يصعب إحصاء المؤسسات الاجتماعية والخدمية التابعة ل"حزب الله" و"المقاومة الاسلامية". وهي اذ تجذر وجود هذا التيار في ثنايا المجتمع اللبناني فان البعض منها يلعب دوراً مباشراً في امتصاص آثار الاعتداءات الاسرائيلية ومنع تحولها الى هوة تفصل المقاومة عن قواعدها الشعبية. جالت "الحياة" على عدد من هذه المؤسسات تاركة للمسؤولين عنها التعريف بها وبأنشطتها. تبدأ الجولة ب"مؤسسة الشهيد". وهي مسؤولة عن عوائل الشهداء والأسرى، خدمة ورعاية، بمن فيهم الشهداء المدنيون من غير المقاومين. بدأت عملها مع انطلاقة المقاومة ولمداراة الآثار السلبية التي يمكن لها ان تحبط معنويات الأهل والبيئة المحيطة بهم. المؤسسة، حسب المسؤول عنها قاسم علّيق، منتشرة في معظم المناطق اللبنانية وتتولى، في ما تتولاه، الاهتمام بتعليم ابناء الشهداء. وهي تنسق مع الأهل انطلاقاً من نظرية "الرعاية ضمن الأسرة" رافضة اقامة المياتم او المبرّات. تهتم بحوالى 1400 يتيم ويتيمة منهم 119 في المرحلة المهنية او الجامعية. الفكرة هي التعويض، قدر الامكان، عن غياب المعيل حتى لو كان مسؤولاً عن عائلتين، زوجته وأولاده من جهة وأهله من جهة ثانية. للأولاد مدارس خاصة وأساتذة مواكبة وأنشطة كشفية ورياضية وترفيهية. وللزوجة المسكن والعمل ولجان المؤازرة في اطار برنامج خاص ب"دعم الأمومة". وثمة اهتمام خاص بهذه الناحية نظراً لأن الزوجات، تبعاً لأعمار ازواجهن الشهداء، هن بين السابعة عشرة والعشرين من العمر. ان برامج "التكفّل" هي اهم مصدر لتمويل "مؤسسة الشهيد". وهي تعتبر ان من مهماتها اشاعة "ثقافة التكافل" والقيام بصلة وصل بين الكافل والكفيل لرعاية الثاني وإشعار الأول بدور. ويلحظ، في هذا المجال، امتداد الكفالة الى حين توفير القدرة لليتيم للاستغناء المادي وتدبر اموره بنفسه. وفي هذا السياق باتت المؤسسة تملك مكتب عمل متخصصاً بتأمين فرص العمل. وهو يشتغل وفق قواعد السوق مع اعطاء افضلية لذوي الشهداء والأسرى. وبما ان الكلفة الاجمالية لكل ولد هي حوالى 2500 دولار شهرياً فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو عن دور الدولة. وهنا يجيب علّيق ان الدولة غائبة بعض الشيء الامر الذي يجري تعويضه مالياً عبر الاجازة المملوكة لتحصيل الزكاة والخمس وعبر العلاقة مع "مؤسسة الشهيد" الايرانية. ورداً على سؤال عن الحلول محل الدولة يأتي الجواب واضحاً: "نحن في موقع المطالبة، لا بل السعي، بأن تلعب الدولة دورها كاملاً. وأبلغنا الجهات المعنية اننا ادوات قابلة للاستخدام متى اتخذ القرار بذلك. اننا مضطرون الى هذا العمل ولا نطلب دعماً رسمياً بقدر ما نطلب أداء الاجهزة الحكومية لكامل ما نقدم عليه ونقدّمه". ثمة وجه من وجوه التعاون مع الدولة يتعلق بتدريب المتطوعات. انهن حوالى 300 جزء من جهاز واسع ويتدربن بمعاونة وزارة الشؤون الاجتماعية، ولكن المخاوف، الآن، من ان يؤدي التخفيض في بعض الموازنات الحكومية الى التأثير على ذلك. يضيف علّيق: "لقد زرنا رئيس الحكومة وقدمنا اليه مذكرة وننوي زيارة رئيس الجمهورية، ولكن، في الوقت نفسه، نعد خطة لزيادة الموارد ونبحث سبل التعاون مع البلديات". المستشفى نغادر مقر "مؤسسة الشهيد" نحو مؤسسة طبية تابعة لها، "مستشفى الرسول الأعظم"، وبرفقة مديرها الدكتور احمد نصرالله. يمكن، عند الوصول، معاينة الضغط الكبير الذي يتعرض اليه المستشفى خصوصاً وانه يقع على تخوم الضاحية الجنوبية لبيروت المكتظة بالسكان التي تعاني من إهمال مزمن. يضم المستشفى ما بين 130 الى 200 سرير وذلك حسب الأشغال الجارية فيه. وتدل جولة سريعة في ارجائه انه يتعرض الى اعادة نظر شاملة لجهة تحديثه، وضم أجنحة جديدة، واستخدام اقسام، وإعادة تأهيل بعض ما كان موجوداً. فلقد نما بسرعة من مستشفى ميداني صغير قبل عشر سنوات يهتم بجرحى الحروب الأهلية الى مؤسسة عصرية تخدم سنوياً حوالى 200 ألف شخص ما بين المعاينة السريعة والعملية الجراحية. يعمل فيه مئة طبيب متنوعو الاختصاصات. ويعلّق نصرالله حتى قبل السؤال: "كلا ليسوا قادمين من "حزب الله" حصراً. انهم متنوعو الانتماء ويحصلون على أجور معقولة بالمقاييس اللبنانية". ويقود ذلك، طبعاً، الى الاستفسار عن الرسوم التي يدفعها المرضى. يرد المدير بأن "الطابع العام خيري، والعلاج مجاني طبعاً لكل عوائل الشهداء والأسرى، أما الرسوم الأخرى فمدروسة بحيث تغطي النفقات ليس إلا". ويستطرد: "المطلوب منا ان نتدبّر انفسنا" خصوصاً وان المساعدات الاجنبية، المحدودة اصلاً، تراجعت بحكم تراجعها الاجمالي في البلد. وتؤكد الاحصاءات ان "مستشفى الرسول الأعظم" يمثل اكبر نسبة اشغال في مستشفيات بيروت. واذا كان ذلك يدل على سمعة جيدة فإن هناك سبباً آخر له هو عدم اعتماد التأمين المسبق الذي شكل ويشكل حاجزاً يحول، أحياناً، دون حصول المريض على العناية اللازمة حتى في حالات الطوارئ. والمعروف، في لبنان، ان وزارة الصحة تملك عدداً من الأسرّة في المستشفيات الخاصة وانها تؤمن تطبيباً للآلاف على حسابها وبمجرد حصولهم على اذن. ولا يشذ "مستشفى الرسول الأعظم" عن ذلك. ولكن المشكلة ان الوزارة خفضت عدد أسرّتها وهي تلمح الى تخفيض جديد وذلك على رغم الوضع المأسوي لهذه المنطقة التي يسكنها حوالى 750 الف مواطن. وهنا يستطرد د. نصرالله في الحديث مما يعرفه، بحكم موقعه، عن الهدر في ما يسمى "الفاتورة الصحية" وهو واحد من المواضيع المفتوحة في لبنان هذه الأيام وتتسبب باشكالات بين وزارة الصحة وبين نقابة اصحاب المستشفيات الخاصة. ومن الطبيعي ان يؤكد المدير العام ان حساباته شديدة الانضباط وان الخفض الاجمالي يعاقب الصالح بجريرة الطالح. ولكن ذلك لا يمنمعه من لفت النظر الى ان جو المراقبة من جانب الوزارة تحسن كثيراً في الشهرين الماضيين، متمنياً ان يؤدي ذلك الى عصر النفقات من جهة وتوجيهها في الاتجاه الصحيح من جهة ثانية. يضم مستشفى "الرسول الأعظم" معهداً للتمريض هو، على الأرجح، الأكبر في لبنان اذ انه يدفع سنوياً ما بين 200 و250 ممرضة الى سوق العمل وذلك بعد خضوعهن لامتحانات تؤكد كفاءة التعليم الذي تلقينه. ومن الطبيعي ان تعمل متخرجات في المستشفى نفسه خصوصاً وانه قيد التوسيع من اجل الرد على احتياجات متزايدة تفوق الثلاثة آلاف حالة طوارئ شهرياً والستة آلاف استشارة في عيادات الأطباء العاملين. ولقد صدف التجوال في المستشفى انعقاد اجتماع خاص للجنة الطبية الخاصة بعوائل الشهداء. ومن مهماتها، فضلاً عن المتابعة الصحية، تقديم خدمات اخرى تأخذ في الاعتبار فقدان المعيل. مدرسة "شاهد" تخرج من المستشفى تدخل الى المدرسة. فمقابل مستشفى "الرسول الأعظم" تنتصب بناية قيد التشييد فوق مساحة واسعة من الأرض قيد التشجير والتحضير لانشاء ملاعب. اسم المدرسة "شاهد" ويديرها د. جهاد سعد الذي سبق له ان شارك في اللجان اللبنانية الخاصة باعادة النظر بالمناهج. المدرسة، من حيث المبدأ، هي لأبناء الشهداء والأسر، او من كان هؤلاء مسؤولين عن تأمين التربية لهم. غير ان المبدأ المتبع فيها، كما في "مؤسسة الشهيد"، هو عدم عزل هؤلاء عن الآخرين. فعددهم في "شاهد" هو 180 من اصل 675 طفلاً موزعين على صفوف حتى الرابع ابتدائي، وبانتظار بناء ثانويتي الذكور والاناث. ويؤكد سعد ان التعليم اكاديمي عادي وان نسبة النجاح عالية جداً. ويضيف: "اننا نقدم تربية دينية ونركز على مقاومة العدو الاسرائيلي". الأقساط هي حوالى ألف دولار سنوياً الا لأبناء الشهداء فهي ملغاة وثمة حالات خاصة تستدعي حسومات. تقدم "شاهد" نموذجاً عن تعايش من نوع خاص: 1 - التعليم الذي تقدمه عصري الى أبعد حد. فهو شديد الاهتمم باللغات الاجنبية وذلك وفق اساليب تعتمد على التلقين الشفهي قبل الكتابي بحيث يعرض على الفتى ما هو مستعد ذهنياً لتقبله. ويتم اعتماد اسلوب "سلايد" من اجل توفير رؤية بصرية تساعد في استيعاب ما يصل الى الاسماع. ولكن الأهم من ذلك وجود قاعة واسعة تحتوي مواد وألعاباً جرى الحديث عنها في القصص القصيرة لتي تليت على التلامذة وحفظوها. وتخدم هذه المقومات كلها في تيسير الانتقال الى القراءة والكتابة. 2 - كانت المدرسة متشحة بالسواد لمناسبة عاشوراء. وفي هذا غير اشارة الى الجو الديني الذي يؤطر البرامج التعليمية وذلك في سياق ما هو معروف في لبنان من حضور كثيف للتربية الدينية في التعليم الخاص. 3 - تزدان ابواب القاعات بمجسّمات لرموز معروفة مأخوذة مباشرة من افلام الصور المتحركة الاميركية. وهي، بالطبع، أليفة لعيون الأطفال الذين اعتادوا رؤيتها عبر الشاشات في منازلهم. غير انها "مجردة" من اطارها وموجودة في سياق آخر يصعب الحديث معه عن "غزو ثقافي" يمجّه د. سعد كثيراً. 4 - تضم المدرسة قاعة واسعة فيها ما لا يقل عن 20 جهاز كمبيوتر. ولدى السؤال عن ذلك يتضح ان كل ما له علاقة بهذا "العالم" هو جزء من البرامج وذلك بدءاً من الصفوف الأولية. الزيارة للمدرسة كانت بعد انتهاء الدوام. ولكن كان من السهل ملاحظة ان عدداً من التلامذة على مقاعدهم. وهؤلاء من صنفين: الأول هو من المتأخرين في دروسهم التصنيف حسب الدرجات وليس فردياً، والثاني هو من ابناء الشهداء الذين يتلقون متابعة توفر على عائلاتهم عناء التدريس المنزلي وتندرج في سياق البرامج المعدة لرعاية أسر الذين دفعوا حياتهم ثمناً لتحرير الأرض. الهيئة الصحية مسؤول "الهيئة الصحية الاسلامية" عباس حسب الله يتحدث بفخر عن مؤسسته. من مهماتها تقديم رعاية صحية اولية مثل الارشاد والوقاية واقامة دورات في المناطق النائية للاساف وتنظيم محاضرات. لها وجود في عدد كبير من القرى وذلك بواسطة "رابط صحي" غالباً ما يكون واحدة من الاخوات المتطوعات. تستفيد الهيئة من هذا الانتشار من اجل ان تشترك، مع اجهزة الدولة، في برامج محددة. ويعدد حسب الله نماذج عن ذلك: حملات التلقيح ضد الشلل التي افادت، في العام الماضي، حوالى 50 ألف شخص، المسح الصحي للمدارس الرسمية من اجل وضع اضبارات دقيقة لكل طالب واستباق بروز امراض معدية، وقد حصل ان وفّرت هذه المعلومات القدرة على تدخل مسبق. تجريد حملات لتحديد فئة الدم وقد كان من الطبيعي ان تبدأ في ال65 قرية المحاذية للشريط الحدودي المحتل وأثمرت عن وضع لوائح بكل المقيمين وفئات دمهم وهي لوائح بالغة الافادة عند تعرض المدنيين الى قصف اسرائيلي يوقع جرحى. الى ذلك شاركت الهيئة في حملات مكافحة التدخين وحماية الأسنان عبر توزيع كل ما يلزم على جميع المدارس في الضاحية الجنوبية لبيروت. وتملك الهيئة، حسب المسؤول عنها، 21 مستوصفاً و9 مراكز صحية كبيرة و13 عيادة، و95 سيارة اسعاف، و5 مستوصفات نقالة تجول في 45 قرية في البقاع و25 قرية في الجنوب. وهي خرّجت 360 متطوعة السنة الماضية و119 مسعفاً انضموا الى جهاز واسع ل"الدفاع المدني" يبلغ عدد اعضائه الآلاف. مستشفى الجنوب في النبطية تابع للهيئة وكذلك مستشفى دار الحكمة في البقاع وهما، مع غيرهما من المراكز، استقبلا ما يزيد عن مئتي ألف مريض في خلال العام 98. تقدم الهيئة تسهيلات صحية للمواطنين. واستفاد 222 ألف لبناني من ذلك بمبالغ فاقت المليون دولار وتوزعت بين مستفيد من دواء مجاني وبين دخول المستشفى لعملية جراحية. ويسرد حسب الله، رداً على سؤال، بعض اوجه التعاون مع منظمات اخرى. فوزارة الصحة مثلاً، تبنت مركزاً في بعلبك. و"النجدة الشعبية" مشتركة في تنسيق يطاول عدداً من المهمات. و"جمعية الشبان المسيحيين" قدمت كميات من الأدوية المزمنة. مؤسسة الجرحى للجرحى هيئة خاصة بهم. بدأت عملها، حسب علي برو، في 1990 في عز الحروب الأهلية وكانت تابعة ل"مؤسسة الشهيد". ولكن الزيادة المضطردة في عدد الجرحى دفعت نحو الانفصال لتشكيل جسم خاص. ففي تلك المرحلة كان القصف المتبادل بين اللبنانيين يسقط العديدين، ولما استتب الأمن كان لا بد من تركيز الانظار على جرحى القصف الاسرائيلي سواء كانوا مقاومين أم مدنيين. وتقدم المؤسسة العناية الكاملة لجرحى المقاومة. وبما ان مديرها لا يحب الادعاءات فهو يعترف بأن الاعتناء بالجرحى المدنيين "شبه كامل" بالنسبة للأوائل تكون التقديمات شاملة من لحظة دخول المستشفى حتى لحظة الخروج. وبالنسبة للآخرين فإن وزارة الصحة هي التي تتكفل النفقات في البداية ولكن الاهتمام يتراجع تلقائياً فتكمل المؤسسة الاهتمام بالجوانب الاخرى التي يحتاجها كل جريح. التقدير الاجمالي لعمل المؤسسة، كما يؤكد مسؤولها الاعلامي عماد خشمان، هو اهتمامها، حتى آخر احصاءات، ب 3048 حالة لا تزيد نسبة المقاومين فيهم عن 8 في المئة فقط. اصيب بعض هؤلاء بإعاقات جزئية بتر قدم أو يد، فقدان عين… كما اصيب 72 آخرون بإعاقات كلية. وهنا يستطرد برو ان المسؤولية شاملة عن المعاقين كلياً: مخصص شهري، سكن، صحة، تربية، تكاليف العائلة، الخ… ويضيف ان نجاحنا الأبرز ربما كان تزويج 68 شاباً، من اصل 72، من الذين اصيبوا بإعاقة كلية. تعاونت المؤسسة في مرحلة، مع الصليب الأحمر في صيدا غير انه اقفل مركزه. وكانت تدفع نفقات صناعة الاطراف وتركيبها الى ان اخذت وزارة الصحة الامر على عاتقها. غير ان ذلك دفع الى اقامة مصنع للأطراف سيبدأ العمل قريباً وذلك بعد النجاح في تشغيل مركز العلاج الفيزيائي. المطلوب من مصنع الاطراف سد الحاجات ورد التكاليف وربما امكن لاحقاً الاستفادة منه تجارياً. وثمة دورة تدريبية حالياً من اجل تخريج من يمكنه المعاونة في هذا العمل الدقيق. ويؤكد برو على حسن العلاقة مع اجهزة الدولة واحترام "الشرعية"، فالمصنع مرخص له رسمياً وثمة تعاقدات مع الضمان وشركات التأمين وكذلك فإن المواصفات جرى وضعها بالتعاون مع الحكومة. "هل تحصلون على مساعدات من جهات اخرى؟". بالتأكيد يجيب المسؤولان: نتعاون عن كثب مع "جمعية المساعدات الشعبية النروجية"، ومع جامعة البلمند في اطار برنامج واسع لاحصاء المصابين بالألغام الأرضية في الجنوب واحصاء الأماكن المشبوهة وهو سيتطور ليشمل لبنان كله ويسفر عن مركز اعلامي للتعريف والتحذير. نتعاون، ايضاً، مع الصندوق الوطني للتأهيل ومركزه في نيويورك وله فرع في بيروت وقد سبق له المساعدة في تمويل شراء المعدات الخاصة بالعلاج الفيزيائي. ولكن يبدو حالياً ان الادارة الاميركية تتدخل للعرقلة. لمؤسسة الجرحى التي يعمل فيها أربعون شخصاً معظمهم من الجرحى السابقين فروع في النبطية وصور وبعلبك وهي كلها تعمل وفق مبدأ ان الرعاية من دون اعادة تأهيل فاشلة. ولذا فان التركيز واضح على التعليم. ومن علامات النجاح وجود من تخرج جامعياً ومن انخرط في اعمال مهنية تؤمن مصدر رزق. والبحث جار حالياً في اقامة "معرض دائم" لمنتوجات الجرحى المعاد تأهيلهم وذلك تشجيعاً لهم وأملاً في تحقيق مردود مادي ولو بسيط. المبدأ الثاني في العمل هو رفض ايواء الجرحى والسعي الى رعايتهم ضمن العائلة والمجتمع ولذلك، يقول برو، نواجه مشاكل نفسية حادة كان يمكن لها الظهور عند من تعرض الى امتحان قاسٍ في جسده. جهاد البناء "جمعية مؤسسة جهاد البناء الانمائية" تأسست في لبنان سنة 1988، علم وخبر 239/ أ د". ربما كانت هذه الجمعية الاكثر تعرضاً ل "نيران الاعلام". فدورها، عدا عن وضوحه الشديد، مرتبط بالاعتداءات الاسرائيلية ولذلك فإن شعارها يكاد يكون، حسب مديرها العام ابراهيم اسماعيل، "اسرائيل تقصف يومياً ونحن نرمّم يومياً". اقتصر عملها، بعد التأسيس، وفي ظروف الغياب الخدماتي للدولة، على رفع النفايات وتأمين المياه والكهرباء وما شابه من قضايا تهم اللبنانيين في حياتهم اليومية وتفاصيلها. ولكن، وبقدر ما كانت المقاومة الاسلامية تتحول الى العنوان الرئيسي لمناهضة الاحتلال عسكرياً، وبقدر ما كانت الردود ترتبط باسمها، وجدت "جهاد البناء" نفسها مدعوة، حسب المصطلح الهندسي لمديرها، الى "ردم الهوة التي تريد اسرائيل ايجادها بين المقاومة والناس". و"ردم الهوة" بات يعني، تحديداً القيام بأعمال الترميم بعد الاعتداءات. وبهذا المعنى فإن عدواني تموز يوليو 93 ونيسان ابريل 96 كانا محطتين بارزتين على طريق تحويل المؤسسة الى جهاز فاعل يطوّق الآثار السلبية لعمليات القصف. ويقدر اسماعيل عدد المنازل والوحدات السكنية المتضررة في كل من العدوانين بخمسة آلاف. وأمكن، في المرتين، اتمام الترميم في خلال 3 الى 4 اشهر ثم، في مدة اطول قليلاً، اعادة البناء تماماً لكل ما تهدم. واذا كانت المؤسسة تولت ذلك بمفردها فإنها كانت على تنسيق جانبي مع وزارات معينة ومع مجلس الجنوب علماً ان المسؤولين فيها يفضلون عدم الخوض في الشائعات التي تطاول بعض هذه الاجهزة. وأدى تفاهم تموز ثم تفاهم نيسان الى تراجع لعمل "جهاد البناء" في هذا المضمار. فالتفاهمان ينصّان على حماية المدنيين والمنشآت المدنية. وطالما اسرائيل ملتزمة بهما فانها مضطرة الى تحييد المنازل وسواها مما لا علاقة له بالعمل العسكري. ومع ان الاحتلال "غير منضبط" تماماً فإن الفرق ملموس بين الانفلات السابق وبين الاضطرار الراهن الى احترام الاتفاقات ولو نسبياً. وأدى هذا "التراجع" الى تقديم وجه آخر ل"جهاد البناء" ما زال بعيداً بعض الشيء عن الاضواء. فالمؤسسة عاملة على بناء مدارس ومستشفيات ومستوصفات وملاجئ، وعلى القيام بتمديدات كهربائية بعد القصف وعلى حفر آبار ارتوازية. ويزداد يوماً بعد يوم، دورها في التنمية الزراعية. فهي تقوم بارشاد زراعي وبتسليفات وتضع صيدلياتها وتعاونياتها في الجنوب والبقاع في خدمة المزارعين. للمؤسسة مركزان في الهرمل وبعلبك يتعاطيان مع الفلاحين ويقدمان اليهم خدمات ذات صلة بالطب البيطري وتربية النحل وفحص الأتربة والتعريف بالأمراض الزراعية وسبل الوقاية منها. وهي تعتمد خطة تسليف عينية لانقدية بسقف حده 2000 دولار يجري تقديمها على شكل مواد أولية لحوالى 3 الى 5 آلاف مزارع. ويضاف الى ذلك توفير طاقم فني يقدر الاحتياجات لكل من يقدم كفالات وضمانات ويحصل مقابل ذلك على أسمدة وأدوية ونصوب و… متابعة من جانب مهندسين مختصين. ويعترف اسماعيل ان مؤسسته تواجه مشكلة ناجمة عن الافتقاد لثقافة العمل التعاوني. ولذلك اقدمت، في مراكز الارشاد، على اقامة نماذج مصغرة عن مزارع تعاونية ويتولى فريق مختص مهمة شرح فوائدها للفلاحين سواء لجهة خفض كلفة الانتاج او حل مشكلة التصريف. ويهتم الارشاد، ايضا، بالجانب البيئي لجهة الترشيد في استخدام الأدوية والأسمدة كما لجهة السعي مع البلديات الى توسيع المساحات الخضراء واقامة حدائق. وتتمول "جهاد البناء" من "الحقوق الشرعية"، ومن تبرعات، ومن ايرادات شركات تملكها في مجالات الاعمار والزراعة والتجارة والوقود. وهي تتشكل من جهاز يضم 93 موظفاً بينهم 40 مهندساً من الاختصاصات كلها فضلاً عن 25 مجازاً في الادارة والمحاسبة. ويحصل احياناً، كما في عدوان نيسان، ان يرتفع عدد المهندسين الى 130 وعدد العمال الى حوالى ثلاثة آلاف. وفتحت الانتخابات البلدية الاخيرة مجالات جديدة للتعاون بين المؤسسة والسلطات المحلية خاصة وان هذه الاخيرة قليلة الخبرة قياساً بتلك التي تملكها جهة موجودة في ميادين العمل منذ 15 سنة. وثمة مفاوضات بين "جهاد البناء" وعدد من المجالس البلدية لتعاون في مجال حل مشكلة مياه الشفة وغيرها، علماً ان مدير المؤسسة يلحظ ان تغييراً ايجابياً حصل مع الحكومة الجديدة. ويضيف معلقاً: "ان الثقة بنا ازدادت ولكن الامكانات تراجعت".