الاستئناف الأخير للمفاوضات الرسمية بين سورية واسرائيل في اطار العملية السلمية في منطقة الشرق الاوسط يلقي الضوء من جديد على الدور الأردني من حيث كونه مجرد دور تسهيلي هامشي أم محوري أساسي. في هذا الشأن لا بد من الاشارة الى ثلاثة مستجدات تدعو إلى دعم دور أردني اكثر فاعلية ومحورية خصوصاً في ما يتعلق بمسألة المفاوضات النهائية وقضية اللاجئين. المستجد الأول يكمن في دخول سورية حلبة المفاوضات العلنية وحرصها المبدئي على عدم التوصل الى اتفاق منفرد يؤذي المصالح اللبنانية. فالثبات السوري من حيث وضوح الرؤية الاستراتيجية لترتيبات ما بعد السلام والصدقية في طرح اجندتها التفاوضية خصوصاً في ظل اصرار دمشق على بُعد عربي اكثر احتراماً للذات يقلب الموازين الانفرادية التي مُني بها الجانب العربي في ظل تخبط المفاوض الفلسطيني وقصوره في تحقيق اي مكسب استراتيجي للشعب وبشكل يُحييّ الآمال العربية المعقودة على دور عربي سوري اكثر فاعلية. بالتأكيد ان الدور التفاوضي السوري مرتبط بشكل أساسي وكبير بتحرير الجولان العربي المحتل. إلا أنه من الظلم بمكان عدم اعطاء القيادة السورية حقها في الثناء عليها من خلال اصرارها على رؤية المصالح السورية في ظل بوتقة لبنانية وعربية على رغم الضغط المتزايد لواشنطن وتل ابيب. كذلك فإن الحذر السوري من عدم اعطاء باراك انتصاراً اعلامياً بتحقيق السلام مع دمشق في ظل عدم تقديم تنازلات حقيقية بالالتزام باخلاء الجولان حتى وان أدت الى وقف المفاوضات مع اسرائيل يضيف بُعداً اكثر ذكاء لمعادلة السلام العربية - الاسرائيلية. المستجد الثاني يكمن في تفاقم تردي الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المناطق الفلسطينية التي تديرها السلطة. فالمفاوض الفلسطيني اخفق سياسياً من خلال فشل اتفاقاته الغامضة مع اسرائيل على تحقيق اية مكاسب مادية لردع بناء المستوطنات او حتى ارساء قواعد حل تمهيدي لمسألة اللاجئين. فالقانون الدولي من خلال العديد من قرارات الأممالمتحدة المتمثلة بقرارات مجلس الأمن رقم 242 1967 و252 1968 446 1979 و452 1979 و654 1980 و476 1980 و478 1980 و672 1990 و1073 1996 وقرارات الجمعية العمومية 181 1947 و194 1948 و233/51 1997 و2/10- ES 1997 واتفاقات جنيف لعام 1949 وبروتوكول جنيف الاول لعام 1977 واتفاق لاهاي لعام 1907 كلها اعطت الفلسطينيين الحد الأدنى من الحقوق المعترف بها دولياً اضافة لحق تقرير المصير الذي نصت عليه العديد من الوثائق الدولية. لكن على رغم هذا احتوت اتفاقات اوسلو على اشارات هزيلة جداً وخجولة بشأن الحقوق الفلسطينية الدولية مثل الفقرة 6 من المادة 36 مما يسمى باتفاق اوسلو الثاني لعام 1995. كذلك من خلال قراءة غالبية الوثائق التفاوضية التي وقعها الرئيس الفلسطيني لم يعثر حتى على فقرة واحدة تشير وبشكل واضح الى عدم شرعية المستوطنات الاسرائيلية أو حق الفلسطينيين في اقامة دولة فلسطينية في المعنى الموضوعي والقانوني والسيادي، وكذلك اخفق اقتصادياً من خلال فشله في بناء اجهزة رقابة مالية وإدارية تعالج وبشكل عصري مشاكل الاقتصاد الفلسطيني والتسيب الاداري والمحسوبية واختلاس المال العام. كذلك فشل شعبياً من خلال اطلاق يد اجهزته الأمنية اللامنتهية الاسماء بالاعتداء بمضايقة الاصوات الفلسطينية المستقلة والقيادات الشعبية خصوصاً بعد صدور "بيان العشرين" الاخير. المستجد الثالث يكمن في التغيرات الايجابية التي تطرأ الآن في عمان وترجع بشكل مباشر الى النهج الاصلاحي الحذر والعزم على النهوض بالأردن الى دولة المؤسسات والمجتمع المدني القائم على مبدأ المساواة امام القانون. هذا النهج يبشر على المدى المتوسط والمدى البعيد بدولة حديثة في المعنى الموضوعي للكلمة قادرة على ان تستخدم بعدها الديموغرافي لخدمة مصالح الأردنيين، والتعامل المتزن مع اسرائيل التي تمثلت في ابقاء القنوات مفتوحة دونما مبالغة في الهرولة، وهذا امر يُضفي على الأردن صبغة عربية توسع دائرته التنسيقية مع كل من سورية ولبنان ومصر. وعليه فإن الأردن بتركيبته واصلاحاته يحاول الابتعاد عن الطرح الاقليمي الضيق في حماية حقوق المواطنين وخصوصاً اللاجئين. فأملاك مئات الآلاف من مواطني الأردن في الضفة الغربية هي املاك اردنية على كل الأصعدة الرسمية او السيادية او الشعبية. ومن هذا المنطلق يمكننا ان نجادل بأن الحكومة الاردنية هي المسؤولة الاولى والاخيرة من خلال التدابير الدستورية والقانونية عن رعاية مصالح كل مواطنيها. كذلك ان اهلية الحكومة الاردنية لتمثيل مصالح مواطنيها من اصل فلسطيني في ظل السياسات المتوازنة هي مسألة لا يجوز التشكيك فيها خارجياً لأنها فعلاً مسألة داخلية تحميها رقابة دستورية وبرلمانية عصرية. وعلى الصعيد السيادي فان القانون الدولي يُخوّل الحكومات من خلال العديد من المعاهدات والأعراف والتقاليد الدولية حق متابعة وحماية املاك مواطنيها في الخارج. ومن هنا يمكننا ان نجادل كذلك ان الحكومة الأردنية هي ايضاً صاحبة الحق الاول في المطالبة بحقوق مواطنيها من أصل فلسطيني. وعلى الصعيد الشعبي فان مسألة اللاجئين وأملاكهم هي امر يخص الغالبية العظمى من ابناء الضفة الغربية والذين هم في الدرجة الاولى مواطنون اردنيون، خصوصاً في ظل الوحدة الشعبية والدستورية بين عمان وابناء الضفة الغربية من نهر الأردن منذ عام 1950 والانتخابات النيابية الشرعية التي تلتها في شهر نيسان ابريل وشاركت فيها ودعمتها الغالبية العظمى من الاحزاب السياسية الأردنية اليسارية او الدينية. كذلك الدستور الأردني الحالي لعام 1952 يعتبر اكبر رمز لهذه الوحدة اذ عبّر في نصوصه عن تطلعات ابناء المملكة باختلاف اصولهم نحو مجتمع ديموقراطي حضاري موحّد. ونذكر هنا ان هذا الالتحام العضوي والقانوني حدث قبل 43 عاماً من معاهدات اوسلو التي أدت الى تجزئة وتقطيع الضفة الغربية الى مناطق الف وباء وثاء بشكل رسّخ من الوجود الاسرائيلي بذريعة حماية المستعمرات والمستوطنين. هذا الالتحام العضوي والمصيري حدث قبل حوالي نصف قرن ويعطي مئات الآلاف من مواطني الأردن الحق الشعبي والعاطفي الكامل في متابعة املاكهم ومصالحهم في الضفة الغربية، خصوصاً أن معاهدات عرفات السلمية بغض النظر عن الادعاءات الاعلامية لا تسعى الى انشاء دولة فلسطينية يرجع لها كل الشتات الفلسطيني، بل كانتونات وبندستانات مبعثرة. أهمية الدور الأردني المحوري الشعبي والرسمي في مسألة اللاجئين والقدس لا تستثني ولا تقلل أبداً من الدعم والرعاية العربية خلال سنوات الصراع العربي - الاسرائيلي، بل هو دور تكميلي نتج عن خصوصية العلاقة بين مواطني الأردنبالضفة الغربية لا سيما وان الدعم الحكومي الأردني لمناطق الضفة الغربية كان يتم تحت غطاء العديد من الدول العربية. ففي ظل التغير الجيوسياسي الاخير في المنطقة، فإن الأردن هو أقدر من أي وقت مضى على الدفاع عن قضايا مواطنيه الفلسطينيين في مرحلة المفاوضات النهائية جنباً الى جنب مع سورية ولبنان. * محاضر غير متفرغ في القانون الدولي.