تخرج رائحة العشب الصيفي من حقل "ماري فرد" خارج مدينة استوكهولم حيث نصب شباب الصليب والهلال الاحمر خيمة تتسع لخمسمئة مشترك في المؤتمر العالمي لشبيبة الجمعيتين من 120 دولة في العالم تحت شعار "قوة الشباب". يجلسون في حلقة دائرية في الخيمة التي يسمع منها صدى موسيقى تراثية سويدية يرقص على ايقاعها شاب وفتاة رقصة ترحيب بالمشتركين الذين أتوا لتبادل الأفكار والخبرات. الأصفر من الصين واليابان، والأسود من القارة الافريقية، والأبيض من القارة الاميركية وأوروبا، عدا عن الخليط العربي الذي أتى بثقل كبير الى المؤتمر ممثلاً بلبنان والأردن والكويت والعراق وسورية وفلسطين وتونس والمغرب ومصر ودول اخرى، وكل يحمل أفكاره ومعاناته وخبراته ليطرحها على المؤتمرين الذين اجتمعوا في السويد لمناقشة مواضيع مثل: حل النزاعات، استخدام الاطفال في الحرب، برلمان عالمي للشباب من أجل الديموقراطية، خلق مجتمع مسالم وثقافة خالية من العنف، التواصل الثقافي العالمي، حقوق الطفل وحقوق الانسان ومواضيع اخرى تتعلق بالمشكلات العالمية المتنوعة التي يقول عنها الأمين العام لشبيبة الصليب الأحمر السويدي أولا ماتسون انها مواضيع مهمة جداً ويجب ان تناقش على مستوى عالمي، ويشرح أهداف المؤتمر: "الفكرة الرئيسية للمؤتمر تجميع أكبر عدد ممكن من شبيبة جمعيتي الصليب والهلال الاحمر في مكان واحد في نفس الوقت لايجاد حال ثقافية متعددة تتيح الفرصة للشباب ان يتبادلوا الخبرات المختلفة التي عاشوها، ومن جهة اخرى ارسال اشارة الى اصحاب السلطة من الاجيال القديمة ان الشباب له دور فعال في العالم ويمكنه ان يحدث تغييرات كبيرة متى أراد". ويكمل: "ان المجتمعين يسعون الى أهداف محددة منها العمل على خلق طرق جديدة وفعالة تمكنهم من كبح الأزمات السياسية والعسكرية في العالم، والعمل على تعزيز الحرية، كما تقوية ثقة الشباب في أنفسهم ليستطيعوا ان يتحملوا مسؤولياتهم امام الاجيال القادمة". ويقول ماتسون اننا نعيش في عالم ينقصه العدل والمساواة. فبينما يستغل طفل من العالم الثالث حوالى 20 في المئة من ثروات الأرض الطبيعية يحصل طفل العالم الأول على 80 في المئة من تلك الثروات. ولهذا سيقوم شبيبة الجمعيتين بوضع اقتراحات لطرق جديدة قد تساهم بتوزيع عادل لثروات الأرض بين الامم. "لن نقوم بإصدار قرارات تفرض على دول العالم، لكننا سنرفع توصيات الى المؤتمر العام المقبل لرئاسة الجامعيتين الذي سينعقد في جنيف في الخريف بحضور ممثلين عن حكومات معظم الدول، حيث ستتخذ قرارات ترفع الى دول العالم". ويشير ماتسون ان الصليب والهلال الاحمر لا يتدخلان في الشؤون السياسية الداخلية للدول المتحاربة، لكنهما يلعبان دور اللوبي في الدول التي تنعم بالسلام ويقومان بالمهمات الانسانية في الدول المتحاربة. "لو اخذنا لبنان على سبيل المثال ذلك البلد الذيشهد حروباً عدة استطاع الصليب الاحمر اللبناني ان يلعب دوراً محايداً في جميع تلك الحروب. وكانت تقع على عاتقه مهمات مثل نقل الجرحى والقتلى وتوزيع معونات على العائلات المحتاجة والمهجرة، من دون ان تتدخل الجمعية بسياسة لبنان الداخلية. وفي السويد التي تنعم بسلام منذ مئات السنين، تلعب منظمة الصليب الأحمر السويدي دوراً فعالاً وحتى سياسياً، حيث اننا نطرح على الحكومة اشياء قد تختص بالشؤون الداخلية لتحسين وضع المعوقين والعجزة واللاجئين، واحياناً تتعلق بالسياسة الخارجية من أجل ارسال معونات الى الدول المنكوبة، وتتغير مهمات الصليب والهلال الأحمر من وقت الى آخر وذلك يتعلق بالأوضاع الأمنية والعسكرية". وبما ان الأوضاع الأمنية قد تحسنت في لبنان فقد تغير عمل جمعية الصليب الاحمر اللبناني. فبعد ان كانت سيارات الاسعاف ترى في شوارع بيروت مسرعة من أجل نقل جرحى وقتلى الانفجارات، أصبحنا في الفترة الأخيرة نرى باصات لجمعية الصليب الأحمر اللبناني والدولي تنتقل بين بيروت والجنوب. وكل مرة تتجه تلك الباصات جنوباً تكون محملة بأهالي المعتقلين في معسكرات الاحتلال الاسرائيلي أو برسائل من أهالي المعتقلين الى ابنائهم، وبهذا اخذت تلك الجمعية مسؤوليات جديدة تنفذها من أجل الانسانية. رولى حتي طالبة حقوق وعضو في شبيبة جمعية الصليب الأحمر اللبناني، أتت الى المؤتمر مع عضوين آخرين من أجل طرح أفكار جديدة وتقديم شرح للمجتمعين عن الأوضاع الحالية في لبنان من جهة، والاستماع الى الآخرين ومحاولة اكتساب بعض الخبرات الجديدة وبناء علاقات عالمية من جهة ثانية. تقول رولى ان المهمات التي تقوم بها الجمعية لم تتغير كثيراً من الناحية الانسانية ولكنها أخذت طابعاً آخر بعد ان انتهت الحرب في لبنان، وتشرح: "مضى على انتهاء الحرب أكثر من تسع سنوات، خلال فترة السلم الاهلي ركزنا على الاعتناء بالأطفال والعجزة لأن تلك المجموعتين الأكثر تضرراً في المجتمع عندنا الآن. فالطفل لا يتمتع بالحرية الكاملة التي توفر له الثقة بالنفس وتساعده على المضي قدماً في اتجاه مستقبل جيد. اما العجزة فهم ايضاً بحاجة الى مساعدة اجتماعية تحسسهم انهم جزء مهم من المجتمع، ولهذا تقوم جمعية الصليب الاحمر بإقامة نشاطات ترفيهية تتخللها برامج توعية عن حقوق الطفل. وعندما نتمكن من تعليم الطفل حقوقه في الحياة نكون قد خطونا خطوة كبيرة في اتجاه الاهداف الانسانية التي نسعى اليها ونعمل من أجلها". وتكمل حديثها: "ان النشاطات التي تقوم بها الجمعية في لبنان شرحت للمشتركين في المؤتمر". وتذكر رولى انها لاقت تجاوباً كبيراً من ممثلي الوفود كونها لبنانية وطرحت عليها أسئلة تتعلق بالارهاب في لبنان، لكنها شرحت لهم ان لبنان بلد آمن لا ارهاب فيه، لكنه يعاني من الاحتلال الاسرائيلي لجنوبه. وكانت رولى اختارت موضوع التنازع لمناقشته مع زملائها في المؤتمر. "المجتمعات والافراد تعاني من موضوع التنازع الذي له اشكال عدة. فهناك نزاع سياسي وعسكري، وفي الدول الآمنة يوجد نزاع اجتماعي، حتى على الصعيد الفردي فنحن كأشخاص نعاني من الكثير من المشكلات، لهذا اخترت موضوع التنازع لكي اتمكن من كسب خبرات جديدة في حل الازمات والمشاكل قد تساعدني على الصعيد الفردي، وحتى تمكنني من تقديم بعض المعونات على الصعيد الاجتماعي". وتشير رولى الى انها لم تختر موضوع التنازع بسبب ان المجتمع اللبناني عانى ويعاني من الكثير من المشاكل، لكنها اختارته لكي تتعلم طرقاً جديدة تساعد على حل النزاعات. وتشير رولى الى انها لم تأت فقط للاستماع وانما لاعطاء خبرات تتمتع بها من لبنان: "كنت على علم مسبقاً انني سألتقي بأشخاص مثل الوفد السويدي الذي تختلف مشاكلهم عن مشاكلنا، ويمكنني من خلال خبرتي في العمل مع الاطفال وكوني قادمة من بلد عاش حروباً عديدة، ان اعطي هؤلاء نصائح واقتراحات تساعدهم في مجتمعهم الذي لم يشهد الذي شاهدناه من حروب". وتشير رولي الى انها تتمتع بأفكار كثيرة سوف تفيد بها المجتمعين. وعلى الرغم من ان رولى قادمة من دولة عربية تقع على حدود وطن خلدون عويس من وفد الهلال الاحمر الفلسطيني - قسم الداخل الذي يشترك في المؤتمر مع زميلته هبة ابو عادل من نفس الجمعية ولكن من فرع سورية، فالمسؤوليات التي تقع على عاتق جمعية الهلال الاحمر في فلسطين تختلف بعض الشيء عن مهمات الصليب الاحمر اللبناني، ففي فلسطين برز دور شبيبة الهلال الاحمر من خلال انتفاضة الحجارة التي تجابه بالحديد والنار من قبل المحتل الاسرائيلي، وكلما سقط شهيد او جريح من اطفال الحجارة ترى سيارات الهلال تسرع الى ارض المعركة لنقله، ويقول خلدون عن الصعوبات التي يواجهونها: "يتصرف الجيش الاسرائيلي معنا بمزاجية حيث انهم احياناً يقومون بمنعنا من أداء مهماتنا كلياً، واحياناً اخرى يسمحون لنا ان نؤدي واجباتنا. ونحن معرضون دائماً للخطر حتى انه سقط لنا العديد من الشهداء من شباب الجمعية برصاص قوات الاحتلال، آخرهم سائق اسعاف استشهد في احداث النفق سنة 1996. ويعود تاريخ تأسيس جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني الى سنة 1948 عندما قامت محاولات فردية لتأسيس جمعية انسانية تساعد المواطن الفلسطيني على الاستمرار في مواجهة المصاعب الاجتماعية من جراء الاحتلال الاسرائيلي. واعلن رسمياً عن تأسيس الجمعية في فلسطين والخارج اللاجئين الفلسطينيين سنة 1968 بدعم من المجلس الوطني الفلسطيني. ومن وقتها اصبحت الجمعية بمثابة وزارة صحة وشؤون اجتماعية للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. واستطاعت الجمعية ان تؤسس خلال مسيرتها 73 مستتشفى وافتتحت مراكز لها في معظم مدن الداخل ومخيمات الخارج. ويشرح خلدون: "عندما عادت السلطة الوطنية الفلسطينية الى الداخل قمنا بتسليم مهمات وزارة الصحة الى السلطة الوطنية وتفرغنا للاعمال الاجتماعية مثل الاعتناء بالعجزة والاطفال والمرضى، عدا عن نقل جرحى وقتلى الانتفاضة. وبعد ان كنا مشتّتين كجمعية أسسنا مركزاً رئيسياً في رام الله يشرف على عمل كل اقسام الجمعية في الداخل والخارج. ولكن حتى الآن لا يوجد لنا مركز في القدس بسبب تعنّت الاسرائيليين ومنعنا من تأسيس مركز في المدينة المقدسة". وتشارك هبة في الحديث مذكّرة بأن للجمعية دوراً مهماً في المخيمات الفلسطينية في الخارج ايضاً. ففي دمشق يوجد مركز صحي لتركيب الاطراف الاصطناعية وتقول عنه: "يوجد في المركز اختصاصيون في مجال الاطراف الاصطناعية ويساعدهم قسم من الشباب المتطوّع من جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني بالتعاون مع الهلال الاحمر السوري. وساهم وجود المركز بتغيير حياة الكثير من الاشخاص الذين فقدوا ايديهم او ارجلهم، ويزورنا خبراء من العديد من دول العالم. استطعنا ان نؤسس مركزاً للعناية بالايتام حيث نؤمن لهؤلاء الاطفال جواً نفسياً مريحاً ونقيم لهم الحفلات الترفيهية والدورات الفنية من اجل تنمية المواهب. وننقسم نحن الشباب العاملين مع الاطفال الى قسمين قسم خاضع لدورات تخوله التعامل مع الاطفال بطريقة مدروسة وقسم يقيم الحفلات الترفيهية لهم". وتشير هبة الى انها راضية عن الانجازات التي تحققت في جمعية شباب الهلال الاحمر الفلسطيني فرع مخيمات سورية منذ بروزها قبل ثلاث سنوات حتى الآن، لكنها ترغب في العمل اكثر لاستقطاب جزء اكبر من الشباب الفلسطيني في المخيمات السورية من اجل استمرار الجمعية. وتتطرق هبة الى الهدف من قدومها الى المؤتمر حيث انها تريد ان تشرح للمشتركين الفرق المعنوي بين اللاجئين الفلسطينيين في سورية ولبنان من جهة، والدول الاوروبية من جهة اخرى. فهي تقول ان هناك من تخلوا عن هويتهم الفلسطينية مقابل جواز سفر اوروبي ولكن في دمشقوبيروت يرفض الفلسطينيون فكرة التوطين لانهم مقتنعون بالعودة الى الارض المحتلة. وتشرح هبة انه بمجرد رفض الفلسطينيين التخلي عن هويتهم ورفض التوطين ارتفعت معنوياتهم النفسية وازداد تعلّقهم بالارض. ويروي خلدون عويس الذي اتى من القدس من اجل المشاركة في المؤتمر وطرح مشاكل الهلال الاحمر الفلسطيني، انهم في الارض المحتلة يعملون في ظروف صعبة للغاية، وبما ان الشعب الفلسطيني من الفئات الاقل حظاً في العالم اختار خلدون موضوع الفئات الاقل حظاً لمناقشته في المؤتمر، لاعتقاده انه يمكنه ان يعطي صورة واقعية عن ذلك العنوان، لان الشعب الفلسطيني مسلوب الارض ومشرّد ومن دون هوية مُعترف بها دولياً ويعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية خانقة. "نحن شعب نعاني من الكثير من الويلات، عدا عن فقدان الارض والهوية، فالاحتلال تسبب في اعاقة عشرات الآلاف من الفلسطينيين وشرّد الكثير من العائلات وخلق الكثير من المآسي. فكان من الطبيعي ان اختار هذا الموضوع بالذات لكي أناقشه مع الآخرين. أتيت من القدس لأشرح لهم معاناتنا مع الاحتلال قبل دخول السلطة وكيف كنا من الفئات الاقل حظاً وبعد دخولها لا نزال من نفس المجموعة" ويتابع خلدون انه يرغب من خلال هذا المؤتمر ان يؤثر على المجتمعين ويشرح لهم الهموم الفلسطينية من جهة ويتعرف على آراء الشباب العربي خاصة والعالمي عامة من جهة اخرى. ويروي انه سُئل من المشتركين في المؤتمر: من يمثل هنا؟ وكان هناك الكثير مِنْ مَنْ إدعوا انهم لم يسمعوا قط بدولة اسمها فلسطين، ولكن خلدون لم يتوان عن تقديم شرح عن الازمة الفلسطينية. ومن احد اهم اهداف خلدون من هذا المؤتمر ان يتعلم طريقة تنظيم مؤتمر عالمي بهذا الحجم لان جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني ستنظم مؤتمراً مشابهاً في نهاية هذا العام وستدعو اليه وفوداً من معظم دول العالم: "احد اهدافي في المؤتمر ان اتعلّم طريقة تأسيس مخيم شبابي عالمي، واتمنى ان اعود الى فلسطين بأفكار جديد تساهم في انجاح مخيمنا العالمي في نهاية العام في القدس، ومرة اخرى اريد ان اوضح الصورة اكثر عن المسألة الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي لممثلي الوفود الاجنبية هنا". فلسطين ليست وحيدة في فكرة اقامة مخيم عالمي لشبيبة الهلال والصليب الاحمر، فشباب الهلال الاحمر السوري الذي تمثل بأربعة اشخاص في السويد يقيم مخيماً شبيهاً بهذا في مدينة بانياس. واحد اهداف اشتراك الوفد السوري في المؤتمر السويدي تعزيز العلاقات مع ممثلي الدول العربية والاجنبية ودعوتهم للاشتراك في المخيم كما شرح طريقة عملهم في سورية. وتروي ملداء داود من مدينة دمشق ان شباب الهلال الاحمر السوري استطاعوا خلال فترة سبع سنوات تأسيس اربعة فروع لهم في المدن الرئيسية في سورية، ويوجد لجنة اسعاف اوّلي ولجنة تهتم بالبيئة والثقافة: "نقوم بالكثير من النشاطات الاجتماعية والصحية والبيئية التي يحتاج اليها مجتمعنا. فمنذ فترة تعاونا مع بعض الجهات الرسمية وقمنا بحملة توعية تتعلق بمكافحة سرطان الثدي". وتبادل الخبرات وبناء العلاقات كانت من الاهداف الرئيسية للوفود ال120 من معظم دول العالم عدا بعض الدول التي لم تتمكن من الاشتراك لاسباب خاصة، ومنها الوفد الاسرائيلي الذي رفض الاشتراك في المؤتمر لأن لجنة الصليب والهلال الاحمر المشتركة لم تنزل عند رغبة اسرائيل في تأسيس جمعية "نجمة داود الحمراء"، وهذا ادى الى مقاطعة اسرائيل المؤتمر. لكن بعض المجتمعين في ماري فرد اكدوا ان لجنة الصليب والهلال الاحمر المشتركة تناقش الآن طلباً يتعلق بتغيير شعار الجمعيتين وجعله شعاراً موحداً الماسة الحمراء إرضاء للاسرائيليين.