استبعدت مصادر رسمية وسياسية لبنانية وأخرى ديبلوماسية أجنبية، أن تنجح الجهود لاستيعاب موقف مجلس المطارنة الموارنة والبطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير، المطالب باعادة انتشار الجيش السوري تمهيداً لانسحابه، وعبر تمثيل مسيحي مختلف نوعياً في الحكومة الجديدة المنوي تشكيلها، يحمل ما تطالب به البطريركية الى داخل مجلس الوزراء. وقال مصدر سياسي معني بجهود تأليف الحكومة المقبلة: "اذا كان المقصود من ترجمة المصالحة الوطنية على قاعدة الحوار في شأن المطالب التي طرحها بيان مجلس المطارنة، تمثيل من يحملون الأفكار التي تضمنها البيان داخل الحكومة خصوصاً الرموز الحزبية الأساسية، فإن هذا سيكون متعذراً في الحكومة المقبلة، لأسباب عدة". وتابع: "اذا كان الهدف من تغيير التمثيل المسيحي، في اطار حكومة وفاق وطني تتمثل فيها القوى المسيحية المعارضة، فإن الأمر لا يتوقف عند حدود التمثيل، بل يتعداه الى نوعية الحقائب التي يمكن ان يتولاها هؤلاء. فإذا تم توزير الرئيس السابق امين الجميل والعماد ميشال عون، ومن ينوب عن تيار "القوات اللبنانية" ورئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون، أو من يمثلونهم، فأي حقائب يمكن اسنادها اليهم؟ هل هي خدماتية أم سياسية؟ واذا كانت خدماتية، هل هم قادرون على الاضطلاع بمهماتهم فيها في وقت يحتاج البلد الى النهوض من وضعه الاقتصادي المتردي؟ واذا كانت حقائب سياسية فهل يسمح توليهم اياها بسياسة موحدة داخل الحكومة، ما دام التوافق على الأمور السياسية لم يحصل؟ واذا اسندت اليهم وزارات دولة من دون حقائب، الا يتسبب ذلك بعدم توازن اذا اسندت الحقائب الى وزراء مسلمين؟". ورأى المصدر السياسي نفسه ان دخول القوى المسيحية المتشددة الى الحكومة من أجل تمثيل نوعي مختلف للمسيحيين قد لا يؤدي الغرض، وهناك خشية ان تتفاقم الخلافات داخل الحكومة فتتعطل قدرتها على الانتاج. وهذا يحتم في المرحلة الأولى اعطاء الأولوية لمعالجة الأزمة الاقتصادية من جانب الحكومة، على ان تتولى رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والمجلس النيابي، بالتنسيق مع سائر القوى السياسية، معالجة التأزم السياسي". وكان الاستنتاج الذي ساد الأوساط الرسمية والسياسية في لبنان انتقاد مجلس المطارنة سورية وتدخلها في الشؤون السياسية الداخلية هدفه التأثير في عملية تشكيل الحكومة الجديدة ليتمثل فيها الأفرقاء المسيحيون والمطالب التي طرحها بيان مجلس المطارنة والبطريرك صفير في تصريحاته. واذ اعتبر مرجع رسمي ان هذا الأمر هو "من التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة"، فإن الأوساط السياسية المسيحية اعتبرت ان تمثيل الزعامات الاسلامية داخل الحكومة برموزها الرئيسية، "يجب ان يقابله تمثيل الرموز المسيحية المبعدة وهذا مغزى مطلب عودة العماد ميشال عون واصدار عفو خاص عن قائد "القوات اللبنانية" المحظورة الدكتور سمير جعجع". الا ان قطباً سياسياً رأى ان موقف المطارنة وصفير، "قد يراهن على تمثيل مسيحي مختلف داخل الحكومة، لكن ما يهم هؤلاء أكثر، هو تغيير في سياسة رئيس الجمهورية اميل لحود وتحالفه مع سورية، والمسألة تتعلق برمز التمثيل المسيحي الأول في الدولة، الرئاسة الأولى أكثر مما يتعلق بالوزراء". وأضاف "ان تذليل العقبات أمام تشكيل الحكومة الجديدة يتركز في المرتبة الأولى على تطبيع العلاقة بين الرئيس لحود ورئيس الحكومة السابق رفيق الحريري الذي تتجه الظروف المحلية والاقليمية والسورية الى دعم الحسم في تكليفه رئاسة هذه الحكومة". ويبدو ان تطبيع العلاقة قطع شوطاً كبيراً بفعل جهود بذلها رئيس المجلس النيابي نبيه بري بتشجيع من دمشق. وهذا ما أدى الى تحديد موعد اللقاء بينهما غداً الأحد. ومع أن الاتصالات الجارية لم تتناول اسماء لصيغة التشكيلة الحكومية المرتقبة نظراً الى حرص لحود والحريري على عدم استباق التكليف والأصول الدستورية، فإن الأوساط السياسية الحريصة على تجاوز أي اشكالات في تشكيل الحكومة، تدعو الى ان تشمل جهود تطبيع العلاقة بين لحود والحريري تمهيداً للتكليف، عملية التفاهم على التأليف أيضاً. إلا ان التفاهم على التأليف، سواء قبل التكليف أو بعده، سيبقي ملف معالجة موقف مجلس المطارنة خارج الاطار الحكومي على ما يبدو على رغم الحاح هذه المسألة على الوضع السياسي الداخلي. ويقول بعض المعنيين: "اذا تعذر تمثيل مسيحي لأصحاب المواقف المتشددة والرموز، فإن التأليف قد يأخذ في الاعتبار استبعاد رموز لا ترضى عنها بكركي والرأي العام المسيحي، كما في حكومات سابقة استفزت المسيحيين واشعرتهم أنهم مغبونون". ويعتبر بعض الديبلوماسيين الأجانب ان استبعاد تحقيق المصالحة عبر الحكومة الجديدة يعود الى ان ضيق الوقت لم يعد يسمح بخطوات سياسية تتطلب الكثير من التمهيد والحوار، قبل حصولها وأن جهود المصالحة والحوار يفترض ان تستمر بعد تأليف الحكومة عبر صيغ مختلفة، تؤدي الدولة دوراً فيها، ومن الأفكار المطروحة عقد مؤتمر وطني.