كان المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ابتداء من العام الأول للهجرة، اول تصميم هندسي ابدعه الاسلام، وتميز عن اماكن العبادة للديانات الاخرى في بنائه ودوره. وكانت ميزته الرئيسية انه يشكل النواة الأولى لبناء المدينة الاسلامية، فكان اول عمل يقوم به المسلمون بعد فتح بلد ما هو انشاء المسجد الجامع. لذلك فان المساجد لم تُعمر لاقامة فريضة الصلاة فحسب، وانما لتؤدي ايضاً وظائف اخرى لها علاقة بالدين من ثقافية واجتماعية وسياسية. وتعد المساجد من ابرز المعالم الحضارية الاسلامية. فالمسجد - فضلاً عن كونه مكاناً للصلاة - هو أول مؤسسة تعليمية لتدريس العلوم الدينية، وهو المكان المناسب لاجتماع المسلمين وتأديتهم لواجباتهم الدينية ومناقشتهم للشؤون السياسية والعسكرية والاجتماعية. كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأهل بيته، من بعده، يجتمعون بالمسلمين في المسجد، وبذلك اصبح بمثابة دار للحكومة وبيت للمال، وخطط الرسول وأنشأ اول مسجد بعد وصوله مهاجراً من مكةالمكرمة الى المدينةالمنورة يثرب. واذ وضع الرسول مخطط المسجد الأول في المدينةالمنورة وبني تحت اشرافه، فتم بذلك للمرة الأول ارساء الأسس والقواعد التي ينبغي ان تبنى عليها المساجد، حيث اعطى صورة واضحة لتخطيطها وبنائها. وهكذا خططت بعد ذلك جميع المساجد على هذا المنوال. اما المسجد الأول الذي وضع مخططه الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مسجد قباءْ، وجعل له قبلة يتوجه المصلون نحوها وهي الكعبة المشرّفة وذلك بعد ان كان بيت المقدس القبلة الأولى. بني المسجد في منطقة قباء القريبة من المدينةالمنورة وذلك في السنة الأولى للهجرة 622م. والمخطط الاصلي لهذا المسجد عبارة عن قطعة ارض مربعة الشكل محاطة بسور من الحجر البازلتي الذي يكثر وجوده في المنطقة. وقد جدد هذا المسجد ووسع مرات عدة في مراحل تاريخية مختلفة، خصوصاً إبان ولاية عمر بن عبدالعزيز على المدينة في عهد الوليد بن عبدالملك الاموي. وتم تجديده ايضاً في عهود مختلفة منها العباسي والمملوكي والعثماني، اما آخر ترميم له فقد تم في سنة 1388ه 1967م. ومخطط المسجد الحالي عبارة عن الصحن الدار المكشوف وهو مستطيل الشكل تحيط به من جميع الاتجاهات اروقة اكبرها حجماً جناح القبلة ويتألف من ثلاثة اروقة يقابلها بالجهة الشمالية رواقان، بينما يوجد في كل من الجهتين الشرقية والغربية رواق واحد. اما ارضية كل من الصحن والأروقة فهي مغطاة بالرخام الأبيض. صمم سقف الأروقة على شكل قباب نصف كروية منخفضة ومحمولة على عقود مدببة ترتكز بدورها على اعمدة ليس لها تيجان او قواعد، وكسي الجزء السفلي منها بالرخام الأبيض، بينما غطي باقي جسم الاعمدة بالورق والدهان. اما محراب المسجد فيقع في جدار القبلة. ومن المعروف ان جدار القبلة، كما هي العادة، يكون محور الجناح الجنوبي، لكن في هذا المسجد اختلف الأمر، حيث نجد بجانبي المحراب عمودين من الرخام فيما غطيت طاقية المحراب بزخارف جصية وبأشكال هندسية ونباتية، وهو معقود بقوس يشبه حدوة الفرس. وتفتح الجدران الداخلية على الصحن عن طريق عقود مدببة، ستة منها في الواجهتين الشمالية والجنوبية وثلاثة في الواجهتين الشرقية والغربية. اما الدخول الى المسجد فيتم عن طريق باب في الجدار الغربي يعلوه عقد ثلاثي الاقواس ومزخرف بتشكيلات عبارة عن خطوط منحنية متداخلة. وترتفع ارضية المسجد عن مستوى الشارع بخمس درجات من حجر البازلت. وتقع مئذنة المسجد في واجهته الغربية، وتتألف من اربعة اجزاء: الجزء الأول وهو الجزء السفلي من جسم المئذنة عبارة عن مربع ارتفاعه بارتفاع جدار المسجد. اما الجزء الثاني فهو مثمن وفيه توجد فتحات صغيرة لإنارة سلم المئذنة وينتهي بثلاثة مدرّجات من المقرنصات تحمل الشرفة الأولى التي يحيط بها سياج من الخشب. اما الجزء الثالث فدائري وأقل ارتفاعاً من الجزء الثاني وينتهي ايضاً بمدرجات من المقرنصات تحمل اعلاها شرفة مشابهة للشرفة الأولى. ويلي ذلك جسم اسطواني قليل الارتفاع ينتهي بمخروط، وهو ما يشكل الجزء الرابع والاخير من جسم المئذنة.