الخيار النووي مفيد ومرغوب لإحلال الاستقرار والسلام الاقليميين والدوليين. هذا ما درج المتفائلون على قوله بالاستدلال بحقبة الحرب الباردة وكيف لجم الردع النووي كل نزوات الغزو والحروب بين المعسكريين. لكن المتشائمين يجادلون ان هذا استنتاج متسرع لحال قد لا تتكرر وان بؤرة الخطر الحقيقي لا تكمن في اتخاذ قرار عقلاني من قبل الحكومات المعنية بالانخراط في حرب نووية، بل في حدوث خطأ غير مقصود تنطلق بسببه الصواريخ ضد الأعداء فتندلع حرب كارثية لا تبقي ولا تذر. وحول التوتر والعداء الهندي - الباكستاني، يقول المتفائلون ان اندراج البلدين في وضعية التأهب والردع النووي سوف يقلل من احتمالات الحرب وتزيد من فرص السلام والاستقرار. ويستدلون باللقاء التاريخي بين رئيسي وزراء البلدين، اتال بيهاري فاجباي ونواز شريف الشهر الماضي وما عرف بپ"ديبلوماسية الحافلات" التي توجت بإعلان لاهور الذي كان محوره الاتفاق على "الضبط النووي" والمراقبة الحقيقية من قبل الطرفين لتحاشي وقوع "خطأ ما" يكون بداية لكارثة. بين حدي التفاؤل والتشاؤم، تراوحت طروحات وأفكار مجموعة من الخبراء والمختصين بالهموم الآسيوية عموماً وبالعلاقات الهندية - الباكستانية، ضمهم مؤتمر في كامبردج أول من أمس السبت. والمؤتمر يهدف، حسب منسقه طاهر أمين، الاستاذ الباكستاني الزائر في مركز الدراسات الدولية في جامعة كامبردج، الى تقييم التطورات في العلاقات الثنائية وآفاق الانفراج بعد سلسلة التفجيرات النووية التي أجراها البلدان في أيار مايو من العام الماضي. ومعضلة العلاقات بين البلدين تعود كما هو معروف الى أكثر من نصف قرن حين تأسست باكستان عام 1947 بعيد مغادرة الاستعمار البريطاني شبه القارة الهندية. فذاك التأسيس الذي اعتبر تحرراً للغالبية المسلمة من عبودية متوقعة من قبل الغالبية الهندوسية، اعتبرته الهند مأساة انشقاقية دامية قسمت الوطن الواحد، ولا زالت الكتب المدرسية الهندية تدرس تلاميذها ذلك. وحسب ألستر لامب، أحد أهم المختصين بهذا الشأن، فإنه منذ ذلك التاريخ دخلت قضية الحدود بين البلدين فيما خص جامو وكشمير وما جاورها مرحلة الغموض والابهام الذي ما زال متصلاً حتى الآن. فخط التقسيم الذي اتجه نحو الحدود الشمالية توقف عند كشمير ولم يستمر لينصفها فيعطي القسم ذي الغالبية المسلمة لباكستان ويبقى القسم الآخر ذي الغالبية الهندوسية مع الهند. ومع صدور قرر الاممالمتحدة عام 1949 الذي منح كشمير حق تقرير المصير وطالب بإجراء استفتاء فيها، تجذر الخلاف الهندي - الباكستاني وتنوعت عناصره وتفرعت توجهات الحكومات المتلاحقة. فباكستان، الأضعف سياسياً واقتصادياً، مالت على الدوام الى خيار إقحام طرف دولي ثالث على خط النزاع، متشجعة بالقرار الدولي الذي عدته في صالحها. والهند رفضت أي تدخل لأطراف خارجية، مجادلة بأن النزاع يجب ان يسوى عبر التباحث الثنائي. والنزاع الذي تفاقم عبر السنين وحصد حوالى نصف مليون قتيل من الجانبين وانتج حربين، وصل الآن الى عتبة الردع النووي: حيث أصبحت الخيارات اصعب. فالحرب الثالثة اذا جاءت لن تقبل بأن يُعد قتلاها بآحاد الملايين. والأمر المهم في النزوع النووي لدى البلدين، حسبما يشرح محمد وسيم الاستاذ في اكسفورد، ان منظوري الأمن والاستراتيجية لدى البلدين متباينان، لكنهما منسجمان داخل كل بلد، بمعنى ان تعاقب الحكومات وتقلبها بين المعتدلين والمتطرفين، لا يؤثر في صلب النظرة الاستراتيجية. فالهند تنظر الى الموضوع النووي نظرة معولمة، وتضع نفسها في اطار دولي وعينها على دور عالمي تقوم به ان على صعيد الدول النامية أو دول عدم الانحياز. وأحد أهدافها الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن. والهند أيضاً تنظر الى الصين النووية كخطر أكبر عليها، الأمر الذي لا تبادله الصين نفس الاهتمام، فبكين انشغلت بهموم تايوان وكوريا الشمالية والاتحاد السوفياتي. وتعتقد الهند ان خيارها النووي سيردع أي تهديدات صينية. في المقابل فإن باكستان لا تستطيع ان تجاوز دولة الهند النووية وتقف مكتوفة الأيدي حتى لو قالت دلهي ان المشروع يتوجه الى الصين لا الى باكستان. وفي نهاية المطاف فإن طاولة المفاوضات حول مصير كشمير لن تكون متوازية بهند نوية وباكستان غير نووية. وفي خضم هذا كله، وكما هي العادة في وحشية الخيارات الاستراتيجية، تتعاظم الكلفة الاقتصادية والبشرية المتأتية عن هذه السياسات ويصبح الأثر المعيق البالغ على الاقتصاديات الهشة، ومضاعفة أعداد الجائعين والفقراء، وأشباع نزوات التطرف والمجموعات المتعصبة عند الطرفين، يصبح كل ذلك من ثانويات الأمور ويترك تحت السطح ليعمل على التحضير لحروب من نوع جديد