أيهما أهم، الساعة أم الجاسوس؟ سؤال قد يبدو غريباً ولكنه دار في أذهان بعض زائري أستوديوهات "باينوود" غرب لندن، خلال حفل قدّمت فيه شركة أوميغا السويسرية عرضاً مميزاً لساعتها التي تشارك الجاسوس البريطاني الاشهر في عالم السينما، جيمس بوند، مغامراته، وتدقق مواعيده مع النساء الجميلات. "الحياة" كانت واحدة من مطبوعتين عربيتين اختارهما قسم "الميديا" والاعلان في شركة أوميغا للقاء الممثل الايرلندي بيرس بروسنن، الذي يقوم حالياً بتمثيل فيلمه الثالث ضمن دور العميل السري 007 صاحب الرخصة الرسمية بالقتل، وهو فيلم "العالم ليس كافياً"، وذلك بعد فيلميه "الغد لا يموت"، و"عين ذهبية". "العالم ليس كافياً" هو الفيلم رقم 19 في سلسلة افلام جيمس بوند التي استهلكت - حتى الآن 5 ممثلين هم: شون كونري، جورج ليزنبي، روجر مور، تيموثي دالتون، واخيراً بيرس بروسنن. فيلما بروسنن السابقان حققا نجاحاً كبيراً "عين ذهبية" حصد 350 مليون دولار أرباحاً، لكن ذلك كلّف الممثل الكثير من الجهد الشاق، وهو ما يتكرر حالياً مع فيلمه الحالي الذي تعرّض لتأخير في مواعيده. وكان على جيمس بوند ان يؤخر "انقاذه" للعالم لان شركات التأمين اعتبرت ذلك خطراً عليها، فاثناء فترة تصويره في جبال الألب الفرنسية حصلت انهيارات للثلوج أدت الى أكثر من 11 قتيلاً كانت الاسوأ في المنطقة خلال 100 عام، مما جعل شركات التأمين ترفض السماح لبروسنن، وشريكته في البطولة النجمة الفرنسية الحسناء صوفي مارسو بتصوير لقطات يتزلجان فيها. ممولة الفيلم، شركة مترو غولدن ماير، تقدم كل ما في جعبتها من افكار لحشد النجاح للفيلم، ومنها فكرة تجميع كل النساء اللاتي شاركن في افلام جيمس بوند في الفيلم الاخير هذ. ولكن الافكار التجارية لا تجد دائماً صدى طيباً عند البعض، فالممثلة بوسي غالور، التي مثلت احد افضل الادوار النسائية في افلام بوند، مع شون كونري في فيلم "غولدفنغر" عام 1964، ردت على هذا الطلب قائلة: "لا أريد ان أشارك في هذه الفكرة ابداً. أنا لست فتاة بوند، لقد مثلت فحسب الشخصية الاكثر روعة. انها لم تكن فتاة مبتذلة بل كانت واحدة من أفضل النساء اللاتي خرجن من قصص بوند". واضافة الى شركة أوميغا، التي يحمل بروسنن ساعتها منذ فيلمه الاول "عين ذهبية"، هناك شركة "ب.م. دبليو" التي يسوق بروسنن سيارتها، وهناك الدعاية الكبيرة التي ستقدم لقبّة الألفية التي تقوم بريطانيا ببنائها حالياً في ضاحية غرينتش الشهيرة، التي تبدأ منها خطوط الطول والعرض في الخرائط الجغرافية، ويبدو ان بريطانيا تأمل ان تبدأ منها خطوط زمن الألفية الثالثة ايضاً وهناك فكرة لاستثمار تجمع المشاهير من السياسيين والنجوم العالميين في قبة الألفية ليلة رأس السنة المقبلة لتصوير مشاهد الفيلم الاخيرة، حيث يحاول بوند ايقاف قنبلة نووية سرقها شرير روسي يدعى فالنتاين زوكلوفسكي يمثل الدور ممثل اسكتلندي. لكن الشركات الوحيدة التي لن يسمح لها بالاعلان في الفيلم هذه المرة هي شركات السكائر، فعلى رغم ان مبتدع الشخصية الأدبية جيمس بوند، وهو المؤلف ابان فليمنغ، كان يلف بيده ستين سيجارة يومياً، وان بروسنن نفسه مدخن، فقد تقرر ان يكون البطل في هذا الفيلم غير مدخن، وسيرى المشاهدون لوحة "الرجاء عدم التدخين" معلقة في سيارة "البي.أم.دبليو" التي سيركبها البطل. الحفل بدأ بفيلم دعائي أظهر رغبة شركة اوميغا بربط اسمها بعناصر الفضاء والازياء والرياضة والفن، وذلك من خلال اعتمادها "سفراء" لها من هذه الحقول، مثل بروسنن، ومثل عارضة الازياء سندي كروفورد، وبطل سباق السيارات ديفد شوماخر. حين دخل الممثل الايرلندي اشتعل القاعة شبه المظلمة بأضواء كاميرات التصوير. والمؤتمر الصحفي الذي تلل دخول بروسنن كان أشبه ببرج بابل فالصحفيون كانوا يرطنون بأنواع اللغات، وقد اضطر الممثل للطلب من صحافي هندي اعادة سؤاله لانه لم يستطع فهم اللهجة جيدا. تركزت الاسئلة بداية حول افلام جيمس بوند التي يفضلها بروسنن فاختار فيلمه "عين ذهبية" وأخبر الصحافيين ان الفيلم الاول الذي حضره لبوند كان "غولدفنغر" لشون كونري، عندما كان طفلاً في الحادية عشرة من عمره، وأشار الى حبه لدور بوند وخصوصاً لذوقه في الملابس "وحبّه للنساء". احد الاسئلة المهمة كان حول استمرار اختبار افلام جيمس بوند لاشرار من روسيا واوروبا الشرقية حتى بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، فما هي قصة "كل هؤلاء الروس"؟ ورد بروسنن على ذلك بالاشارة الى الصراع الجاري في منطقة البلقان، وطمأننا نحن العرب ان الحاجة الى أشرار روس وصينيين وليس عرباً في افلام جيمس بوند مستمرة لاجل غير مسمى. حديث بروسنن عن بلاده جعلني كصحافية عربية أفكر بامكان وجود قواسم مشتركة بين العرب والايرلنديين، فسألته: "مثّلت - من انتاجك - في فيلم "ابن الأخ" دور جمهوري ايرلندي، فهل تحسّ بنزاع داخلي بين تمثيلك لدور رمز قومي بريطاني كجيمس بوند، وبين كونك ايرلندياً؟". تململ بروسنن من السؤال وكأنه أحس ان الجو الاحتفالي والخفيف لا يسمح له بالرد. ثم قال: "لا" مترددة وطويلة، ثم "لا" قوية مرات عدة. قلت له "ولدت في ايرلندا وعملت سائق تاكسي واليوم انت غني ومشهور، كيف تتعامل الآن مع ماضيك؟. فرد: "الماضي موجود معي دائماً". احدى الصحفيات سألت بروسنن عن الصورة الجديدة له. فقال "أي صورة؟". قالت "أنت تلبس ساعة سويسرية، وتركب سيارة المانية، وتلبس ثياباً ايطالية، وانت ايرلندي". فقال "العالم يتحوّل ويتغير، وهذه الاشياء موجودة في الفيلم حقاً، ولكن ما يهمني التركيز عليه هو تمثيلي وأدائى، وقصة الفيلم، هذا كل ما يهمني".