تطوي الرياضة اللبنانية بالمفهوم المتعارف عليه قرناً من عمرها، قصتها فيه طويلة مجبولة بالعطاء الفني والحماسة والتضحيات من قبل افراد حملوها على اكتافهم وفي قلوبهم، فكانت الحصيلة انجازات متفرقة عالمية واقليمية في ظل غياب وقلة اهتمام رسمي شبه دائمين. اليوم تدخل الرياضة اللبنانية قرناً جديداً بطموحات كبيرة وهموم كثيرة، ومشاكل مرحّلة من سنة الى اخرى منذ ان ابصرت نشاطاتها النور، فلا غرابة اذا كانت القوانين الرياضية المعمول بها حالياً متخلفة ومقصّرة، بانتظار ان تطلق لجنة تحديث القوانين "نتاجها" وألاّ يأتي مسخاً جديداً. هذا التخلّف الذي كبّل التطور الرياضي في لبنان وأمعن أحياناً كثيرة في لجم مواكبة العصر، يضاف الى الحرب المدمرة التي لا نزال نعيش ذيولها. ومع الدخول الى قرن جديد وآفاق جديدة، تدخل الرياضة اللبنانية استحقاقات عاجلة، مثل كأس الأمم الآسيوية لكرة القدم، وتتلمس الاستمرار في تحقيق نتائج نوعية كبيرة على غرار ما تحقق في كرة السلة عربياً وآسيوياً بفضل فريق الحكمة، والتنطح الدائم لتنظيم المسابقات الدولية على أنواعها. وخطت الرياضة اللبنانية خطواتها الاولى مطلع القرن العشرين في الجامعتين الأميركية واليسوعية، وفي "بيوتات" متفرقة، وشهدت تلك السنوات نجوماً رياضيين على قياسهم أصبحوا لاحقاً سياسيين قادة مثل الرئيسين شارل الحلو كرة القدم وصائب سلام الملاكمة، وكذلك بيار الجميّل كرة القدم وحسين سجعان الملاكمة ومحي الدين النصولي رئيس الكشاف المسلم واتحاد هواة الرياضة البدنية السوري - اللبناني ومعروف سعد ألعاب القوى والقوة وهنري فرعون التنس وتوفيق عساف المصارعة. والبدايات الرياضية اقتصرت على كرة القدم والتنس وألعاب القوى والمصارعة والجمباز والملاكمة ورفع الأثقال وكرة الطاولة والدراجات والسباحة والتزلج ... وكان الاتحاد اللبناني لكرة القدم اول اتحاد تأسس العام 1933، وعرف لبنان اول ملعب رسمي عام في بيروت العام 1936 ملعب بيروت البلدي. ومنه انطلقت دعوة اقامة اول اولمبياد عربي 1937، ولم يتحقق "الحلم" إلا العام 1953 تحت اسم "الدورة الرياضية العربية". وشهد العام 1937، انشاء ثاني اتحاد رياضي مرخّص وعني بلعبتي رفع الأثقال والمصارعة. ويعتبر جورج مانوكيان من ابرز الاسماء الرياضية قبل الحرب العالمية الثانية، وقد فاز بالمركز الثالث في بطولة اوروبا لكمال الاجسام. وبعثت اللجنة العليا للرياضة والتربية البدنية العام 1942، وعيّن خليل حلمي مفتشاً للرياضة، فبات اول موظف اداري رسمي في القطاع الرياضي، ويعود اليه الفضل في غالبية القوانين والأنظمة الموضوعة المرعية الإجراء .. كما تأسس عامذاك ثالث اتحاد رياضي اتحاد السباحة والتزلج. وأطلقت ثاني بطولة رسمية بعد بطولة كرة القدم للعبتي كرة السلة والتنس العام 1944، اي في الفترة التي شهدت صدور اول مرسوم تنظيمي للرياضة اللبنانية، ودبّج خليل حلمي غالبية بنوده وفقراته. وسبق ذلك ان عرفت الهيكلية الرياضية تغييراً تمثل ب"حشر" كل الألعاب في الاتحاد اللبناني للألعاب الرياضية باستثناء كرة القدم. وتأسست اللجنة الأولمبية اللبنانية العام 1947، لتبدأ في العام التالي المشاركة في الدورات الأولمبية الصيفية والشتوية سان مورتينز ولندن. ونظّم لبنان الدورة الرياضية المدرسية الأولى العام 1949. وحملت اطلالة عقد الخمسينات بداية المشاركة في البطولات العالمية، وأول الغيث كانت بطولة العالم للمصارعة اليونانية الرومانية في استوكهولم حيث فاز صافي طه بفضية وزن الريشة للمصارعة ... وجُزّئ اتحاد الألعاب الى خمسة اتحادات. وفي دورة هلسنكي الأولمبية، قطف لبنان اولى ميدالياته على هذا الصعيد، وتمثلت بفضية وبرونزية في المصارعة عن طريق زكريا شهاب في وزن الديك، وخليل طه في وزن الخفيف المتوسط، كما حجز لبنان مقعداً له في عضوية اللجنة الأولمبية الدولية عبر غبريال الجميّل. وتوالت الانتصارات الدولية المتفرقة وكلها في الالعاب الفردية. فها هو سيمون خوري يحقق بطولة اوروبا والعالم للتزلج المائي، ويحرز ايلي نعسان المركز الثالث عالمياً في المصارعة وزن الريشة العام 1953، ويتمكن توفيق بليق من قهر بحر المانش. وتحتضن بلدة ضهور الشوير الجبلية اول مؤتمر اولمبي عربي ببادرة من غبريال الجميّل 1954، حيث وضعت الخطوط العريضة لتنظيم الرياضة العربية ورفع مستواها، وأُنشئ اتحاد اللجان الأولمبية العربية. وأحرز موريس ثابت بطولة أوروبا للرماية على الأطباق ورزق الله دواليبي المركز الثاني في بطولة العالم للرماية على الحمام 1956. واستقبل لبنان ابرز الدورات الاقليمية الكبيرة، بعد تشييد "مدينة كميل شمعون الرياضية" وأول الغيث الدورة العربية 1957 ودورة ألعاب البحر المتوسط 1959. وعلى أرضها ابصرت كأس العرب لكرة القدم النور العام 1963، وباتت دورة برمانا الدولية للتنس محطة عالمية لكبار الأبطال واستمرت عقوداً عدة. وخطت الحكومة اللبنانية خطوة خجولة على طريق تنظيم الرياضة اللبنانية وإيلائها الاهتمام الرسمي، فأنشأت المديرية العامة للشباب والرياضة العام 1965، وحتى الآن لم تكتمل هيكليتها بعد. وشهد العام 1968 بداية تألق الربّاع الفذ محمد خير الطرابلسي نجم القرن ال20 على الصعيد اللبناني الذي ساد طيلة 27 عاماً، فقد حقق اول رقم عالمي خلال الاسبوع الاولمبي المحلي 122 كلغ في رفعة الخطف للوزن الخفيف. كما عاود سيمون خوري الفوز في بطولة العالم للتزلج المائي. وفي سنوات البريق اي في النصف الاول من السبعينات كان الاسبوع الدولي للتزلج على الثلج في الأرز بلغ اوجه، وفاز محمدخير الطرابلسي بذهبية الخطف للوزن المتوسط في دورة ميونيخ الأولمبية 1972. وفاز النجمة على ارارات بطل الاتحاد السوفياتي في كرة القدم 1-صفر، وزار الجوهرة السوداء بيليه مرتين 1974 و1975. وفي بداية اعوام "الحرب الطويلة" ظلت رياضة رفع الاثقال الرادف الاساسي للانتصارات اللبنانية في الخارج، وحقق سمير بنّوت ثم ادوار قواق اللقب العالمي لكمال الأجسام ... ثم نال احمد حيدر اللقب نفسه في بودابست 1997. وفي دورة موسكو الاولمبية 1980 جاءت برونزية حسن بشارة في المصارعة بلسماً لكل المشاركين العرب. وتمضي اعوام وتدخل الرياضة اللبنانية مرحلة اعادة البناء والخروج من نفق الحرب فاستقبلت مسابقات عربية ودولية عدة وفي ألعاب شتى... وعادت تنسج على منوال الانتصارات واعتلاء منصة التتويج، كما حصل في كأس ديفيس للتنس حيث يلعب لبنان بفضل مهاجريه في المجموعة الأولى الآسيوية الأوقيانية.. وأعيد إعمار جزء من المدينة الرياضية في مناسبة الدورة الرياضية العربية الثامنة 1997. لكن كل ما تحقق يظل من دون قاعدة فنية ثابتة وبرامج إعداد مرحلية. ولا تشكل انتصارات الرياضي ثالث الاندية الآسيوية 1998 والحكمة لكرة السلة اول فريق لبناني يحرز لقب عربي ثم آسيوي في لعبة جماعية، مقياساً دائماً لما بلغته هذه الرياضة مثلاً، خصوصاً وأن اللاعبين الأجانب ركن اساسي في بنية تشكيلات فرقها.