يفيد الحوار القائم بين اسبانياوبريطانيا حول مستقبل جبل طارق بامكان تغلب الانتساب الأوروبي الذي يجمع البلدين على نزعة تصعيد المواجهة. فالاجراءات التي تلتزمها مدريد للضغط على حكومة جبل طارق، لجهة اغلاق اجوائها امام حركة الطيران المتوجهة الى الصخرة، واستخدام ملف الصيد البحري وتشديد الرقابة على تنقل الاشخاص والبضائع بدعوى تحويل جبل طارق الى مركز للتهريب، لا تعدو ان تكون ضغوطاً ظرفية للحصول على مكاسب في جولات المفاوضات الراهنة بين مدريد ولندن. ولا يبدو ان الشركاء الأوروبيين لاسبانياوبريطانيا سيكتفون بموقف التفرج على ما يحدث داخل البيت الأوروبي، فثمة التزامات في العلاقات بين بلدان الاتحاد الأوروبي تحتم الوساطة الهادئة. المشكل بالنسبة الى اسبانيا التي تلح على بسط سيادتها على صخرة جبل طارق انها في مقابل هذا الاصرار تتجاهل وضعاً مماثلاً في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط. من خلال الابقاء على احتلالها مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين شمال البلاد. ويصدق عليها القول ان ما تريده لنفسها تحرمه عن الآخرين. لذلك حرص المغاربة على التأكيد مرات عدة ان انهاء الخلاف الاسباني - البريطاني على جبل طارق يفسح في المجال امام الدخول في مفاوضات جدية بين الرباطومدريد حول مستقبل سبتة ومليلية. والارجح ان الديبلوماسية المغربية، اذ رهنت هذه المقاربة كانت تهدف الى عدم اشغال السلطات الاسبانية بملفين في آن واحد، الا ان هذا الرهن تفهمه مدريد على اساس ان المغاربة ليس في وسعهم فتح جبهة جديدة شمال البلاد قبل ان ينهوا ملف الصحراء جنوباً. ولعله لهذا السبب استخدمت اوساط اسبانية متشددة قضية الصحراء ورقة للضغط على الحكومة المغربية في ملف سبتة ومليلية، وبالدرجة نفسها اهتمت بادراج المدينتين في الفضاء الأوروبي لتحويل المواجهة مع المغاربة الى قضية اوروبية - مغربية. في التشابه القائم بين جبل طارق وسبتة ومليلية ان الامر يتعلق بمنازعات حول السيادة. وفي حسابات التوازن ان تحكم اسبانيا في صخرة جبل طارق وفي سبتة ومليلية يعني انفرادها بموقع استراتيجي يخلّ بوضع البحر المتوسط. وإذا كانت الحال مقبولة على عهد الحرب الباردة لاعتبارات تدخل في اطار اتساع نفوذ الحلف الاطلسي، فانه لم يعد كذلك الآن، أقله لأن مطالب المغرب في بسط السيادة لم تتأثر بالحسابات الاستراتيجية، عدا ان الالتزام بتحويل البحر المتوسط الى بحيرة أمن وسلام واستقرار يحتم انهاء احتلال اسبانيا لمدينتين مغربيتين تقعان جغرافياً خارج القارة الأوروبية. ابعد من ذلك فإن ما تسعى اليه اسبانيا من خلال مواصلة المفاوضات مع بريطانيا، ان كان يخص فرض السيادة، فانه يستخدم الحوار وسيلة لتقريب وجهات النظر وفق منهجية حضارية. وليس هناك ما يحول دون اعتماد الاسلوب نفسه في ادارة الحوار مع المغرب. فالصيغة التي اقترحتها الرباط، لجهة درس مستقبل المدينتين، بما يحقق سيادة المغرب ويحافظ على المصالح الاقتصادية والتجارية لاسبانيا لا تزال قائمة، والهروب منها لا يعني سوى ان هناك مقاربتين: احداهما تستخدم اوروبياً، والاخرى في العلاقات مع بلدان الجنوب. وهذا تميّز مرفوض في كل الاحوال.