ولادة المها العربي ال15 في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نجاح عملية جراحية دقيقة لطفل يعاني من ورم عظمي    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    المملكة تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب .. غداً    فيصل بن بندر يرعى حفل الزواج الجماعي الثامن بجمعية إنسان.. الأحد المقبل    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    "الوعلان للتجارة" تفتتح في الرياض مركز "رينو" المتكامل لخدمات الصيانة العصرية    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    القبض على ثلاثة مقيمين لترويجهم مادتي الامفيتامين والميثامفيتامين المخدرتين بتبوك    نائب وزير الخارجية يفتتح القسم القنصلي بسفارة المملكة في السودان    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    تنفيذ حكم القتل بحق مواطنيْن بتهم الخيانة والانضمام لكيانات إرهابية    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    أسمنت المنطقة الجنوبية توقع شراكة مع الهيئة الملكية وصلب ستيل لتعزيز التكامل الصناعي في جازان    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    "مجدٍ مباري" احتفاءً بمرور 200 عام على تأسيس الدولة السعودية الثانية    إقبال جماهيري كبير في اليوم الثالث من ملتقى القراءة الدولي    إصابة 14 شخصاً في تل أبيب جراء صاروخ أطلق من اليمن    «عكاظ» تنشر توصيات اجتماع النواب العموم العرب في نيوم    التعادل يسيطر على مباريات الجولة الأولى في «خليجي 26»    «الأرصاد»: طقس «الشمالية» 4 تحت الصفر.. وثلوج على «اللوز»    ضبط 20,159 وافداً مخالفاً وترحيل 9,461    مدرب البحرين: رينارد مختلف عن مانشيني    فتيات الشباب يتربعن على قمة التايكوندو    «كنوز السعودية».. رحلة ثقافية تعيد تعريف الهوية الإعلامية للمملكة    وفد «هارفارد» يستكشف «جدة التاريخية»    حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي    رينارد: مواجهة البحرين صعبة.. وهدفنا الكأس الخليجية    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    200 فرصة في استثمر بالمدينة    «العالم الإسلامي»: ندين عملية الدهس في ألمانيا.. ونتضامن مع ذوي الضحايا    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    سمو ولي العهد يطمئن على صحة ملك المغرب    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الكويت وعُمان في افتتاح خليجي 26    الحربان العالميتان.. !    رواية الحرب الخفيّة ضد السعوديين والسعودية    وزير الطاقة وثقافة الاعتذار للمستهلك    معرض وزارة الداخلية (واحة الأمن).. مسيرة أمن وازدهار وجودة حياة لكل الوطن    رحلة إبداعية    «موسم الدرعية».. احتفاء بالتاريخ والثقافة والفنون    هل يجوز البيع بسعرين ؟!    لمحات من حروب الإسلام    12 مليون زائر يشهدون أحداثاً استثنائية في «موسم الرياض»    «يوتيوب» تكافح العناوين المضللة لمقاطع الفيديو    السعودية أيقونة العطاء والتضامن الإنساني في العالم    مدرب الكويت: عانينا من سوء الحظ    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    أمير القصيم يرعى انطلاق ملتقى المكتبات    ضيوف خادم الحرمين يشيدون بعناية المملكة بكتاب الله طباعة ونشرًا وتعليمًا    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكة المكرمة على ضوء بينات الحق والتاريخ والعلم . ما بناه ابراهيم وابنه اسماعيل أول بيت وضع للناس جميعاً 1 من 2
نشر في الحياة يوم 03 - 04 - 1999

يرتبط تاريخ البيت العتيق بالحرم الآمن ويرتبط تاريخ مكّة المكرّمة بحرم الله الآمن، وهذا التاريخ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ الأنبياء والرسل والبشرية بداية بآدم عليه السلام ومروراً بإبراهيم وإسماعيل، ونهاية بخاتم الأنبياء والرسل محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى يوم الدين. فهناك من المؤرّخين القدماء من ينسب بناء البيت إلى الملائكة قبل آدم، ومنهم من نسب بناءها الى آدم عليه السلام وإلى ابنه شيت ..الخ. وليس أمام البشرية من مصادر تستقى منها معلومات صحيحة عن تاريخ هذا البلد الحرام، إلا القرآن الكريم والسنّة النبوية وكتب التاريخ والتراث المحقّقة.
أول بيت لعبادة الله وطاعته
قال تعالى: ]إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين[. هذه الآية المباركة تدل دلالة واضحة على ان اول بيت وضع لعبادة الله على سطح الأرض هو المسجد الحرام الذي بناه إبراهم وابنه إسماعيل عليهما السلام في مكّة المكرّمة، حيث قوله تعالى: ]إن أول بيت وضع للناس[ .. لا دلالة فيه أنه أول بيت وجد لسكن شخص معين من الناس او قيّده بفئة معينة من الناس، بل الآية تفيد الإطلاق بأنه أول بيت وضع للناس جميعاً، اي لعموم الناس وكل الناس الذين يسكنون الأرض وجميعهم شركاء فيه، وبديهة أن الناس لا يشتركون في سكن بيت واحد إلا اذا كان موضوعاً لجهة عامة يشتركون بها، كعبادتهم وطاعتهم ونسكهم يطوفون به ويصلّون إليه ويتعبّدون عنده وفي اتجاهه. فلهذا قوله تعالى: ]إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين[ يثبت بأنه أول بيت وضع لعبادة الله.
وبما أن الكعبة الشريفة أول بيت وضع لعبادة الله وطاعته .. ناسب ان يرتبط وجوده بآدم عليه السلام لكونه هو أول الناس وأبو البشر وأول من أطاع الله بعد أن تاب إليه وأناب .. أي أن بيت الله الحرام وبالتالي مكّة يرجع تاريخهما الى زمن بعيد لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجلّ.
من شواهد السنّة النبوية
ومن أخبار السنّة النبوية ما يؤكد أيضاً ان البيت العتيق كان موجوداً منذ زمن بعيد يعلمه الله عزّ وجلّ، وكان يحجّ إليه المسلمون وعلى رأسهم الأنبياء. يتضح ذلك من أحاديث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وبخاصة الحديث الذي ورد في صحيح البخاري والذي يصف حال البيت العتيق عند وصول إبراهيم وزوجه وابنهما إسماعيل عليهم السلام.
"وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله"، والذي يُذكر ان إبراهيم عليه السلام قد استقبل البيت يدعو الله قبل ترك زوجه وابنهما إسماعيل بجوار بيت الله الحرام. والذي يُذكر أيضاً ان الملك جبريل عليه السلام، الذي كلّف من الله بتفجير المياه من تحت قدمي إسماعيل عليه السلام، قال لأم اسماعيل عليهما السلام: "هنا بيت الله الحرام".
والذي يذكر أيضاً ان ابراهيم عليه السلام قد أشار الى أكمة مرتفعة على ما حولها محدداً لابنه مكان البيت الذي سيرفعون قواعده صحيح البخاري، ج4، ص 172 - 175.
من شواهد التاريخ
يقول هاربي بورتر في كتابه "موسوعة مختصر التاريخ القديم" ما نصّه: "وقد تحقق من التواتر ان هذا البيت كان محترماً جداً في قديم الزمان والمحجوج الأول لكل العرب وتنازعوا في حراسته وحق الطواف به كما يظهر في اخبار جرهم وبني إسماعيل ونقلت القبائل آلهتها اليه حتى اجتمعت فيه أصنام كثيرة".
ويعتبر الجغرافي بطليموس واحد من القدماء الذين اشاروا إلى مكة، وحدد موقعها كما هي عليه الآن على خارطة للجزيرة العربية رسمها بيده، وسمّاها بلسانه اللاتيني مكوريا. مما جعل هذه البلاد موضع تقديس منذ القدم، حتى ان المصريين القدماء سموا بلاد الحجاز "البلاد المقدسة"، بل امتد تقديس الكعبة في القدم الى بعض الأمم الأخرى كالهنود والفرس. فقد كان الهنود يعتقدون ان روح "شبوه" أحد آلهتهم قد تقمصت في الحجر الأسود حين زار هو وزوجته بلاد الحجاز ويسمّون مكة "مكشيشا" أو "موكشيشانا" أي بيت شيشا أو شيشانا وهما من آلهتهم. وكان الفرس ايضاً يقدّسون الكعبة ويعتقدون ان روح "اهورامزدا" حلّت فيها ولذا كانوا يحجّون الى الكعبة. ويذكر المؤرخ المسعودي بأن آخر من حجّ منهم ساسان بن بابك.
وقد افتخر بعض شعراء الفرس بعد ظهور الإسلام بتقديسهم الكعبة وحجّهم إليها قال أحدهم:
وما زلنا نحج البيت قدما
ونلقى بالأباطح آمنينا
وساسان بن بابك سار حتى
أتى البيت العتيق بأصيدينا
وطاف به وزمزم عند بئر
لاسماعيل تروي الشاربينا
وكانت الصابئة وهم عبّاد الكواكب من الفرس والكلدانيين يعدّونها أحد البيوت السبعة المعظمة. وكان اليهود يحترمون الكعبة لكونها من معالم إبراهيم.
من أسماء مكة
قيل إنها سمّيت مكة لأنها تمك من ظَلم فيها وألحد، أي تهلكه وتنقصه، من قولهم ان فلاناً مك فلاناً أي أهلكه ونقصه. وقد ورد اسم مكة مرة واحدة في القرآن الكريم في سورة الفتح من الآية 24، ومن أسمائها "بكة" وكثيراً ما تأتي الباء مكان الميم في اللسان العربي، مثل ضربة لازم وضربة لازب، وقيل معنى البك الدفع لأن الناس يتزاحمون فيها من كل وجه، وقيل ان بكة موضع البيت وما حول البيت مكة، وقيل انها سميت كذلك لانها لا يفجر بها احد الا بكّت عنقه، والبك دق العنق، وقيل سميت بذلك لانها كانت تبك او تدق رقاب الجبابرة اذا ألحدوا فيها، اي لم يقصدها جبار قط بسوء إلا وقصمه الله عزّ وجلّ. وورد اسم بكة في القرآن الكريم مرة واحدة من قوله تعالى في سورة آل عمران الآية 96.
ومن أشهر أسمائها "أم القرى" وقيل انها سميت بهذا الإسم لأنها أعظم القرى شأناً في البركة والهدى، وقيل انها سمّيت بذلك لأنها قبلة جميع الناس يؤمونها، وقيل انها سميت بذلك لانها توسطت الأرض، وهذا ما اثبت في احد البحوث العلمية. وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم مرتين في الآية 92 من سورة الأنعام، وفي الآية 7 من سورة الشورى.
وكذلك سميت بالبلد الآية 1و2 من سورة البلد، والبلد الأمين الآية 3 من سورة التين، والبلد الحرام الآية 91 من سورة النمل، ونعتت بمكة بالحرم الأمين الآية 67 من سورة العنكبوت.
ومن اسمائها الأخرى القديمة: رحم، وصلاح، والنسناسة اي التي لا تقرّ ظلماً ولا بغياً، والرأس، والمذهب، والمقدسة والقادس لأنها تطهر من الذنوب، والباسة لأنها تبس الملحدين اي تحطهم، والحاطمة لانها تحطم من استخف بها، وهناك من يطلق على مكة الحرم المكي او الكعبة او البيت الحرام او بيت الله او البيت العتيق ..الخ.
إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام
في أرض الحجاز
من المعلوم ان ابراهيم عليه الصلاة والسلام وهو أبو الأنبياء والجدّ المعروف للسلسلة الطاهرة من الرسل بعد خروجه من العراق، أرشده الله سبحانه وتعالى الى مكان الكعبة الشريفة بالنص الكريم: ]وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهّر بيتي للطائفين والقائمين والركّع السجود[، وهذا ما تؤكده أيضاً كتب التوراة في رواياتها فتقول: "خرج ابراهيم من مصر، وامرأته وكل ما كان له الى الجنوب، وسار من رحلاته من الجنوب الى بيت إيل أي بيت الله الى المكان الذي كان بيته في البداءة - اي الى اول بيت وضع لعبادة الله وطاعته-" تكوين 13/1-2، "ثم ارتحل ابراهيم ارتحالا - اي متوالياً - نحو الجنوب" تكوين 12/9.
والارتحال المتوالي نحو الجنوب بالنسبة للنبي ابراهيم وهو خارج من مصر، وبعد ان مرّ بمملكة جرار جوار غزة ليس شيئاً سوى جزيرة العرب. ويكون مصداقاً لقوله تعالى: ]وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت[ أي ارشدناه الى مكان اول بيت وضع للناس لعبادة الله وطاعته.
بئر زمزم
هو البئر الذي أنبع الله ماءه لإسماعيل وأمه وللناس عندما نزلت أم اسماعيل واسماعيل عليهما السلام الى جوار بيت الله العتيق، وذلك لما فرغ الماء والطعام وتعالت صيحات الطفل وخشيت هاجر على ابنها من الموت عطشاً وجوعاً. وقد وردت قصته في صحيح البخاري في حديث منسوب الى الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: "فلما أشرفت أي ام اسماعيل على المروة سمعت صوتاً، فقالت صه - تريد نفسها - ثم تسمّعت فسمعت ايضاً، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فضربه ففارت عيناً، حتى ظهر الماء فجعلت تحوضه، وتغترف من الماء في سقائها، وهو يفور بعدما تغترف".
بئر زمزم وروايات التوراة
"ونفد الماء من القربة، فألقت هاجر الصبي تحت إحدى الأشجار، ومضت فجلست قبالته على بعد رميتي قوس، وهي تقول في نفسها: لا أريد أن أرى الولد يموت. وفيما هي جالسة رفعت صوتها بالبكاء. وسمع الله هاجر من السماء وقال لها: "ما لك يا هاجر؟ لا تخافي. سمع الله صوت الصبي وخذي بيده، فسأجعله أمة عظيمة". وفتح الله بصيرتها فرأت بئر ماء، فمضت الى البئر وملأت القربة ماء وسقت الصبي. وكان الله مع الصبي حتى كبر، فأقام بالصحراء، وكان رامياً بالقوس" تكوين 21/15-20. "ووجد ملاك الرب هاجر على عين ماء في الصحراء" تكوين 16/7.
من معجزات بئر زمزم
وقد تناقل بالتواتر منذ القدم في بَركة ورحمة ماء هذه البئر حتى سميت "طعام طعم، وشفاء سقم" وبالبركة والشافية ..الخ، وهذه الحقيقة ايضاً ما أكدته التوراة: "فنادت هاجر الرب الذي خاطبها: أنتَ الله الذي يراني. لأنها قالت: هنا حقاً رأيت الذي يراني لذلك سميت البئر بئر الحيّ الرائي" تكوين 16/13.
ومن معجزات هذا البئر بأنه كلّف أحد المهندسين الإختصاصيين في الآبار بتنظيف قاع بئر زمزم من المواد التي كان يلقيها الناس منذ سالف العصور .. من أواني لغرف الماء منه وعملات معدنية وغيرها كثير .. وقد عمل لهذه المواد متحف بالقرب من مكة .. وعند تتبعهم لمعرفة من اين تنبع عيون البئر .. وجدوا هناك عينين فقط يغذين البئر .. واحد يأتي من جبل الصفا ومياهها حارة وواحد يأتي من تحت الكعبة ومياهها باردة .. وكذلك بحثوا لمعرفة حكمة البئر بأنه لا يفيض مائه حول جانبيه على رغم ان عيناه يفوران بالماء .. فوجدوا ان ماء البئر تتسرّب من عبر مسامات في حواف البئر فتغذي جميع آبار مكة التي تحيط بها .. وكذلك من حكمته بأنه البئر الوحيد الذي لم ينضب ماءه عبر سالف العصور.
بناء البيت العتيق
قال تعالى: ]وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبّل منا انك انت السميع العليم[. تشير هذه الآية الى ان ابراهيم واسماعيل رفعا قواعد البيت، ولهذا فقد ذهب الكثير من المفسّرين في تفسير آية ]وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت[، وآية ]وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل[، وفي هذا السياق ما يدل على ان قواعد البيت كانت مبنية قبل إبراهيم وإنما هدى إبراهيم إليها وبوئ لها.
اي ان اساس الكعبة كان موجوداً والبناء الاصلي لها كانت قواعده واضحة على عهد سيدنا ابراهيم، ولا شك ان سيدنا ابراهيم رفع هذه القواعد بعد طوفان سيدنا نوح عليه السلام الذي لم يؤثر في قواعد البيت او اساسه، وبذلك فالكعبة سابقة ايضاً عهد سيدنا نوح، ومن ذلك يتضح وجاهة الرأي الذي يقول ان الكعبة إنما بنيت على عهد اول البشر آدم وأن ذلك هو التفسير للآية الكريمة: ] ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين[.
وروى المؤرّخون القدماء والمفسّرون كثيراً من الروايات حول بناء الكعبة. ومن أدق هذه الروايات وأوجزها التي تعتبر جوهر كل الروايات الأخرى التي صاغت حولها: "جاء ابراهيم فوجد اسماعيل يصلح نبلاً له من وراء زمزم. فقال ابراهيم: يا اسماعيل ان ربك قد أمرني ان ابني له بيتاً. فقال له اسماعيل: فأطع ربك فيما أمرك. فقال ابراهيم: قد أمرك ان تعينني عليه. قال: اذاً أفعل. فقام معه فجعل ابراهيم يبنيه واسماعيل يناوله الحجارة ويقولان: ]ربنا تقبّل منا انك انت السميع العليم[، فلما ارتفع البنيان وضعف الشيخ عن رفع الحجارة قام على حجر وهو مقام ابراهيم فجعل يناوله ويقولان: تقبّل منا انك انت السميع العليم. فلما فرغ ابراهيم من بناء البيت الذي أمره الله عزّ وجلّ ببنائه، أمره الله أن يؤذّن في الناس بالحج اليه.
وصف الكعبة الشريفة
والكعبة الحرام حصن الإسلام وحرزه الحريز، تقع في وسط المسجد الحرام على شكل مربّع تقريباً، مبنية بالحجارة الزرقاء الصلبة المائلة الى اللون الرمادي، ويبلغ ارتفاعها 15 متراً، وطول ضلعها الذي فيه الميزاب والذي قبالته 10 أمتار و10 سنتيمترات، وطول الضلع الذي فيه الباب والذي يقابله 12 متراً، وبابها على ارتفاع مترين من الأرض.
ويخرج من منتصف الحائط الشمالي الغربي من أعلاه الميزاب، ويقال له ميزاب الرحمة، وقبالة الميزاب يوجد الحطيم، وهو جدار مرمر أبيض على شكل قوس نصف دائري من البناء، طرفاه الى زاويتي البيت الشمالية والغربية من دون اتصال بهما، ويبعدان عنهما بمترين وثلاثة سنتيمترات، ويبلغ ارتفاعه متراً ونصف متر، والمسافة بين منتصف هذا القوس من داخله الى منتصف ضلع الكعبة ثمانية امتار وأربعة وأربعون سنتيمتراً. والفضاء الواقع بين الحطيم وحائط البيت يسمى حجرة اسماعيل، لأن المقول ان ابراهيم واسماعيل وهاجر كانوا قد دفنوا فيه .. ويسمّي العرب زوايا الكعبة بالأركان على حسب اتجاهاتها، فيسمّى الشمالي بالركن العراقي، والجنوبي باليماني، والغربي بالشامي، والشرق بركن الحجر الأسود.
مقام ابراهيم عليه السلام
]ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين، فيه آيات بيّنات مقام ابراهيم ومن دخله كان آمناً[، وفي حديث رواه الترمذي أن النبي عليه الصلاة والسلام حين قدم مكة طاف بالبيت سبعاً، وأتى المقام فقرأ: ]واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى[، فصلّى خلف المقام.
والمراد بالمقام الحرم او الحج كله والحجر الذي كان ابراهيم عليه السلام يقوم عليه لبناء الكعبة. لما ارتفع الجدار وضعف الشيخ عن حمل الحجارة، أتاه اسماعيل عليه السلام به ليقوم فوقه ويناوله الحجارة فيصفّها بيده لرفع الجدار، وكلما كمل ناحية من بناء الجدار انتقل الى الناحية الاخرى يطوف حول الكعبة وهو واقف عليه، وهكذا حتى تمّ بنيان جدران الكعبة.
ولما فرغ الخليل من بناء البيت بقي الحجر في الموقع الذي انتهى فيه الخليل من البناء ملصقاً بجدار الكعبة منذ القدم، وإنما أخّره عن جدار الكعبة الخليفة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، ومكانه معروف اليوم الى جانب الباب مما يلي الحجر، يمين الداخل من الباب، في البقعة المنفصلة هناك.
مقام ابراهيم وشواهد التاريخ
وكانت آثار قدمي ابراهيم عليه السلام ظاهرة فيه، ولم يزل هذا معروفاً تتناوله العرب بالتواتر من ايام الجاهلية، ولهذا قال ابو طالب في قصيدته اللامية المعروفة:
وموطئ ابراهيم في الصخرة رطبة
على قدميه حافياً غير ناعل
وقد أدرك المسلمون هذا الأثر منها ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "رأيت المقام فيه أصابعه عليه السلام - اي ابراهيم - وأخمص قدميه غير انه أذهبه مسح الناس بأيديهم.
ولم يزل مكان هذا الحجر يعتبر مقاماً لإبراهيم لأنه وقف عليه في اثناء بناء البيت، وجعل ابنه يناوله الحجارة، ولهذا أمر بالصلاة ركعتين خلف المقام عند الفراغ من الطواف، وناسب ان يكون عند مقام ابراهيم حيث انتهى بناء الكعبة.
* باحث وكاتب في الفكر الإسلامي والدراسات التاريخية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.