ليست القيادة فنّاً سحرياً، بل علمٌ يمكن إستيعابه في أيام قليلة قبل التمرّس على التحكّم بالسيارة عوضاً عن الإنفعال بردود فعلها. أين العلم؟ تجده في منهجية مدارس التدريب الجدّية، مثل مدرسة بوب بوندورانت. فالدرس يبدأ من مبادئ "شجرة التركيز" الأساسية: رأس الأولويات هو التركيز، ثم تتفرّع منه عوامل النعومة ووعي الآخرين من جهة، والمواظبة والإستباق من جهة أخرى، قبل إكتمال العقد بالرؤية، العنصر الموازي للتركيز. وهنا عرض موجز لأبرز عناصر القيادة الآمنة في تدريب بوندورانت: * شجرة التركيز: القيادة الصحيحة وظيفة ذهنية أولاً، كأي علم آخر، ومفتاحها هو التركيز، كما في أي علم آخر. بمعنى آخر، لا تتطلّب المهارة سوبرمان وعضلات، بل تركيزاً وسيطرة على الذات لعدم الإنجرار وراء الهوس الإنفعالي. - الوعي: هو وعي المجريات المحيطة بالسيارة والحاصلة فيها على حد سواء عبر مراقبة العدّادات والساعات المختلفة. - المواظبة: يستحسن الإجتهاد في الدروس لتحقيق أداء متجانس المستوى في مختلف التمارين، عوضاً عن التذبذب بين نتائج ممتازة في جوانب وسيئة في أخرى. ويلعب إختيار السرعة الملائمة دوراً أساسياً في ضمان المواظبة في الأداء. - الإستباق: دوره أساسي في القيادة العادية كما في السباق، لأنه يعطي السائق وقتاً كافياً للتعامل مع المجريات قبل تحوّلها الى مفاجآت مُربكة. - النعومة: ينصح بوندورانت تلاميذه بأكبر مقدار ممكن من النعومة في تشغيل المكابح ودوّاسة الوقود والإنعطاف، لأن الخشونة مع السيارة تؤدي الى خشونة الأخيرة مع سائقها وعدم حصوله منها على أفضل طاقاتها، إضافة الى زيادة إحتمالات وقوع المفاجآت. - الرؤية: تسمح الرؤية البعيدة والواسعة بإستباق الأمور والتفاعل معها بهدوء المتمكّن من قواه. وينصح بوندورانت بتوجيه السائق نظره في الإتجاه الذي يريد سلوكه، حتى في حال إنزلاق السيارة ومهما حصل، وليس نحو ما يخشاه كثيرون يصطدمون بالشجرة التي يحدقون بها من شدة الخوف. وفي الإنعطاف، ينصح بوندورانت بإلقاء نظرة من الشباك نحو الجزء التالي من المنعطف لرصد المتبقي منه قبل بلوغه. * الجلوس: تسهّل إستقامة العمود الفقري وعي السائق جيداً لمجريات الأمور. فالشعور بالسيارة والطريق يبدأ من قاعدة العمود الفقري وينتقل صعوداً الى الرأس، فيتلقى الدماغ المعلومات قبل إعطاء أوامر التفاعل معها. وكلّما كان الظهر مستقيماً في وضعية مريحة طبعاً كلّما إنتقلت تلك المعلومات والأوامر بسرعة. ويستحسن بوندورانت وضع اليدين على المقود في وضعية عقارب الساعة عند التاسعة والربع، مع إمكان صعود إحدى اليدين الى وضعية ال12 لتسهيل الإنعطاف. أخيراً، لا يفترض مد اليدين كثيراً، ولا الإقتراب من المقود كثيراً، بل إعتماد مسافة مريحة بين الأقصيين. بعد سلوك السائق يتطرّق التدريب الى منطقيات سلوك السيارة، ككيفية توزيع وزنها وإنتقال معظمه الى المقدّم عند الكبح غوص المقدّم، أو الى المؤخّر عند الإنطلاق بقوة جموح السيارة، ليصل الى تقنيات إستغلال المقود ودوّاستَي الكبح والوقود لتوزيع الوزن حسب رغبة السائق، خصوصاً في المنعطفات. من هنا تدخل أهمية حسن إختيار ذروة المنعطف Apex الفاصلة بين مرحلتَي دخول المنعطف والخروج منه، لإستغلال كل من الكبح ودوّاسة الوقود كلاهما بنعومة والمقود لحسن توزيع الوزن على العجلات الأربع، مروراً بعرض مبدأ أكرمان Ackerman المعتمد في أنظمة توجيه السيارات، والقاضي بزيادة إنعطاف العجلة الأمامية الداخلية نحو داخل المنعطف، بنسبة تزيد بعض الشيء عن مدى إنعطاف العجلة المقابلة لها، لتحسين إنخراط الهيكل في الإتجاه المطلوب. ويعرض بوندورانت أساليب عدة لإستغلال مبدأ أكرمان، خصوصاً عند بدء الإنزلاق، لإعادة السيارة الى الإتجاه الصحيح، وصولاً بالتمارين الى جوانب تطبيقية أخرى تشمل تدابير القيادة الهجومية أو الدفاعية حسب مهمّات الشرطة، بما في ذلك تقنيات إخراج سيارات المجرمين عن الطريق بأقل مقدار ممكن من الأذى للسيارات الأخرى ولسيارة الشرطة على حد سواء.