بلغ عدد السياح القادمين من اوروبا الغربية الى تونس عام 1997 نحو 4.2 مليون شخص، وإلى مصر 2.2 مليون زائر، و345 ألفاً الى الأردن. واذا كانت هذه الأرقام تعطي صورة ايجابية عن حال السياحة الى الدول العربية وتدل على حصول ازدياد نسبي في حال السياحة العربية الا انها تعتبر متأخرة، حسب رأي الدكتور عثمان العائدي، بل انها اذا استمرت على نسقها الحالي فإنها ستتراجع اكثر فأكثر. والعائدي، إضافة الى كونه من كبار المستثمرين العرب في المجال السياحي في سورية، من خلال سلسلة فنادق "الشام"، وفي اوروبا، من خلال استثماراته الفندقية المعروفة، هو رئيس لأكثر من اتحاد سياحي عربي وعالمي، وهي الاتحاد العربي للفنادق والسياحة، والاتحاد الدولي للفنادق والمطاعم، ومنظمة السياحة المتوسطية، وبالتالي، فهو يجمع بين الجانبين: الاستثماري العملي، والاجرائي والتشريعي، وتظهر هذه الخبرة المزدوجة في حديثه الذي يقوم بالمقارنات الدقيقة بين الأحوال السياحية العربية ونظيراتها في العالم. ويتوافق العائدي في ذلك مع الدكتور عبدالكريم المدرس، الأمين العام ورئيس الجهاز التنفيذي لغرفة التجارة العربية البريطانية، الذي يطلّ من خلال منصبه على مظلّة واسعة من المعلومات التجارية والاقتصادية، التي، وان لم تكن السياحة جانبها الأساس، فإنها مع ذلك تأخذ الكثير من اهتمام الغرفة، باعتبارها صناعة المستقبل الأكثر أهمية في اقتصاديات العالم. وينظر المدرّس الى خلفية الصورة السياحية عبر الميزان التجاري بين بريطانيا والبلاد العربية، الذي يظهر رجحاناً واضحاً لمصلحة بريطانيا. ويعيد المدرس أسباب ذلك الى "كون بريطانيا دولة صناعية كبيرة والدول العربية في نهضتها التنموية تحتاج الى سلع وخدمات كثيرة ونقل تقنية وتكنولوجيا وما الى ذلك. من هنا سيظل الميزان التجاري لمصلحة بريطانيا لفترة طويلة على رغم ان هناك قاعدة صناعية موجودة في بعض الدول العربية". غرفة التجارة العربية البريطانية من جهتها تقوم بتشجيع وتدعيم المجال السياحي وخصوصاً من بريطانيا الى الدول العربية وذلك من خلال البعثات والمؤتمرات السياحية. وقامت بدعم بعض المشاريع السياحية وأنجزت 23 معرضاً داخل الغرفة كان جزء كبير منها عن السياحة، وهذه النشاطات تعطي فكرة عن البلد وترغّب في زيارته، فالمعارض هي احدى الوسائل لتشجيع السياحة، والغرفة تشارك في معظم المؤتمرات التي تشجع السياحة. ويعتبر المدرس ان كل الأنشطة تؤدي بشكل او بآخر الى تشجيع السياحة والاهتمام بها، ومن ذلك ما تقوم به الغرفة من تشجيع الصادرات العربية، وتذليل الصعوبات في وجه هذه الصادرات العربية الى بريطانيا وهذا سيخفف من رجحان الميزان التجاري لمصلحة بريطانيا. ومن الدول العربية التي يميل الميزان التجاري لصالحها مع بريطانيا يشير المدرس الى المغرب، ويعتبر هذا "شيئا نفخر به، صحيح ان التبادل التجاري ليس كبيراً، لكنها حقيقة ان الميزان التجاري بين المملكة المتحدة والمملكة المغربية مائل لمصلحة المغرب". امكانات سياحية ضخمة امكانات العالم العربي السياحية ضخمة جداً فهو، كما يشير العائدي، يمتلك 40 في المئة من كنوز العالم الثقافية والحضارية والتاريخية الا إنه لا يجذب الا نحو ثلاثة في المئة من السياح في العالم ووارداته أقل من 3 في المئة من الواردات السياحية العالمية. وحول مستقبل السياحة بين البلاد العربية يرى العائدي أنها تتراجع فبينما تصل نسبة السياحة البينية الى 82 في المئة في اوروبا و78 في المئة في جنوب شرق آسيا و42 في المئة في العالم العربي، واذا استمر التراجع العربي في هذا المجال فإن النسبة في عام 2010 ستصبح 37 في المئة. ويقترح العائدي، كحلّ لهذه الاشكالية الاقتصادية العربية تنشيط السياحة العربية وذلك من خلال تنشيط السياحة البينية ورفع نسبتها الى المتوسط العالمي وهو 80 في المئة، وبذلك نكون قمنا برفع واردات السياحة العالمية بنسبة 6 في المئة، وهي ضعف نسبة مساهمتنا الحالية. وفي مناقشته لحيثيات وفوائد هذا التنشيط السياحي بين البلدان العربية وضرورة ان تقوم الدول العربية والمستثمرون بتشجيعه يقول العائدي ان السائح العربي ينفق اكثر بكثير من السائح الاجنبي وذلك لأن السائح العربي يستثمر ويستأجر منزلاً وقد يشتري منزلاً، كما ان السائح العربي عندما يزور بلداً عربياً فإنه يجد ما يناسبه من العادات والتقاليد واللغة، والصلات التي تخلقها هذه الزيارات تجعل هذا السائح يتردد عدة مرات في السنة بينما لا يزور الأجنبي البلد إلا مرة او مرتين. ويستلزم تشجيع السياحة، بالنسبة للعائدي، العديد من الاجراءات الشديدة الأهمية على صعيد البلدان العربية ومن ذلك الغاء التأشيرات بين البلدان العربية التي تطلب أغلبها تأشيرة من المواطنين العرب، بل ان التأشيرة أصعب بكثير منها للأجنبي، فالأجنبي يستطيع ان يبقى لمدة سنة في الكثير من البلدان العربية كما يستطيع ان يحصل على تأشيرة الدخول على الحدود بينما لا يستطيع المواطن العربي أخذ تأشيرته على الحدود إضافة إلى أن عليه الانتظار لمدة طويلة. ولا يجد العائدي صحة في تمسك البلدان العربية بالأعذار الأمنية، ويعطي مثالاً على ذلك سورية، التي مرت بظروف أمنية صعبة ولكنها ما تزال، ومنذ 30 عاماً، تسمح للمواطنين العرب من دون استثناء بالدخول دون تأشيرة، ويشيد العائدي بقرار اليمن الأخير كذلك الذي ألغى التأشيرات لمواطني الدول العربية، ويرى العائدي انه يجب على وزراء السياحة العرب متابعة هذه القضية مع وزراء الداخلية العرب لإزالة عوائق السياحة البينية بين الدول العربية. وحول رأيه في الامكانات السياحية العربية وفي البلدان العربية المؤهلة لجذب السياح من العالم يرى المدرّس ان الدول العربية لم تركز بعد تركيزاً كافياً على السياحة وهو يلاحظ وجود توجه مصري وسوري باتجاه السياحة، ويعتبر لبنان دولة سياحية من الطراز الأول، وتعمل على جذب السياح من كل مكان، ويعتبرها الدولة الأولى في المنطقة التي تهتم بالسياحة بشكل بارز اضافة الى دول عربية كدولة الامارات، وامارة دبي، أما في سلطنة عمان، فانهم "لا يعملون سياحة من الدرجة العادية، وسياحتهم هي من الدرجة العليا". ويقارن المدرس بين اسبانيا التي لا تملك اكثر من شواطىء وشمس وبعض الآثار البسيطة، وبين الدول العربية التي لديها اضعاف ذلك بكثير، "ولكن رغم ذلك فصناعة السياحة في اسبانيا صناعة رائجة وتدر دخلاً رهيباً اكبر من دخل النفط بمئة مرة". ولا تخلو ملاحظات المدرّس من انتقادات فهو يقول ان "المغرب على عراقته، فيه بعض الأشياء التي تزعج السائح، وكذلك الأمر بالنسبة لمصر، وخصوصا في بعض الأمور مثل عدم التقيد بالمواعيد وبعض العوائق في الاسكان الفندقي وغيره". تشريعات لتشجيع الاستثمار وحول ضرورة تشجيع الاستثمار السياحي في البلاد العربية يعطي العائدي أهمية كبيرة لوجود تشريعات واضحة حول الاستثمارات السياحية والفندقية وذلك "لتقليل الاجتهاد في تفسير التشريعات"، ليكون المقصود منها تشجيع الاستثمارات وليس العكس، فالمستثمر عندما يقرر الاستثمار في بلد يقوم بتقييم ربحية هذا الاستثمار وما الذي سيكسبه منه وما يجب عليه القيام به. وضوح هذه التشريعات، بحسب العائدي، سيمنع أي موظف في اية دائرة من اعتبار نفسه هو المشرع، ولن يسمح له بأن يقول ان المشرّع تمادى في الاعفاءات او التسهيلات ويجب ان احافظ على مصلحة الدولة وأقلل منها، وبذلك يجعل من نفسه وصياً على المشرع الذي عرف عندما شرع ماذا يشرع، لذلك، يقول العائدي، "التشريعات مهمة اكثر من الاعفاءات وأهم من ذلك الالتزام من جانب الدول بتطبيق القوانين والأنظمة والاسراع في اجراءات التقاضي والالتزام، ومهم تنفيذ أحكام القضاء وهيئات التحكيم لدعم ثقة المستثمرين بصدقية الدول المضيفة للاستثمارات ولحفز الأموال للقدوم اليها بدل الهروب منها"، ويعقّب: "يهمني أن يعرف المستثمر انه اذا احترم القانون ثم حدثت تجاوزات من السلطة ولجأ الى القضاء ان ينصف، ثم اذا أخذ القضاء قراراً وأقرّ حكما فيجب على الدولة ان تنفذه". ومن مشاكل الاستثمارات العربية في البلاد العربية الى مشاكلها في بريطانيا، يقول المدرس "لا أعتقد بوجود سياحة من دون مشاكل، لا بد من وجود منغصات في كل عمل. الاستثمارات في بريطانيا هي آمن وأحسن حالاً من غيرها، البلد منظمة، قوانينها لا تتغير ولا تتبدل، ليس كل يوم قانون يصدر ونظام يصدر، لا توجد مفاجآت، بريطانيا تعمل على جذب الاستثمارات وهي مكان آمن. الظروف الاقتصادية تتحكم في كل الأمور، وظروف بريطانيا الاقتصادية قوية ومستقرة، فهي تحرص على وجود هذه الاستثمارات في بلدها ولا تسعى الى المس بها، وهذا عامل مهم جدا على تشجيع المستثمر عربيا كان او غير عربي على النجاح والاستثمار". وحول مشاريع غرفة التجارة العربية البريطانية المستقبلية في ما يخص الاستثمارات العربية في بريطانيا يقول المدرس "ان مشاريعنا وجهودنا تنصب على تشجيع الاستثمار البريطاني في الدول العربية، ولبريطانيا استثمارات كثيرة في الدول العربية ومنها مصر والسعودية، ليست بالحجم الذي نتوخاه او نأمله. لدينا كثير من الدول العربية المستقرة والآمنة والاستثمار فيها متاح. بريطانيا دولة عريقة وتتاجر معنا منذ اكثر من 300 عام. الاستثمارات العربية تأتي الى هنا وهي كثيرة لأن رأس المال يبحث دوماً عن مكان آمن".