خلال هذه السنة التي تصادف الذكرى ال700 لتأسيس الدولة العثمانية 1299 - 1999 عقدت ندوات في أوروبا والشرق الأوسط عن هذه المناسبة التي أثمرت المزيد من الاهتمام والاختلاف بين الباحثين حول الدولة العثمانية. وفي هذا الاطار عقدت في 18-19 تشرين الأول اكتوبر الماضي ندوة في جامعة آل البيت الأردنية نظمها قسم التاريخ بالتعاون مع قسم الدراسات الشرق أوسطية في جامعة مانشستر شارك بها باحثون من جامعة مانشستر وجامعة دمشق والجامعة اللبنانية وجامعة آل البيت والجامعة الأردنية وجامعة اليرموك وجامعة مؤتة من الأردن. تمحورت دراسات الندوة حول "الدولة العثمانية: بدايات ونهايات"، وتركزت على محورين أساسيين البدايات والنهايات في مجالين محددين المصادر والعمران للخروج بصورة أوضح عن الحكم العثماني. ففي ما يتعلق بالمصدر كان هناك تأكيد آخر على أنه لا يمكن دراسة الحكم العثماني بصورة موضوعية من دون المصادر الأساسية له، كما أن العمران بما تتداخل فيه من عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية يشكل مجالاً ميدانياً واسعاً للبحث كما تطور أو لم يتطور خلال الحكم العثماني الطويل. وهكذا انصبت حوالي نصف الأوراق المقدمة 9 من أصل 19 على المحور الأول - المصادر، اذ تضمنت الجلسة الأولى أوراق محمود علي عامر "أهمية المصادر العثمانية لفترة النشأة: الدفاتر والفرمانات والمهمات المكتوبة والمستعجلة"، ومحمد صالحية "قراءة في دفاتر طابو فلسطين في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي"، وحسين القهواتي "أضواء على بعض المصادر الفارسية لتاريخ الدولة العثمانية في القرن السادس عشر"، ووليد العريض "أهمية دفاتر الطابو والوثائق العثمانية في الدراسات الاجتماعية"، بينما تضمنت الجلسة الثانية أوراق هند أبو الشعر "الحياة الاقتصادية والعمرانية في لواء عجلون في القرن العاشر الهجري/ السادس الميلادي"، ونوفان السواريه "دفاتر الطابو في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر: مصدراً لدراسة الحياة الاقتصادية والاجتماعية في ناحية الكرك"، وسيار الجميل "قراءة في المصادر العثمانية: دراسة نص وثائقي"، وزياد المدني "سجلات محاكم القدس الشرعية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر"، وفاضل بيات "الأوضاع الاقتصادية والادارية للايالات العربية في القرن السادس عشر: مصطفى نوري باشا مصدراً". وانصب الاهتمام على أهمية دفاتر الطابو كمصدر أساسي في دراسة التاريخ الديموغرافي والاقتصادي والاجتماعي، وهو المجال الذي لم يهتم به سوى عدد محدود من العرب على عكس بعض المستشرقين الذين اهتموا به ونشروا الكثير ليثبتوا الوجود اليهودي في فلسطين منذ مطلع الحكم العثماني. وفي هذا الاطار استرعت الانتباه ورقة محمد صالحية، الذي اتهم بعض الرواد اليهود في هذا المجال برنارد لويس وامنون كوهين وغيرهما بتحوير معطيات بعض الدفاتر التي نشروها ليضخّموا من الوجود اليهودي في فلسطين حالات صفد وغزة وغيرها. واستقطبت الجلسة الثالثة ست أوراق عن العمران لأبي القاسم سعد الله "مدينة الجزائر في العهد العثماني"، ومحمد الارناؤوط "اتجاهات التطور العمراني لدمشق في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي"، وخيرية قاسمية "مدينة دمشق أواخر العهد العثماني: دراسة اجتماعية"، وتيسير زواهرة "التطور العمراني للبصرة في العهد العثماني الأخير"، ومحمد اليعقوب "التطور العمراني للقدس الشريف في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي"، وجورج طريف "العمران في القرن التاسع عشر: السلط نموذجا". وتضمنت الجلسة الرابعة والأخيرة أوراق كولن امبر "أصول الانكشارية"، وفيليب ساد غروف "الصحافة المصرية والرقابة العثمانية في القرن التاسع عشر"، وابراهيم بيصان "الاصلاحات التعليمية العثمانية خلال فترة التنظيمات 1839-1876"، وعليان الجالودي "وجهة نظر تونسية في الجامعة الاسلامية: الصفائي وكتابة ايقاظ الاخوان". الى المناقشات التي أعقبت كل جلسة تميزت الجلسة الأخيرة بمناقشة عامة وتوصيات الندوة. وفي ما يتعلق بالمناقشة العامة قيل فيها ان أوراق الندوة لا تزال تقدم صورة متناقضة عن الدولة العثمانية حتى في المجال الواحد - العمران، اذ تبدو الصورة "قاتمة" في ورقة و"ناصعة" في ورقة أخرى، لذلك فإن الأمر يحتاج الى مزيد من الوقت والبحث والتعاون ما بين المراكز والمؤسسات للوصول الى رؤية موضوعية أكثر للدولة العثمانية. وفي هذا الاطار اعترف كولن امبر رئيس قسم الدراسات الشرق أوسطية والمتخصص المعروف في الدولة العثمانية ان الموقف من الدولة العثمانية في أوروبا لا يزال محكوماً بالماضي، وأن القرن العشرين الذي شهد هزيمة وتصفية الدولة العثمانية لا يزال يطفح بالمشاعر عن هذه الدولة، ولذلك يأمل أن يسمح القرن المقبل الذي تبدو فيه الدولة العثمانية من تركة القرن الماضي بعمل أفضل لكي نفهم معه الدولة العثمانية بشكل موضوعي أكثر. وجاءت أيضاً توصيات الندوة لتعزيز الأمل في العمل خلال القرن المقبل، إذ دعت الى تأسيس مركز للدراسات العثمانية في عمان يغطي بلاد الشام خلال الحكم العثماني وتأسيس جمعية للباحثين في تاريخ بلاد الشام خلال الحكم العثماني.