تحتفل ايطاليا حالياً بالذكرى العاشرة لرحيل الكاتب الكبير ليوناردو شاشا 1921 - 1989 الذي أولى اهتماماً فائقاً بأرضه صقلية التي أحبها حباً جما وكانت ملهمته في كل أعماله الروائية. فهي مرآة عكس من خلالها الوضع البشري بقسوة وألم شديدين. ونظر بوضوح وحياد الى عيوبها وآفاتها المتمثلة في عصابات الإجرام المنظم وهي لا تزال تعكر صفو الحياة في دوامة من الجرائم والعنف. عاش شاشا الذي كان يفخر على الدوام بلقبه العربي، في بيئة قروية قريبة من مدينة اغريغينتو العريقة، وقام باختبارات حياته الأولى، فاكتسب معرفة أساسية لواقع الجزيرة في فترة مضطربة من تاريخ ايطاليا التي شهدت الحرب العالمية الثانية وانهيارات نظامها الديموقراطي المسيحي. عاشت صقلية طيلة تاريخها القديم والحديث أزمات محتدمة، القديم يتفسخ ويتحلل ومعه جنباً الى جنب تبدو وتتراكم نذر الجديد العاصف. وفيما أرادت المافيا استهلاك صقلية بالتقسيط، اصطدمت بالضحية تنظم نفسها وتقبل نزاع التحدي في أعلى درجات الاستعداد. بعد بضعة مؤلفات نثرية وشعرية يمكن اعتبارها من تمارين الشباب أمثال "خرافة الديكتاتورية" و"صقلية وقلبها" و"بيرانديللو وأسلوبه"، صدرت روايته التي أذاعت شهرته في البلاد ككاتب مقتدر ومتميز وهي "رعايا ريغالبيترا" 1956 وفيها توقف طويلاً على تحليل هوية أرضه المعذبة، وقد اتسمت بالصرامة الأخلاقية. تميزت أعمال شاشا التي توزعت ما بين الرواية والدراسات الفكرية والتاريخية بتأثيرات الثقافة المحلية، والعودة الى التاريخ القديم وخصوصاً العادات والتقاليد العربية التي أبرزها في نواح عدة من سلوك أبناء قومه. وقد كتب الكثير من رواياته التي هي أشبه بالتحقيق، وأبرزها "مجلس مصر" و"موت محقق" وهما تتسمان بلهجة فولتيرية ساخرة ولج من خلالهما حياة المجتمع الصقلي هادفاً الى التعمق في معنى أحداث اليوم على ضوء الأحداث التاريخية القديمة. وله روايتان "يوم البوم" و"لكل انسان ماله" وقد أفلح من خلالهما في الجمع والتوفيق بين الإدانة الاجتماعية والمدنية وبين وثبة الخيال. وكتب بعد ذلك كتابه الشهير "أعمام صقلية" أعقبه في بداية السبعينات "البحر بلون الخمر" وهما نوع من السرد التاريخي بأسلوب روائي. إلا أنه في كتابه "الصافي" يبتعد نهائياً عن عالم الخيال والأحداث التاريخية ليرمي بنفسه في خضم الحياة اليومية وتفاصيلها الدقيقة، ساعياً الى اخضاعها بصفاء وواقعية لحكم العقل المرتكز على الحكمة الساخرة والمريرة في آن واحد. وقد ركز في كتاباته الجديدة وأبرزها وأشهرها "تودو مودو" على تحليل الإرهاب والإجرام المنظم مبتعداً عن أي منطق إيديولوجي مع أنه ظل حتى النهاية قريباً من الأفكار اليسارية ومعترضاً على الكثير من مواقف الحزب الشيوعي الإيطالي، فشن حملاته الشهيرة على ما أسماه بالسلطات الفاسدة، ورافضاً كل أدوات الحكم بكل ألوانها السياسية. ولعل كتباً مثل "موت مايورانا" و"قضية الدو مورو" و"أسود فوق أسود" و"الطاعنون بالخنجر" و"مافيا" و"الحبل المجنون" و"النطاق" جعلت كتاباته امتداداً لكتابات بيرانديللو وتوماسو دي لامبدوزا في روايته الوحيدة والشهيرة "الفهد" وقد توصل الى قناعة باستحالة اصلاح التدهور الأخلاقي الذي تجاوز صقلية ليشمل كل ايطاليا. وصدرت اعماله الكاملة في ثلاثة مجلدات، تحوي رواياته وأبحاثه ومقالاته الصحافية التي اشتهر بها في صحيفة "الكوريرا ديللا سيرا" وهي عن جرائم المافيا ما بين 1978 و1988. وكانت اعتبرت أعنف محاكمات شنها كاتب ايطالي على مؤسسات النظام الحاكم.