اتصل الدكتور يوهان رينهارت أخيراً هاتفياً بصديق له يقيم في تكساس، وذلك من مكان يقرب من قمة العالم. ورينهارت عالم انثروبولوجيا يتخصص في دراسة الأماكن المرتفعة من العالم، وكان درس جبال الانديز والهملايا ونشرت دراسته، كما تنشر غالباً، في مجلة "ناشونال جيوغرافيك" ذائعة الصيت. وعندما اتصل هذا العالم بصديقه كان يقف على قمة جبل في البيرو تعلو 20 ألف قدم عن سطح البحر وفي يده جهاز هاتف يبث الحديث من أي مكان في العالم تقريباً إلى عدد من الأقمار الاصطناعية التي تدور حول الأرض على مرتفعات منخفضة ثم يعود هذا الحديث إلى شبكات الهاتف الأرضية السلكية واللاسلكية. ولو رغب هذا العالم ولو كانت لديه القوة الجسدية الكافية اللازمة لحمل المعدات كافة إلى قمة الجبل، لاستطاع أن يأخذ صورة لنفسه بواسطة آل تصوير رقمية مربوطة بجهاز كومبيوتر محمول خفيف الوزن، وأن يرسل هذه الصورة في شكل بريد الكتروني إلى أي مكان في نصف الكرة الأرضية، وعبر الهاتف الذي يستخدم الأقمار الاصطناعية، وعبر انترنت. أي بكلام آخر لاستطاع هذا العالم أن يرسل على نحو فوري بطاقة الكترونية من حقبة السفر الجديدة بطاقة من النوع الذي يرسله المرء من بلد يزوره إلى أهله وأصدقائه. فالتكنولوجيا تُبدل "سحنة" السفر لا بالنسبة إلى المكتشفين والعلماء الذين يذهبون إلى أماكن نائية من العالم وحسب، بل بالنسبة إلى الأسر العادية التي "تحشو" سياراتها بما يلزم لزيارة منزل الجدة، وبالنسبة أيضاً إلى قطاع السفر السياحي نفسه. ويساهم قطاع السفر في حمل المستهلك على استخدام الكومبيوتر وخدمات انترنت، ففي الشهر الماضي فرضت شركة "دلتا ايرلاينز" رسماً مقداره دولاران على بطاقة السفر المحلية ذهاباً واياباً التي لا يتم شراؤها من موقعها على انترنت. ووجه وكلاء السفر انتقاداً حاداً لهذا الرسم ما حمل شركة الطيران آنفة الذكر على إلغائه بعد أسبوعين فقط من فرضه. أما شركة "أميركان ايرلاينز" فتحسم بين الحين والآخر من أسعار بطاقات السفر التي يتم شراؤها بواسطة الكومبيوتر، فيما عمدت شركتا "الاسكا ايرلاينز" و"هورايزن اير" أخيراًَ إلى فرض رسم مقداره عشرة دولارات لقاء ارسال البطاقات الورقية إلى الزبائن بواسطة البريد. ومند فترة وشركات طيران أخرى تدرس استخدام حوافز أخرى ما أثار سخط وكالات السفر واستياءها واستياء بعض المسافرين الذين لا يتصلون بانترنت أو لا يستخدمونها. تحوّل وتقول شركات الطيران أن التحول إلى الحجز وإصدار البطاقات بواسطة انترنت سيساهم في خفض التكاليف من طريق خفض عدد العاملين في هذه الشركات وزيادة الانتاجية، على رغم ان تصريحات أو بيانات وحججاً من هذا القبيل لا تتطرق إلى ذكر الحاجة إلى تشغيل المزيد من الذين يتقاضون رواتب مرتفعة أي من المبرمجين ومصممي مواقع انترنت إذا استخدمت هذه الشبكة الدولية. وتوفر انترنت لشركات الطيران، التي عمدت في خلال السنوات الأخيرة، إلى خفض العمولات التي تدفعها إلى وكالات السفر، وسيلة أخرى لخفض هذه العمولات وخفض كلفة توزيع البطاقات بطاقات السفر. ومع هذا كله أعلنت شركة الطيران "دلتا" عن أرباح قياسية سجلتها بعد فرض الرسم المشار إليه بأسبوع واحد. ويبدو ان الانفاق على السفر هو أكبر انفاق، أو من أنواع الانفاق الأكبر، من المستهلكين الفوريين. لكن هذا "الاحصاء" يرتبط بالجهة التي تسأل عنه وبكيفية اجراء الاحصاء. ففي تقدير شركة "فورستر ريسيرش" الناشطة من بلدة كمبريدج في ولاية مساتشوسيتس، ان الانفاق الاجمالي بواسطة الحجز الفوري على السفر الجوي والإقامة في الفنادق واستئجار السيارات السياحية والسياحة والرحلات البحرية، بلغ ثلاثة بلايين دولار العام الماضي. وتقول فيونا سويردلو، محللة شؤون التجارة الرقمية في شركة "جو بيتر كوميونيكيشنز" في نيويورك، إن شركتها الناشطة في مجال الأبحاث تكهنت في نيسان ابريل الماضي بأن انفاق المستهلكين الفوري على السفر السياحي سيزداد إلى 7،11 بليون دولار بحلول عام 2002. ولا يتضمن هذا الرقم انفاق رجال الأعمال أو الشركات الذي يتم عبر وكالات السفر، ولا يتضمن ازدياد الشركات السياحية التي تقدم فرصة الحجز على انترنت منذ فترة قصيرة، ما قد يجعل الرقم الخاص بالانفاق أكبر من 7،11 بليون دولار على حد ما تقوله سويردلو. ويقول أصحاب مواقع انترنت المتخصصون في شؤون السفر إن عدد زوار مواقعهم يزداد بسرعة فيما يزداد ارتياح المستهلك إلى البحث بنفسه عن الرحلات السياحية وإلى شراء البطاقات اللازمة بنفسه وإلى حجز غرف له في الفنادق على نحو فوري. وتقول شركة "ان بي دي اون لاين ريسيرش"، التابعة لمجموعة "ان بي دي" الناشطة من بورت واشنطن في ولاية نيويورك، إن نحو 70 في المئة من مستخدمي انترنت - يبلغ عدد هؤلاء في الولاياتالمتحدة فقط 70 مليون نسمة، على حد ما يشير إليه بعض الدراسات - يقولون إنهم زاروا مواقع متخصصة أو مرتبطة بالسفر في وقت من الأوقات. لا غنى عن انترنت وصارت انترنت بالنسبة إلى مستخدمي الكومبيوتر الذين يسافرون كثيراً، لا غنى عنها مثلها في ذلك مثل حقيبة السفر وفرشاة الاسنان. ويقول موقع هو "ترافيلو سيتي" www.travelocity.com إن عدد الذين يستخدمونه، المسجلين، يزيد على خمسة ملايين نسمة. أما شركة "بريفيوترافل" www.previewtravel.com فتدعي ان عدد الذين يستخدمون موقعها يبلغ ستة ملايين نسمة، فيما تدعي شركة "اكسبيديا" التابعة لمجموعة "مايكروسوفت" www.expedia.msn.com التي أعلنت أخيراً أنها تبيع اسبوعياً، مما له علاقة بالسفر، ما تزيد قيمته على عشرة ملايين دولار السفر بالسيارة والطائرة والإقامة في الفنادق فقط، ان عدد المسجلين الذين يستخدمون موقعها في الولاياتالمتحدة وكندا يزيد على أربعة ملايين نسمة. وتقوم شركة "أميركا أون لاين" حالياً بانشاء قسم اضافي فيها يتخصص في سفر رجال الأعمال على أن يبدأ نشاطه في وقت لاحق من الشهر الجاري، علماً بأن مستخدمي موقع هذه الشركة يزيد على 15 مليون نسمة. وتقول باميلا ماكرو، الناطقة بلسان "أميركا اون لاين" ان السفر السياحي هو الموضوع المفضل لدى المشتركين في موقع شركتها. والمعلوم انه توجد مئات من مواقع انترنت الأصغر ومن خدمات تقديم المعلومات الفورية. و"يملك" عدد كبير من هذه المواقع أصحاب الهوايات أو الراغبون في تقديم خدمة عامة من هواة السفر والمتحمسين له، لكن العامين الماضيين شهدا شركات ضخمة على استعداد لانفاق عشرات الملايين من الدولارات على مواقع متقنة وعلى أنظمة تجارة الكترونية على اعتقاد منها ان هذا كله سيدر عليها الربح في آخر المطاف. لكن الانفاق لا يزال يفوق العائدات على حد ما تقول شركات مثل "اكسبيديا" و"ترافيلو سيتي".