تميزت الدورة الحادية والثلاثين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، بحضور عربي ملحوظ، إنْ لجهة عدد المشاركين في الفعاليات من المثقفين العرب البارزين، أو لجهة مضمون الفعاليات نفسها. وعلى صعيد المعروض من الكتب برزت الشكوى من ندرة الاصدارات الجديدة، وتكرر انتقاد استفحال المظاهر الاحتفالية عاماً بعد آخر، من حفلات غنائية وعروض سينمائية ومسرحية، ولقاءات مع نجوم الفن والرياضة والسياسة والاقتصاد بدعوى صرفها الجمهور - الذي يقدر بنحو سبعة ملايين شخص - عن غذاء العقل، أي الكتاب. وعلى أية حال فإن إقبال الجمهور على هذه الدورة فاق بكثير الدورتين الماضيتين اللتين تزامنتا مع شهر رمضان وانتظام الدراسة في المدارس والجامعات. شارك في الدورة ناشرون من خمس عشرة دولة عربية، علماً أن عدد الناشرين المشاركين فيها إجمالاً بلغ أكثر من أربعة وعشرين ألفاً من ثماني وسبعين دولة، بزيادة 25 في المئة عن العامين الماضيين عرضوا 75،3 مليون كتاب في أجنحة وأكشاك تغطي مئة وخمسة وعشرين ألف متر مربع. وفاجأ جناح الكويت جمهور المعرض، منذ اليوم الأول، بقرار بيع كتبه بحسم يصل الى 90 في المئة، إلا أن عارضي "سور الازبكية"، الذين يشتهرون في مصر ببيع الكتب القديمة بأسعار زهيدة نسبياً، سرعان ما أفسدوا المفاجأة، بشرائهم معظم المعروض، وخصوصاً إصدارات "دار سعاد الصباح"، منذ اليوم الأول أيضاً، ليقوموا ببيعه في الأكشاك الصغيرة والأرصفة المخصصة لهم داخل المعرض، في الأيام التالية، بأسعار مضاعفة، إلا أنها ظلت، رغم ذلك، أقل بقدر معقول من الأسعار الأصلية. وحظيت رواية ابراهيم اصلان "عصافير النيل"، والتي عرضتها دار الآداب البيروتية، بإقبال ملحوظ من جانب جمهور المعرض، على الرغم من ارتفاع سعر النسخة الواحدة نسبياً 18 جنيهاً مصرياً بعد الحسم، أي ما يعادل خمسة دولارات تقريباً. وربما يفسر ذلك أن تلك الرواية جاءت بعد سبع سنوات على آخر عمل لأصلان وهو "وردية ليل"، فضلاً عن جودة طباعتها. ومن الاصدارات الجديدة القليلة أيضاً، موسوعة عبدالوهاب المسيري "اليهود واليهودية والصهيونية - نموذج تفسيري جديد"، والتي صدرت عن دار الشروق، بعد أن أمضى مؤلفها نحو ربع قرن في إعدادها. وتهدف الى محاولة تطوير خطاب تحليلي مصطلحات ومفاهيم لوصف الظواهر اليهودية والصهيونية والإسرائيلية، باسترجاع البعد التاريخي لهذه الظواهر من حيث كونها ظواهر تاريخية - اجتماعية يمكن فهمها والتعامل معها. وفي إطار فعاليات المعرض، طُرح العدد الأول من مجلة "الكتب: وجهات نظر في الثقافة والسياسة والفكر"، وهي مجلة شهرية يرأس تحريرها الصحافي المعروف سلامة أحمد سلامة، وتصدرها "الشركة المصرية للنشر العربي والدولي"، التي تأسست العام الماضي بمساهمة كُتاب وناشرين في مقدمهم ابراهيم المعلم رئيس اتحادي الناشرين المصريين والعرب. واختارت هذه المجلة التخصص في مراجعات الكتب فسدَّت بذلك فراغاً ملحوظاً في هذا الجانب عربياً. وتصدَّر عددها الأول مقال دراسة، للكاتب محمد حسنين هيكل، عنوانه "كلينتون وستار السياسة والقانون والحب والحرب في عصور مختلفة"، تناول خلفيات محاكمة الرئيس بيل كلينتون أمام الكونغرس الأميركي متسائلاً: "ماذا لو أن أحداً حاول أن يطبق منهج كلينتون السياسي كما استخلصه القاضي المستقل كينيث ستار على سياسة الرئيس الاميركي في العالم العربي؟". وتضمن العدد مقالات لإدوارد سعيد وجلال أمين ورياض طبارة وطارق البشري، وأفيشاي مارغاليت.. استاذ الفلسفة في الجامعة العبرية في القدس، وغيرهم حول كتب صدرت حديثاً بلغات عدة. ولفت الانتباه في الدورة الحادية والثلاثين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب تزايد المساحة المخصصة لندوات يغلب على المشاركين فيها الطابع الرسمي من وزراء ورؤساء تحرير صحف شبه حكومية. وتسبّبت إحدى الندوات في مشكلة حادة، وهي ندوة مُنع الجمهور أصلاً من حضورها، ما يعني أن الهيئة المصرية العامة للكتاب، المنظمة لفعاليات المعرض، كانت تدرك مغبة عقدها. وتحدث في هذه الندوة السفير الاميركي في القاهرة دانيال كيرتزر حول سياسة بلاده في المنطقة، في حضور عدد محدود من الباحثين والمثقفين المصريين. لكن ما أن علم رواد المعرض بأمرها حتى تظاهر عشرات منهم مطالبين بوقفها. وكان مقرراً أن يتجول السفير كيرتزر عقب الندوة في بعض أجنحة المعرض، إلا أنه اضطر الى إلغاء هذا الترتيب حتى لا يتسبب في مزيد من الغضب. ويذكر أن الندوة الرئيسية للمعرض استمرت نحد اسبوعين تحت عنوان "نهاية التاريخ أم بداية التاريخ؟". وتضمنت محاور ثقافية وسياسية واقتصادية، أبرزها جاء عنوانه كالتالي: "خمسون عاماً على حركة الشعر الحديث.. هل أصبح الشعر الحديث قديماً"، شارك فيها أدونيس وأحمد عبدالمعطي حجازي وعبدالوهاب البياتي وسميح القاسم وجابر عصفور ويمنى العيد وتوفيق بكار. وكرر حجازي في هذه الندوة ما جاء في مقال له نشرته صحيفة "الأهرام" صباح اليوم نفسه تحت عنوان "شهادات ميلاد مزوّرة للشعر الجديد" استنكر "أن تنسب بدايات حركة الشعر الجديد الى اسماء لم يبدأ ظهورها إلا مع مجلة جماعة شعر اللبنانية التي تشكلت في بيروت سنة 1957، أي بعد أكثر من عشر سنوات على ظهور المحاولات التي قدمها المجددون المصريون والعراقيون، وأكثر من ثلاثين سنة على الارهاصات التي سبق إليها الشاعر اللبناني - المقيم في مصر - نيقولا فياض، فقد ظهرت هذه الإرهاصات في أواسط العشرينات".. ورفضت يمنى العيد السؤال الذي تضمنه عنوان الندوة لجهة "أنه يضعنا بين القدم والحداثة ويشترط علينا الإجابة بنعم أو لا". ورأى جابر عصفور أن السؤال نفسه "ينتسب الى وسائل الإعلام أكثر من الدرس النقدي". واعتبر توفيق بكار أن "الحداثة هي أمر نسبي، فأراجونا رمز الحداثة في فرنسا ظل يكتب قصائد عبر الشكل الكلاسيكي". أما سميح القاسم فرأى أن "من الأفضل للشاعر أن يكتب قصيدة على أن يقع في فخ التنظير". وكان أدونيس آخر المتحدثين فأكد أن مفهوم الحداثة ما يزال ملتبساً بالنسبة إليه، مشيراً الى "أننا نملك نصوصاً عظيمة لا تقل أهمية عن أي نصوص في العالم ولكن لا بوصفها حديثة وإنما بوصفها شعراً". وبالإضافة الى هذه الندوة تحدث أدونيس أيضاً عن سيرته الذاتية وتجربته الشعرية خلال لقاءين عقد أحدهما في القاعة الرئيسية للندوات والثاني في "المقهى الثقافي". وقدم رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب الدكتور سمير سرحان الى أدونيس درع وزارة الثقافة المصرية تقديراً لجهوده بوصفه أحد أعضاء الهيئة الاستشارية لمشروع "كتاب في جريدة" وذلك في ختام مؤتمر الدورة الثانية للمشروع والذي عقد على مدى أربعة أيام على هامش فعاليات المعرض. وأعلنت في نهاية المؤتمر قائمة المشروع للدورة الثانية الممتدة من سنة 2000 الى سنة 2002، وتضم خمسة وعشرين مؤلفاً هم: أبو العلاء المعري، عبدالرحمن منيف، جبران خليل جبران، فدوى طوقان، خليل حاوي، عبدالوهاب البياتي، "كليلة ودمنة" لابن المقفع، يحيى حقي، نازك الملائكة، أدونيس، أبو حيان التوحيدي، مؤنس الرزاز، مي زيادة، محمد مهدي الجواهري، سعدي يوسف، شعراء اندلسيون، موسى ولد إبنه، احمد شوقي، ابو القاسم الشابي، محمود درويش، طه حسين، أميل حبيبي، لطيفة الزيات، محمد زفزاف، زكريا تامر. واستضاف المعرض فعاليات "أيام الشارقة الثقافية" على مدى أسبوع، احتفالاً باختيار الشارقة عاصمة ثقافية للعام 1998، وتضمنت معرضاً لآثار وتراث وحرف الإمارات، وآخر للصور الفوتوغرافية والفنون التشكيلية، بالاضافة الى امسيتين شعريتين، وندوة عنوانها "العلاقات الثقافية بين مصر والامارات: التأثير المتبادل بين ثقافة المركز والأطراف". وعقد كذلك اجتماع مشترك لأعضاء مجلسي إدارة اتحاد الناشرين العرب وهيئة معارض الكتب العربية. وبين المبدعين العرب الذين شاركوا في فعاليات الدورة الحادية والثلاثين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب الشاعر اللبناني جوزيف حرب، الذي أحيا أمسية شعرية في القاعة الرئيسية للنشاط الثقافي. وشارك في أمسيات أخرى كل من محيي الدين اللاذقاني وعبدالعزيز البابطين ومحمد الفيتوري وميسون صقر وعارف الخاجة. وحاضر الدكتور محمد الرميحي رئيس المجلس الوطني الكويتي للثقافة والآداب حول "تجربة مجلة العربي"، كما حاضر الشيخ محمد زكي يماني وزير النفط السعودي السابق حول "هل انتهى سلاح البترول كسلاح عربي؟". أما الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي كان مقرراً أن يشارك في عدد من فعاليات الدورة فقد اعتذر عن عدم الحضور "لسبب غير واضح" حسب تصريح للدكتور سمير سرحان!