أقام مركز دراسات الصحراء التابع لجامعة الملك سعود في الرياض الشهر الماضي المؤتمر الثالث لدراسات التصحر والبيئة ما بعد عام 2000. وقدم الباحثون المشاركون في المؤتمر 120 بحثاً عن مشاكل البيئة العربية، بينها دراسات قدمتها باحثات عربيات من مصر والسعودية والبحرين. وشاركت في المؤتمر لأول مرة باحثات سعوديات تحدثن ل"الحياة" عن مشاعرهن تجاه الصحراء ورحلاتهن واستقصاءاتهن العلمية في شعابها ووديانها. شاركت لأول مرة في مؤتمر التصحر باحثتان سعوديتان هما الدكتورة مشاعل بنت محمد آل سعود والدكتورة حورية الدوسري. تناول بحث الدكتورة مشاعل، وهي من قسم الجغرافيا في جامعة الملك سعود التوصيف القياسي لوادٍ صحراوي يُدعى "شعيب نساح"، يقع الى الجنوب الشرقي من مدينة الرياض. استخدمت الباحثة اسلوباً تقنياً جديداً في "تحديد الخصائص المورفومترية لشعيب نساح بواسطة استخدام تقنية النمذجة الأرضية". ويختلف هذا الأسلوب عن الأساليب التقليدية، التي تحسب خصائص التكوينات الأرضية بواسطة الخرائط المسحية أو العمل الميداني المحدود، فيما تمنع تقنية النمذجة الأرضية تسرب أدنى خطأ الى قاعدة المعلومات القياسية وترفع من مصداقيتها. ويكمن انجاز الدكتورة مشاعل في استخدامها الحسابات الرياضية التطبيقية وأنظمة الحاسوب في بناء تصور قياسي لشعيب نساح وشبكة حوض التصريف المائي السطحي فيه. وحققت الباحثة السعودية بذلك اسهاماً تقنياً يرقى الى المستوى العالمي في دراسة شبكات الأودية، خاصة ما يتعلق بانشاء القاعدة المعلوماتية الموفومترية قياس الأشكال الخارجية. وحققت الدراسة نتائج مهمة في حساب طول المجرى الرئيسي للشعيب وعرضه ومحيطه ومساحته، وميله الأعظم واستدارته واستطالته واضيق اختناق للمجرى الرئيسي، واستخلصت البيانات الأساسية للمسافات وفروق الارتفاعات والاتجاهات وفق قوانين ونماذج نظرية رياضية وهندسية. وعن دافعها الى دراسة البيئة الصحراوية تقول مشاعل"منذ الطفولة وأنا أستشعر بيئتي الصحراوية وأتواصل معها بحواسي حتى خلت أنها جزء مني، عشت كل هذا السحر فيها والجمال. وقررت أن أهب حياتي لمعشوقتي". وتستدرك متسائلة "لكن من قال أنها صحراء. انها تنبض بالحياة". عشق الطفولة ونبض الحياة حمل الدكتورة مشاعل عبر رحلات استقصاء طويلة في الصحراء السعودية. وبدلاً من الشكوى المتوقعة من رتابة الصحراء وظروفها القاسية تقول الدكتوره مشاعل "كل أبحاثي قامت على العمل الميداني الشاق والطويل والممتع أيضاً". وتذكر أنها قضت ستة أشهر في فصلي الربيع والصيف في صحراء الدهناء السعودية لرصد الانسياق الرملي، ومكثت ما يقارب السنة ونصف في شعيب نساح الذي تعرف كل تلة وعشبة وجرف رملي فيه. وعلى عكس ما يقال عن قسوة الصحراء وجدتها الباحثة السعودية "مؤنسة بصمتها وسكونها اللذين أشاعا في نفسي كل الرضا. ومعهما تحولت قسوتها المناخية الى فيض حنان يغمرني فأنسى ما ينتابني من تعب البحث. وفي الفجر يوقظني صخبها وحركتها من حلم سكونها ويحثني على متابعة البحث العلمي ولا شيء سواه لأجل معشوقتي الصحراء". "الانسان والبيئة الصحراوية" موضوع الباحثة السعودية الدكتورة حورية الدوسري من كلية الآداب في الدمام. وتذكر الدكتوره حورية أن دراستها "تقدم نموذجاً لا ستغلال الانسان للأرض ومواردها في بيئة الجافورة الصحراوية بالمنطقة الشرقية والتي تمتد شمال شرقي المملكة السعودية عند حدودها مع الكويت الى الربع الخالي جنوباً بين الخليج العربي شرقاً والحافات الصخرية في هضبة الصمان غرباً". و"تهدف الدراسة الى توجيه سياسة البحث العلمي نحو خدمة أهداف الدولة، وتفعيل الدور الذي تقوم به الجامعات في علاج المشكلات البيئية من خلال القاء الضوء على الأنشطة البشرية وتأثيراتها في منطقة الدراسة". وأظهرت دراسة الدكتورة حورية كثافة الأنشطة البشرية في منطقة الجافورة، حيث أصبح استنزاف الموارد غير المتجددة المتمثلة في المياه الجوفية والغطاء النباتي الطبيعي من أخطر المشكلات التي تهدد المنطقة، إضافة الى مشكلة تلوث الهواء التي تستدعي المتابعة. وأوصت الباحثة السعودية في دراستها ب"تقويم حالة البيئة في صحراء الجافورة في جميع مجالات الاستغلال البشري والتعرف على المجالات ذات الأولوية لتوجيه العمل نحوها، واحكام الضوابط على القطاعات التي تتطلب انشطتها المحافظة على البيئة وتقويم أعمالها". وتقترن مشاعر الشغف بالصحراء العربية بالاهتمام العلمي المجرد والبحث عن طرق عملية لحماية البيئة. ظهر ذلك في بحث الدكتورة أسماء أبا حسين، وهي من البحرين، وتعمل في كلية الدراسات العليا التابعة لجامعة الخليج العربي. وتذكر الدكتورة أسماء أن هدف دراستها "رصد وتقييم الآثار البيئية الناجمة عن استغلال الحصى وتكسيره بمنطقة المطلاع في دولة الكويت ودور العوامل المناخية في مضاعفة التأثيرات السلبية". ويقدم البحث توصيات عملية من شأنها تقليل الآثار السلبية الناجمة عن هذا النشاط وإعادة تأهيل المنطقة بيئياً. واستندت الباحثة العربية على مسح ميداني استغرق سنة واحدة لمنطقة الكسّارات وتحليل صورها الجوية وصور الأقمار الصنعية وقياس كميتي الأتربة المتساقطة والانسياق الرملي. وشاركت الدكتورة أسماء بدراسة أخرى في المؤتمر بعنوان "مدخل اقليمي لمكافحة التصحر في المنطقة العربية"، تقول أنها حاولت فيها "تحليل وضع التصحر في الوطن العربي، وتشخيص أهم أسباب تدهور الأراضي، والقاء الضوء على معوقات مشاريع مكافحة التصحر في الوطن العربي، عن طريق تقييم ورصد بعض المشاريع المختارة لتحقيق آثار الجفاف والتصحر". وتقول الدكتورة أسماءعن رحلاتها الدراسية الصحراوية: "اعتاد المجتمع الخليجي قضاء اجازاته الشتوية في البر الصحراوي، حيث الطبيعة والتخييم في بيئة نظيفة هادئة والأفق اللامحدود، وقضاء الأمسيات الجميلة وسط السكون الساحر والسماء المليئة بالنجوم". وتذكر الدكتورة أسماء أن "الخروج للصحراء ليس بالأمر الجديد علينا، بل أصبح اليوم أكثر سهولة ويسراً وترفيها مع تقدم وسائل العلم والتكنولوجيا من سيارات قادرة على الوصول الى أي مكان في الصحراء بسهولة ويسر، وأجهزة اتصالات وامدادات الكهرباء والماء وغيرها". لكنها تلاحظ أن امتداد العمران وتوغل الطرق في الصحاري قلل من الاثارة و"أزال الخوف وربما السحر الذي كان يلف الصحاري ويمنحها ذاك الغموض المتوجس وخشية المجهول". وتصف الباحثة العربية مشاعرها عند بداية بحثها العلمي، قبل الوصول الى نتائج وبعد الوصول اليها، فتقول: "بداية البحث هو أمل، ان حققته فهو نتيجة مشرفة، وان لم تحققه فلا يزال بحثاً ونتيجة توصف للآخرين حتى لا يخوضوا فيها، ويترتب عليه بحث جديد بأسلوب آخر أو تكنيك مغاير ربما يقود الى الأمل، وعادة يحس الباحث بعد انتهاء بحثه ونشره بسعادة ويشعر بترسيخ مستواه العلمي، ويرافق ذلك في الوقت نفسه احساس بالفراغ لا يملؤه الا بحث جديد". وركزت مساهمات اخرى للباحثات على جوانب محددة من البيئة الصحراوية العربية، كالبحث الذي قدمته الدكتورة مرفت جاد من معهد بحوث البساتين في مركز البحوث الزراعية في القاهرة، وكان عنوانه "دراسات على الاجهاد المائي التخليقي على النباتات الناتجة من خلال تكنيك زراعة الأنسجة". ويحدد بحث الدكتورة مرفت الى أي مدى يمكن لأشجار الأكاسيا أن تتحمل الجفاف والتغيرات المورفولوجية والفسيولوجية والكيماوية التي تطرأ عليها. ويركز البحث على أهمية استخدام الأشجار الخشبية كمصدات للرياح وتثبت الرمال، وتلطيف للمناخ الصحراوي، إضافة الى أهمية تلك الأشجار كأعلاف حيوانية. وتذكر الدكتورة مرفت أن اهتمامها بدراسة البيئة الصحراوية يعود الى أن "معظم بلادنا العربية أصبح يعاني من مشكلة نقص المياه، التي تتفاقم يوماً بعد يوم. فأصبح أمراً حتمياً زراعة نباتات تتحمل الجفاف". ومن مصر أيضاً شاركت الدكتورة مهدية فريد جابر من مركز بحوث الصحراء في القاهرة ببحث عن الحفاظ على التنوع البيولوجي في مصر بواسطة استخدام تقنية زراعة الأنسجة وايجاد نظام معملي متكامل لاكثار بعض النباتات الطبيعية المعرضة للاندثار. وقالت الدكتورة مهدية أن بحثها يركز على ايجاد نظام معملي متكامل لاكثار بعض النباتات الطبيعية المعرضة للتدهور والاندثار بسبب الرعي الجائر أو قطع الأشجار. واختارت الباحثة نباتات المراعي الطبيعية على أساس درجة استساغتها العالية بالنسبة للحيوانات، وما تسببه الاستساغة من نقص في البذور وشحة المادة النباتية وقامت الدكتورة مهدية بدراسات معملية لنبات الغرقد "البروسويس الرامنس" والمروة. ويتم الاختيار بالنسبة للنباتات الطبية الطبيعية التي تعمل عليها على أساس احتوائها على مركبات نشطة. وتلاحظ أن وجود بعض هذه النباتات أصبح أقل نتيجة للاستمرار في تقطيعها سواء لاستخدامها من قبل الأهالي، أو للسكن في المناطق التي تنمو فيها هذه النباتات أو بسبب زيادة الطلب عليها من قبل شركات الأدوية. ومن النباتات التي تناولها البحث الكبر اللصف والعرعر والرس والجنكا. وتؤكد الدكتورة مهدية على أهمية رحلاتها الصحراوية علمياً ومعنوياً. وتقول: "الرحلات الصحراوية تخدم الدراسة المعملية بل هي أساسها". وتذكر أن رحلاتها كانت الى المناطق الصحراوية التي تعتمد على الزراعة المطرية في الساحل الشمالي الغربي من مصر وبعض الوديان وأماكن تجمع الأمطار. وترى الباحثة العربية أن هذه الرحلات تجعل الانسان الباحث وغير الباحث يحس براحة نفسية عالية ونقاء شديد يبعثه سكون الصحراء". واختارت الدكتورة سامية جلال من وزارة البيئة في مصر علاقة المرأة بالصحراء موضوعاً لبحثها، الذي تناول "المحافظة على التنوع الحيوي من خلال دور المرأة في مكافحة التصحر". وتعتبر الدكتورة سامية "الحفاظ على الثروة النباتية الطبيعية والاكثار منها أحد التحديات التي يجب أن تواجهها دول منطقة الشرق الأوسط. "ولما كانت النساء في البادية من القائمات على عمليات جمع وحفظ وتداول النباتات الطبية وكافة النباتات التي تنمو في المناطق القاحلة وشبه القاحلة فقد نبع الاهتمام بالتعريف بهذا الدور الهام ومحاولة دعمه على أسس علمية حتى يتم الحفاظ على الثروة النباتية التي تقوم النساء برعي الماشية فيها واستخدامها كمصدر للطاقة حتى لا يختفي الغطاء النباتي في الصحاري والمناطق شبه الجافة". واعتبر بحث الدكتورة ساميه الجهود المطلوبة لدعم دور المرأة في الاكثار من النباتات الطبيعية كوسيلة لزيادة دخل المرأة وبالتالي رفع مستوى الأسرة. وتناول البحث طرق تعليم المرأة كيفية الاكثار من النباتات العديدة الاستخدام في الأغراض الطبيعية والغذائية من خلال زراعتها في حضانات ومشاتل الزراعة ثم بيعها للاستخدام في أغراض التشجير والزراعة لاستخراج الأجزاء الفعالة لتدخل في صناعة الدواء". وعرضت الدراسة فوائد النباتات الطبية في الصحراء، والنباتات المستخدمة في تصنيع مكسبات الطعم والرائحة ومواد التجميل.