب الرفض الدائم الذي يتعرّض يومياً. لذا على الأهل أن يتنبهوا جيداً لتلك العوارض، ولو كان ابنهم يحصل على علامات مقبولة في المدرسة الأمر الذي يحجب المشكلة أما سبب المشكلة فبيولوجي وراثي على الأرجح ولا صلة له بفشل في التربية أو سوء معاملة. غير أن الطفل الذي يعاني من الADHD يحتاج الى أهل صبورين ومتفهمين أكثر من المعتاد يساعدونه على تنظيم وقته وتركيز انتباهه والسيطرة على اندفاعه. كما يساعدونه في التغلّب على المشاكل النفسية التي سوف تنتج بسبب حالته تلك. ويجب أيضاً على الوالدين معاً أن يستعدا لتحمّل ذلك العبء الكبير لأن المسألة ليست سهلة، فلا يتوقعان من ابنهما مثلاً أن ينفّذ طلبهما من المرة الأولى بل سيحتاجان الى تكرار الطلب من دون أن تتغيّر لهجتهما وتصبح ملحّة أكثر فأكثر. بالطبع عليهما أولاً أن يعرضا الولد على طبيب نفسي خبير بتلك الحال فيوجههما الى كيفية التصرف كما قد يعالج أي مشكلة نفسية قد تلازم تلك الحال وأخيراً بعض الأدوية التي يصفها الطبيب قد تكون ذات فاعلية في تحسين انتباه الطفل والتقليل من نشاطه واندفاعه مما يجعل الحياة أسهل عليه وعلى الأهل معاً، إلاّ أن لمعظم تلك الأدوية عوارض جانبية كثيرة. هنا يقع الأهل في حيرة بين استخدامها أو لا، عندها قد يساعدهم الطبيب حسب خبرته في الموازنة بين الحسنات والسيئات.