ثلاثة مواضيع كتبت في هذه الزاوية يوم الاربعاء الماضي عن الحملة على البروفسور ادوارد سعيد، استاذ الأدب المقارن في جامعة كولومبيا، فالذين أنكروا وجود فلسطينيين، واخترعوا تاريخاً اسرائيلياً لم يحدث، نظموا حملة على ادوارد سعيد، فقد هالهم ان أعظم ناقد أدبي وموسيقي في نيويورك فلسطيني من القدس، وليس يهودياً من لاتفيا مثلاً. وهكذا فبعد مجلة "كومنتري" وما نقلت "الديلي تلغراف" عنها، وهو موضوع تعليقي الأصلي، وجدت ان "وول ستريت جورنال" و"نيويورك تايمز" وصحفاً كثيرة اخرى تناولت الموضوع في اليومين الأخيرين. إدوارد يظل أفضل حظاً من الرئيس عرفات، فشهادة ميلاده توضح انه ولد في القدس، غير ان الباحث اليهودي جوستوس ريد واينر يصر بعد ذلك على ان ادوارد سعيد عاش في مصر. بالنسبة الى الرئيس الفلسطيني شهادة الميلاد غير موجودة، أو على الأقل لم يرها الاسرائيليون، لذلك نسمع أحياناً انه ولد في غزة، وأحياناً اخرى انه ولد في القاهرة. وقد اهتممت بموضوع أبو عمار يوماً، وكتبت عنه في هذه الزاوية، وسألت من أعرف من كبار الفلسطينيين في القدس، حتى وجدت رجالاً ونساء من أسرة العلمي المعروفة وغيرها ممن يذكرونه صغيراً، ومن يذكرون بيت أسرته، فقد كانوا جيراناً. مع ذلك، والد ياسر عرفات تنقل بين القاهرةوالقدس، وكان له دكان صغير قرب الأزهر، الا ان هناك أحياء أثق بهم يؤكدون وجود اسرة عرفات القدوة في القدس معهم. وطلبت اسرتا سعيد والقدوة الرزق في القاهرة كما طلبه عرب كثيرون. لم احتج مع ادوارد سعيد ان اسأل، فأنا أعرف أسرته منذ ثلاثين سنة، ورأيت بنفسي صور الأسرة في القدس، مع ذلك هو يواجه تهمة أنه لم يكن فقيراً أو لاجئاً، وهو لم يقل هذا يوماً، أو أن بيت الأسرة لم يكن باسم أبيه. إذا كانت الملكية شرط المواطنية، فإنه لن يبقى من يهود القدس مواطنون سوى بضعة آلاف. وبالنسبة الى ادوارد سعيد بالذات، فقد كان البيت الذي ولد فيه باسم عمته. ومن يدري فربما قام غداً يهودي من لاتفيا يثبت أن والد ادوارد أو أباه أو عمه سرقوا البيت منه. وعلى كل حال، فردّ ادوارد في "الحياة" السبت هو فصل المقال. أشرت في هذه الزاوية غير مرة الى صموئيل شاينباين، وهو مراهق يهودي من ماريلاند اتهم بقتل طالب معه في المدرسة، وتقطيع أطرافه بمساعدة زميل آخر، ففر الى اسرائيل ورفضت هذه تسليمه الى العدالة الاميركية لأن والده كان يحمل الجنسية الاسرائيلية. التهمة الموجهة الى شاينباين وزميله فظيعة ومؤكدة، ومع ذلك فهو عقد صفقة مع "العدالة" الاسرائيلية فحكم عليه بالسجن 24 سنة، ما يعني انه سيقضي نصفها، والأرجح أقل من ذلك كثيراً ثم يفرج عنه. هذا وهو يقول انه قطع الجثة وينفي القتل. وقد هدد الكونغرس بوقف المساعدات الاميركية عن اسرائيل بعد ان سمع بالصفقة، غير اننا نعرف الكونغرس، وانا مستعد أن أتوقف عن الكتابة اذا قطع الكونغرس المساعدات أو خفضها، فهذا مجرد كلام، واللوبي اليهودي جعل الكونغرس يغض النظر عن جرائم ضد الجنس البشري ارتكبتها اسرائيل، ولا يعقل ان يعاقبها على جريمة واحدة. غير ان الاميركيين من أصل اسباني قد لا ينسون الجريمة، فالضحية منهم، والمنظمات اليهودية الاميركية على اتصال مستمر ومكثف بهم الآن لتخفيف الغضب. طبعاً، لو كان القاتل عربياً أو مسلماً لوضع مكتب التحقيق الفيديرالي جائزة مليوني دولار، لمن يعطي معلومات تؤدي الى اعتقاله، وربما كانت الادارة أرسلت قوة تحاول خطفه. منعت السلطات التركية المنظمات الاسلامية في البلاد من مساعدة أسر ضحايا الزلزال المدمر، الى درجة اننا قرأنا ان الشرطة داهمت مقر منظمة اسلامية هي مظلوم - دار، بحثاً عن مساعدات برسم التوزيع، فلم تجد شيئاً. السلطات التركية تخاف ان تحاول هذه المنظمات والاحزاب السياسية الاسلامية الاستفادة من الكارثة، بتقديم مساعدات الى المحتاجين، في وقت بدا فيه ان الحكومة التركية والجيش والمؤسسات الرسمية غير مؤهلة للتعامل مع مثل هذه الكارثة الكبيرة. وقرأنا ان المنظمات الاسلامية لم تبرز ضمن جهود المساعدة، أولا لموقف السلطة منها، وثانياً لخلاف في قياداتها وتنازع. ولكن مع ذلك يبقى الموقف من هذه المنظمات غير حكيم، فهي اذا كانت عاجزة عن المساعدة تستطيع الآن ان تدعي انها كانت قادرة وتلك الحكومة منعتها. وفي مثل الاجواء المشحونة المحمومة التي تبعت الزلزال يسهل على الناس البسطاء تصديق هذا الكلام. وقد نقلت الصحف التركية وغيرها ما خلاصته ان أتراكاً كثيرين يعتقدون ان الزلزال عقاب من الله لابتعاد البلاد عن الدين. النظام العلماني في تركيا قام بعد قيام النظام الشيوعي في روسيا، وتبين بعد سبعين سنة من الشيوعية ان الروس لا يزالون ملتصقين بدينهم. الاتراك أكثر التصاقاً بالاسلام، وربما وجد النظام التركي ان من الأفضل ان يقبل هذه المسلّمة، بدل ان تركبه العزة بالإثم، فلا يتعلم من درس غيره، ويدفع في النهاية ثمن عناده.