لا بد ان يأتي يوم يعزل فيه العلماء فيروس مرض اسمه "مرض نتانياهو" ابرز عوارضه ان يبدي المصاب به وقاحة متناهية وقلة أدب وصفاقة ورقاعة، وما الى ذلك من مرادفات تزخر بها العربية. السناتور جيسي هيلمز، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، وهو جمهوري من كارولينا الشمالية، مصاب بمثل هذا المرض. ولعل من القراء من قرأ عنه في هذه الزاوية، او يعرف شيئاً عنه، فهو سياسي محافظ بدأ حياته معادياً لاسرائيل والعرب ثم خاض يوماً معركة قاسية لاعادة انتخابه، كانت حتى ذلك الحين اكثر حملات مجلس الشيوخ نفقة بعد ان حشد اليهود الاميركيون نفوذهم كله ضده. وهو هادن اليهود الاميركيين واسرائيل بعد ذلك وان بقى عداؤه للعرب والافريقيين، وكل الجماعات والشعوب والهيئات التي يستطيع ان يهاجمها من دون ان يؤثر ذلك في مصالحه. الأسبوع الماضي اظهر هيلمز مبلغ وقاحته وهو يخطب في مجلس الأمن الدولي، فيزعم انه يمد "يد الصداقة" الى الأممالمتحدة، ثم يهاجمها ويعرض "اجندة" محافظة لم تعد موجودة الا عند سياسيين اميركيين مرضى مثله، او مصابين بالخرف. وبما ان هيلمز في الثامنة والسبعين فلعله مصاب بمرض نتانياهو وبالخرف معاً. السناتور هيلمز امتدح "مبدأ ريغان" في مكافحة الشيوعية، وزعم انه جاء بالحرية والديموقراطية. وأكتفي هنا برد مارتن اندجابا، مندوب ناميبيا عليه، فهو افحمه. قال السفير الافريقي ان "مبدأ ريغان" منع استقلال ناميبيا، وأيد سياسة التمييز العنصري في جنوب افريقيا، وساند الثوار في انغولا فطالت الحرب الأهلية ربع قرن من الزمان. والنتيجة ان الثوار الحقيقيين سموا "ارهابيين" في حين ان الذين نشروا الموت والدمار اعتبروا محررين. الاشارة الى "مبدأ ريغان" كانت اقل ما في الخطاب، فالسناتور هيلمز تحدث باسهاب عن مساهمة الولاياتالمتحدة في ميزانية الأممالمتحدة، بعد ان وافق الكونغرس على دفع 819 مليون دولار من متأخرات المساهمة الاميركية مقابل الغاء 107 ملايين دولار من مساهمة الولاياتالمتحدة في عملية السلام، ومع شرط خفض حصة الولاياتالمتحدة من الميزانية من 25 في المئة الى 20 في المئة. الأممالمتحدة تقدر ان الولاياتالمتحدة مدينة بحوالى 1.6 بليون دولار. الولاياتالمتحدة تدفع 25 في المئة فعلاً من ميزانية الأممالمتحدة، وهي حصة تبدو كبيرة، الا ان مقر الأممالمتحدة في نيويورك، وهو يجتذب الوف الدبلوماسيين والزوار الآخرين، فتحصل مدينة نيويورك والولاية والبلاد، على ثلاثة دولارات مقابل كل دولار ينفق على الأممالمتحدة. ثم ان الحصة قررت سنة 1973 عندما جرى آخر تقويم لمساهمة الدول، على اساس دخل الدولة. ومنذ ذلك الحين زادت ثروة الولاياتالمتحدة اضعافاً، والادارة ترقد الآن على فائض مئة بليون دولار، ثم يأتي هيلمز وأمثاله لخفض الميزانية ما يعني زيادة اعباء دول مثل بنغلاديش وفيجي. ورد ممثل كندا روبرت فاولر أفضل رد على هيلمز، عندما أشار الى ان للولايات المتحدة وحدها 60 في المئة من جميع الديون على الدول للأمم المتحدة، ما يعني ان الولاياتالمتحدة تُحمل فعلاً أعباء مالية لأفقر الدول مثل بنغلاديش وفيجي. وان كان هذا لا يكفي فربما زدنا مثل اليابان، فبعد ان بدأت الولاياتالمتحدة تطالب بخفض مساهمتها في ميزانية الأممالمتحدة من 19 في المئة، فهي الثانية بعد الولاياتالمتحدة. وإذا حصلت اليابان على ما تريد فان الاعباء المفروضة على دول مثل بنغلاديش وفيجي ستزيد. اما السفير البريطاني السير جيرمي غرينستوك فقال انه لا يجوز اذا احسنت الأممالمتحدة في معالجة مشكلة ان تدعي الولاياتالمتحدة الفضل لنفسها، ثم لا تقبل تحمل حصتها من المسؤولية في حالات الفشل. وإذا زدنا الى من سبق السفير الفرنسي آلان ديجاميه الذي قال ان هناك آراء غير ما أبدى هيلمز، فاننا نجد ان حلفاء اساسيين للولايات المتحدة، مثل كندا وبريطانيا وفرنسا، انتقدوا السفه السياسي في خطاب هيلمز ومواقفه. هيلمز كان أول مسؤول اميركي من نوعه يمثل أمام مجلس الأمن الدولي. وقد دبر حضوره السفير الأميركي ريتشارد هولبروك، وهذا يطمح الى ان يكون وزير الخارجية اذا جاء آل غور رئيساً. الا ان ايصاله هيلمز الى مقر الأممالمتحدة كان "خبطة معلم" ايضاً، فالمواجهة المستمرة مع الأممالمتحدة تضر بالطرفين. وهولبروك دبلوماسي عاقل متزن، لذلك فهو قال انه يأمل ايضاً بخفض مساهمة بلاده في الأممالمتحدة، الا انه تحدث عن 22 في المئة، من دون ان يستبعد الهبوط الى 20 في المئة. غير ان الارجح انه عرض الرقم من دون قناعة شخصية، وإنما ارضاء للمحافظين من امثال هيلمز.