برزت السليمانية الواقعة إلى الشمال من بغداد بحوالى 330 كيلومتراً، كواحدة من أشهر مدن كردستان العراق. وتميزت بأنها كانت ولا تزال قلعة المضطهدين وعاشقي الحرية وحاضنة للعديد من المثقفين والأدباء والشعراء العراقيين الهاربين من بغداد، وانعكس هذا في أحد جوانبه على روح المحبة والتسامح والاخوة لسكان المدينة. كما كانت منطلقاً للعديد من الحركات والثورات والانتفاضات، ولعبت دوراً مهماً ضد الاحتلال البريطاني بقيادة الشيخ محمود الحفيد الذي أشعل الثورة في منطقة كردستان من منطلق وطني وديني تضامناً مع ثوار جنوبالعراق ووسطه. ولمنطقة السليمانية تاريخ قديم وموقع جغرافي ممتاز أكسباها أهمية كبيرة، إذ تحيط بها الجبال من جميع الجهات وتلتقي في الجنوب الغربي بمضيق طاسلوجه المؤدي إلى وادي بازيان الممتد الفسيح، وفي جنوبها الشرقي تتصل بمدخل شهرزور المترامي الأطراف. وتنتشر في أرجاء المدينة وضواحيها ينابيع وآبار مياه عذبة ساعدت في نمو وانتشار الغابات والبساتين ذات الأشجار الباسقة والحقول الخضراء. قيل إن السليمانية بنيت على أنقاض مدينة قديمة كان اسمها "سيلونا"، وقد كشف عن بعض المواقع الأثرية التي تنتشر في النواحي والقصبات المحيطة بها. ومعظم هذه المواقع عبارة عن كهوف ومغارات اصطناعية، وكذلك بعض التلول والقلاع الأثرية المهمة، خصوصاً في حوض شهرزور، ويرجع تاريخ البعض منها إلى عصور ما قبل الإسلام والقسم الآخر منها يعود إلى العهود الإسلامية، خصوصاً العهد العثماني. ومن هذه المواقع الأثرية: قلعة شيروانه تقع هذه القلعة على تل أثري كائن على يمين طريق جلولاء - دربندخان. وهذا التل دائري الشكل قطره 200 متر تقريباً وارتفاعه 20 متراً، ويتوسطه مرتفع مخروطي ارتفاعه 10 أمتار عن قمة التل الأصلية وبقطر 40 متراً تقريباً. وعلى هذا المرتفع شيدت القلعة أو القصر، وينتشر على سطح التل فخار من العصور البابلية والآشورية والإسلامية، والقمة التي تقوم عليها القلعة يمكن ان تكون مرتفعاً من اللبن بشكل زقورة. قلعة بلوط تبه تقع هذه القلعة على الطريق العام شمال قلعة شيروانه بمسافة 13 كلم، وشيدت بالحجارة والجص، إلا أن أجزاء منها رممت بالطابوق الآجر والجص. والقلعة مستطيلة الشكل طولها 25.12 متر وعرضها 20.4 متر، ولها برجان دائريان أحدهما في الزاوية الشمالية الغربية، والآخر في الزاوية الجنوبيةالشرقية ولذلك فهما مستديران بصورة متعاكسة. أما التخطيط الداخلي لهذه القلعة، فعبارة عن بناء مستطيل مقسم إلى قسمين طوليين بواسطة جدار وسطي، في منتصفه مدخل يقابل المدخل الرئيسي للقلعة والكائن في الجهة الشرقية، كما ان هناك بعض الغرف والمرافق الكائنة ضمن هذا المبنى. وهناك بعض القلاع والحصون العثمانية التي تتوزع على طريق دربندخان - جلولاء، وأهمها القلعة المشيدة فوق تل أثري يُعرف لدى السكان بتل المقبرة يقابله تل آخر في الجهة الثانية من الطريق العام يُعرف بتل محمد. وهذا الحصن مستطيل الشكل طوله 50.9 متر وعرضه 50.8 متر مبني بالطابوق الآجر والجص ومسقف بأقبية من الطابوق والجص أيضاً. مغارة في وادي الظلم ويقع هذا الوادي في ناحية خورمال، وهو من الوديان الغنية بالأشجار والمياه، ويمتاز بمناظره الطبيعية الخلابة. والوادي عبارة عن شق في جبل خورمال. والمغارة عبارة عن تجويف واسع على شكل كهف غير عميق كائن في الجهة اليسرى من وادي الظلم ويبعد عن قرية أحمد آوه بمسافة غير بعيدة. ويتم الوصول إلى المغارة عن طريق سلالم صخرية بارتفاع مئة متر تقريباً تؤدي إلى مسطبة. أما المغارة فترتفع عن المسطبة بحوالى 50 متراً أيضاً. وهي عبارة عن غرفة مستطيلة الشكل طولها 80.4 متر وعرضها 65.2 متر وارتفاعها حوالى ثلاثة أمتار. كهوف وادي شيراو إلى الجنوب من وادي الظلم، وبمسافة ليست بعيدة، يوجد وادٍ آخر تقع عند مدخله قرية "سركت" وفي نهايته قرية دره مه، ويمكن الوصول إليه عن طريق خورمال - بياره. في هذا الوادي، وعلى الكتف الأيسر منه، توجد مغارة أو كهف اصطناعي يُسمى بكهف شيراو. وهذه المغارة حفرت في وسط الجبل ويتم الصعود إليها بواسطة سلّم درج اصطناعي نقر مع حافة الجبل الصخري. وترتفع المغارة بمقدار 30-40 متراً عن كتف الوادي وتتكون من تجويف طبيعي غير منتظم تقدر أبعاده ب6×4 أمتار وبارتفاع قدره 50.2 متر. تل بكر آوه يقع هذا التل على يمين الطريق الذاهب إلى مدينة حلبجة بمسافة 50.1 كلم عن الشارع العام، ويبعد عن حلبجة مسافة خمسة كيلومترات، ويحتوي التل على بيوت أثرية مبنية باللبن وأغصان الاشجار. تل ياسين تيّه يقع هذا التل في الزاوية الشمالية الغربية من حوض شهرزور، وهو عبارة عن مرتفع بيضوي طوله من الاعلى 200 متر وعرضه نحو 184 متراً. وشيدت على طرفه الشمالي قلعة عثمانية بنيت بالحجارة والجص. ومدينة السليمانية الحالية حديثة النشأة اذ كانت في البدء قرية صغيرة تدعى "ملكندي" وبجوارها عين ماء تدعى "كاني اسكان" بمعنى عين الغزلان، وكان الامراء البابانيون المتواجدون في قلاجوالان قلعة جوالان يأتون الى هذه المنطقة لصيد الغزلان التي كانت ترتوي من هذه العين. ولا زالت العين موجودة الى يومنا هذا. والسليمانية هي وليدة فكرة الأمير ابراهيم باشا بابان العام 1784 تحقيقاً لطموحه في تأسيس عاصمة حديثة للامارة البابانية التي كان يحكمها بدلاً من عاصمتها السابقة في قلاجوالان. ولعبت الامارة البابانية في السليمانية لسنوات عدة دوراً بارزاً في ادارة منطقة كردستان. ولكن بعد افول ادارة هذه الامارة، برز من جديد الشيخ محمود الحفيد ليعلن ثورته بعد الحرب العالمية الاولى واحتلال الانكليز العراق، وتمكن من تأسيس اول حكومة كردية بقيادته بعد استفتاء شعبي في 2 تشرين الثاني نوفمبر 1918، واعلن تنصيب الشيخ محمود ملكاً لكردستان. وبعد اقل من تسعة اشهر في العام 1919 استطاعت القوات البريطانية القضاء على هذه الحكومة ونفت الشيخ محمود الحفيد الى الهند. غير انه استطاع بعد رجوعه من منفاه تأسيس حكومته الثانية العام 1922، والتي استمرت حتى العام 1924، وبعد هذا التاريخ اصبحت منطقة كردستان تابعة للدولة العراقية الحديثة. اما تسمية المدينة فهناك آراء كثيرة حولها منها: قيل انه عندما حفرت اسس المدينة عثر على خاتم نقش عليه اسم سليمان، وتيمناً بالخاتم واسم النبي سليمان سميّت المدينة بالسليمانية. وقيل ايضاً انها سميت باسم جد ابراهيم باشا مؤسس المدينة سليمان باشا، وهناك من قال انها سميت باسم سليمان باشا الكبير وهو من اشهر الولاة العثمانيين الذين حكموا العراق من 1780 الى 1802 وكان من الاصدقاء الحميمين لابراهيم باشا بابان. واشتهرت السليمانية، مثل بقية مدن العراق، بمعالم عمرانية اسلامية كالاسواق والقيسريات والمساجد والحمامات والتكايا الخاصة بأهل الطرق الصوفية. اما ابرز معالمها العمرانية فهي: الجامع الكبير ويسمى ايضاً بمسجد كاك احمد الشيخ، شيّد في عهد ابراهيم باشا بابان ويقع في وسط المدينة، وكان يضم مدرسة دينية تعتبر من اشهر المدارس الدينية في منطقة كردستان. وكان المسجد في عهد الشيخ مولانا خالد النقشبندي الذي كان في حينها رئيساً لعلماء الدين في السليمانية ومدرساً وخطيباً للمسجد وهو الذي نشر الطريقة النقشبندية في انحاء المدينة وبقية مناطق كردستان. وبعد سفر مولانا خالد الى بلاد الشام عهد بمنصب رئاسة العلماء وادارة المسجد الى الشيخ معروف النودي الذي يعود اليه الفضل في نشر الطريقة القادرية في انحاء كردستان بعد ان تتلمذ على يد الشيخ علي دوليموي الذي تتلمذ بدوره على يد الشيخ اسماعيل قازانقايا. وبعد وفاة الشيخ معروف عهد الى ابنه الفاضل كاك احمد الشيخ بإمامة وادارة المسجد والتدريس فيه، وهو عالم جليل ومتبحر في امور الدين وتفسير القرآن الكريم وعلم الحديث. خانقاه مولانا خالد يُعد هذا المبنى من المؤسسات الدينية البارزة في مدينة السليمانية، شيّد العام 1817 من قبل محمود باشا ابن عبدالرحمن باشا بابان تكريماً لمولانا خالد النقشبندي، فاشتهر الخانقاه باسمه، ووقف عليه الأملاك والعقارات لصرف ايراداتها على حاجيات الخانقاه وتوابعه من إمام ومدرسين وطلبة العلوم الدينية واطعام الفقراء الذين لا يجدون ملجأ لهم ولا مأوى. وتخرج في هذا الخانقاه العديد من علماء الدين. وقد اعيد بناء وتوسيع المبنى والجامع الملحق به في بداية السبعينات وشيّدت له منارة مئذنة شامخة. وهناك معالم عمرانية اسلامية بارزة اخرى في السليمانية منها مسجد الحاج شيخ امين الذي شيد في عهد ابراهيم باشا بابان، ويقال انه شيّد بمواد بناء مسجد قلاجوالان بعد هدمه اثناء ترك مدينة قلاجوالان. وكذلك مسجد الشيخ بابا علي في محلة سرجيمن الذي شيد في زمن عبدالرحمن باشا بابان، ومبنى مسجد وخانقاه محوي الذي شيد من قبل السلطان العثماني عبدالحميد العام 1891. وتم تشييد العديد من المدارس في السليمانية اهمها مدرستا الرشيد الملكية والعسكرية من قبل سعيد باشا خندان. اما اشهر الأسواق والقيسريات في هذه المدينة فهي: سوق زيوهر، وقيسرية النقيب، وقيسرية عثمان باشا. * باحث عراقي في العمارة الاسلامية. المصادر 1 - أمين صالح زكي: تاريخ الكرد وكردستان. 2 - أكرم محمود صالح رشيد: مدينة السليمانية. 3 - مجلة سومر - جزء 27 - عن المؤسسة العامة للتراث والآثار - بغداد. 4 - معتصم شيخ رشيد: صحيفة الاتحاد الكردستانية، العدد 325. 5 - معلومات السيد محمد صالح محمد عنبر، محافظة السليمانية سابقاً.