تصريح النائب في صحيفة كويتية "عن المرأة التي ليس لها حق حتى يعطى" و"جريمة إذا منحت الحق السياسي"، فجر في داخلي بحار الغضب... واخرجني من الإقامة الجبرية التي اسمها المرض إلى حالة الانفجار على الورق... فشكراً للنائب الذي أخرجني من حالة السكينة إلى حالة الكتابة... كثرت الاشاعات عن مرضي فمن السرطان إلى أمراض لم أسمع بها... وكما تعود الحاقدون ان يرمونني بسهام حقدهم في حياتي العملية وحياتي الاجتماعية... وحياتي العائلية... طاردوا حتى صحتي هذه المرة... فشكراً لهم لأنهم قد تحملوا وزر نميمتهم... وشكراً... شكراً للمحبين الذين لم تنقطع عني زهور مكالماتهم... شكراً لكل من سأل عني من الكويت ومن بقاع الله الواسعة وأطمئنكم بأن مرضي سببه الأول دخان السجائر الذي لم أحببه يوماً، ولكن عشرتي مع الصديق الكبير والحبيب الغالي "أبو مبارك" واستنشاقي دخان سيجارته الدائمة الاشتعال عطل جزءاً من رنتي... ولماذا لا أشاركه في كل شيء كان، فالفرح كنا نقتسمه على اثنين، والوجع كنا نقتسمه على اثنين، والإحباط كنا نقتسمه على اثنين، والغربة كنا نقتسمها على اثنين. أما السبب الثاني فهو دخولي الكويت في الأيام الأولى للتحرير مما زاد من تمرد رئتي... وصدقوني انني فرحت وشكرت الله على نعمه، أولاً لأنه ترك "أبو مبارك" وشماً على رئتي، كما هو دائرة الضوء في حياتي. واعتبرت مشاركة اخواتي واخواني المرابطين في استنشاق دخان الآبار وشماً آخر يذكرني دائماً بما فعله النظام العراقي بنا... ثم غزا رئتي فيروس، ولا زال الأطباء يطاردونه بكل أنواع المضادات الحيوية منذ خمسة عشر شهراً، تنقلت فيها بين المستشفى والبيت والكلينك، ومن شهر رمضان وأنا تحت الإقامة الجبرية في قرية معلقة بخاصرة جبل الألب... الحمد للرحمن: انني في تحسن مستمر، وان الأطباء سيطلقون سراحي عن قريب... لأعود إلى حضن أمي الكويت... الرسالة الأولى يا وطني المغسول بماء الورد وعطر الياسمين... يا وطنَ الصابرين... وملاذَ القانتين... يا قبيلة من الجراح... وحزناً بلا حدود... أحمل وجعي لأعود إليك... ويحملني شوقي وولهي لأطير اليك... أحملك قمراً كالأسرى مضرجاً بالآهات... فيرتعش قلبي كعصفور يتيم... وتكرج دمعة من العين... تصرخ أحبّكم... أحبّكم... يا أهل ديرتي المباركة بالدعوات... * * * على صفحات الجبل الأبيض المتكئ على غيمة أكتب عن بحر الكويت... ورمل الكويت... وأطفال وشيب الكويت... ورجال الكويت... والمرأة التي قال عنها النائب "لافض فوه" "ليس لها حق حتى يعطى... وجريمة إذا منحت الحق السياسي، وان عشرة في المئة هن المطالبات"!! ونسي أن أمه إمرأة... ورفيقة عمره إمرأة... وابنته... إمرأة ولو كلف نفسه بقراءة اعداد المتخرجات والمتفوقات علمياً على الرجال... منذ 1960 لما جرَّح النساء... عجيب أن يكون هناك نواب يعتبرون المرأة من مواطني الدرجة الثانية... رغم ان الكويت دولة ديموقراطية لها برلمان ولجنة لحقوق الإنسان في المجلس، ومؤسسات، ومجمع مدني، وعضو في الأممالمتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي.. وإن الاعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 15 كانون الأول ديسمبر 1948 من ديباجة وثلاثين مادة، وتهتم المادة الأولى فيه بالتأكيد على مبدأ أساسي هو "يولد الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء". أما المادة الثانية، فتؤكد على أن "لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات، دون التمييز بسبب العنصر، أو الدين، أو اللون، أو الجنس، أو الرأي السياسي، أو أي رأي آخر"... فالأديان السماوية هي أول من وضع الأساس الفكري لحقوق الإنسان. فهذه الأديان حثت أتباعها على احترام حقوقهم المتبادلة، وعدم التمييز في المعاملة بينهم. وركز الإسلام الحنيف على مكانة الإنسان الخاصة وتقدمه على الكثير من مخلوقات الله، وبهذا المعنى تشير الآية الكريمة "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" صدق الله العظيم. والفرد في الإسلام هو أهم وحدة في الكون، وهو لذلك يولد حراً ومتمتعاً بكامل الحق في الاختيار... وموقف الإسلام من علاقة الفرد بالدولة التي ينتمي إليها، فالأصل الذي تبنى عليه هذه العلاقة يتمثل في مبادئ الحرية والعدالة والتضامن... ومبدأ الحرية هو ان الأفراد أحرار قادرون على الدفاع عن كيان المجتمع، وأن هذه الحرية تنبثق عنها حريات أخرى فرعية، هي جزء أساسي بالنسبة إلى هيكل النظام العام، وتشكل مدخلاً مهماً لتحقيق رفاهية الجماعة... أما مبدأ العدالة فهو ان كل الناس متساوون عند الله. ومبدأ التضامن والأخوة وان الفرد مسؤول أو راعٍ في نطاق عمله وأسرته... حسب ما ورد في الحديث الشريف... فإن المجتمع بدوره مسؤول عن توفير الظروف المواتية، التي تكفل له التمتع بجميع الحقوق والحريات الأساسية التي ينبغي أن يتمتع بها كل فرد يعيش في جماعة منظمة. وكفل الإسلام حق الحياة للفرد والحق في الأمان والطمأنينة، والحق في كفالة حرية العقيدة، وحرية الرأي والتعبير، وحرية الفكر والاجتهاد. وقد حث الإسلام على أهمية التدبير والتفكير واعتبر التفكير دليلاً على صحة العقل، وان من يعطلون ملكة التفكير التي اودعها الله تعالى فيهم إنما كالأنعام، بل أضل. وشدد الإسلام على حرية التعليم والتعلم واعتبر طلب العلم فريضة على كل مسلم، وقد وردت آيات قرآنية كريمة متعددة تشدد على فضل العلم والعلماء. وقد كفل الإسلام حق العمل، والحق في تولي الوظائف العامة في الدولة لجميع الأفراد الذين يعيشون في كنفها، دون تمييز أو تفرقة بينهم لأي اعتبار كان إلا اعتبار الكفاءة والاقتدار والنزاهة، والمبدأ العام هو تكافؤ الفرص بين الجميع. وقد عبر الرسول الكريم ص عن مبدأ تكافؤ الفرص على أساس الكفاءة والاقتدار بقوله: "من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح، فقد خان الله ورسوله". واعتبر الرسول الكريم ان العمل شرف، فقد ورد في الحديث أنه "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده". أما الجامعة العربية، فإن مجلسها اعتمد مشروع الميثاق العربي لحقوق الإنسان في دورته العادية في أيلول سبتمبر 1994 ويتكون الميثاق من ديباجة وثلاث وأربعين مادة. وبرز الاهتمام الفعلي لمنظمة المؤتمر الإسلامي لقضايا حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في الموافقة على اصدار "اعلان حقوق الإنسان في الإسلام" في الفترة 31 تموز يوليو - 4 آب اغسطس 1995، ويتكون الاعلان من ديباجة وخمس وعشرين مادة. والديباجة أشارت إلى المبادئ العامة، ومن هذه المبادئ: ان الإسلام يولي الإنسان مكانة قيمة باعتباره خليفة الله تعالى على الأرض، والأحكام المتضمنة في هذا الاعلان هي ارشادات عامة ينبغي على الدول الأعضاء مراعاتها في كل ما يتعلق بمجال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية... اعتقد أن هناك خللاً أساسياً في المعادلة الاجتماعية. وما دام المنطق العام لا زال يعتبر الانوثة لعنة كبرى، أو جريمة كبرى... فلا بد للمرأة الخليجية المثقفة أن تكون مزروعة في قلب المجتمع، وفي قضايا العصر، وقضايا العالم، ولا بد للمرأة من أن توظف ثقافتها لتأسيس الوطن تأسيساً مستقبلياً. إن هموم الرجل لا تختلف عن هموم المرأة، فالمعاناة واحدة، والقلق واحد، والقهر واحد، والوطن ليس ملكاً للرجال وحدهم، وإنما ملكية مشتركة بين الرجال والنساء. فعندما ينزف الوطن لا يوجد فارق بين صراخ رجل وصراخ امرأة... وفي معركة البناء لا فرق بينهما، فما كان هناك فارق في معركة الدفاع عن الوطن... فعندما دخلت الدبابة العراقية... لم تفرق بين رجل وامرأة... وعندما عطر دم الشهداء تراب الوطن، لم يسأل ان كان هذا الدم لرجل أو امرأة... وعندما أسر النظام العراقي الكويتيين، لم يأسر الرجال فقط... فالوطن قصيدة يكتبها الرجال والنساء على دفاتر التاريخ... والتنمية عملية ثنائية يقوم بها الرجل والمرأة معاً... ولا يمكن للمرأة ان تكون مثقفة وحرة إلا في ظل رجل مثقف وحر... والحرية عندي هي مسؤولية... لا استعمال فوضوي وعبثي... فأنا ضد التسيب والفلتان وضد النقل عن النموذج الأجنبي... والحرية التي أعنيها هي الحرية التي تسمح للمرأة أن تختار... لا أن يختار عنها... وأن تقرر لا أن يقرر عنها... اطالب برفع الحراسة عن أفكارها... فالمرأة المعاقة فكرياً تجعل المجتمع معاقاً... والوطن سيبقى وطناً كرتونياً إذا بقيت المرأة منفية خارج أسواره... * كاتبة وشاعرة كويتية.