قال أوتو نبشتم لجلجامش مخبراً اياه ان كل ما يعمله الانسان زائل لا يدوم. نعم، كان أوتو نبشتم على حق، ولكن فاته ان ما يُكتب في الواح دائم لا يزول، والدليل بقاء نصه هذا بلغته الاصلية، ومع ذلك قرئ بلغات العالم بفضل طين اللوح والمترجمين. بهذه الكلمات صدَّر الكاتبان العراقيان محسن الرملي وعبدالهادي سعدون العدد الرابع من مجلة "ألواح" التي يصدرانها في اعداد شبه فصلية منذ العام الماضي 1997، وضمنا هذا العدد ملفاً خاصاً بالترجمة شارك فيه عدد من المترجمين والباحثين المقيمين في اسبانيا. يفتتح ملف الترجمة بمقال يسترجع صوت واحد من اهم المترجمين العرب الذين رحلوا عن عالمنا بعد ان أغنوا المكتبة العربية بالعديد من الترجمات المهمة، وهو جبرا ابراهيم جبرا الذي كان يرى ان الترجمة هي الجسر الذي تنتقل عليه الحضارات بين الأمم. وتضيف المستعربة الاسبانية كارمن رويث برابو الى ملف الترجمة رؤية تكاد تسود بين المستعربين الاسبان الذين يغنون الادب الاسباني المعاصر بالعديد من الترجمات المهمة من الادب العربي، فتقول ان الترجمة من العربية بالنسبة الى الاسباني هي مغامرة اكتشاف ان ما هو غريب في الظاهر انما هو قريب منه، وانه قريب من دون ان يضطر الى التخلي عن واقعه التاريخي والاجتماعي، الماضي منه والمعاصر. والمستعربة كارمن رويث تقصد بالطبع ان الثقافة العربية تعتبر جزءاً من الماضي الاسباني الحضاري. وترصد كارمن رويث في مقالها مسيرة الترجمة الاسبانية عن العربية منذ أن ترجم الاندلسي خوان باليرا قصائد اندلسية عن اللغة الالمانية، نقلاً عن ترجمة الكونت دي تشاك، وصولاً الى الجيل الحالي من المترجمين الاسبان الذي زاد اهتمامهم باللغة العربية وآدابها بفضل ترجمات الادب المعاصر التي بدأها استاذها بدرو مارتينيث مونتابث بترجمة كتابه "منتخبات من الشعر العربي المعاصر" الصادر في الخمسينات وتثير المستعربة ظاهرة تأثر بعض كتّاب اميركا اللاتينية بالادب العربي عبر الترجمات كما هي الحال مع الارجنتيني خورخي لويس بورخيس، او ترجمات المستعرب اميليو غارثيا غومث من الشعر الاندلسي، وكان لها كبير الاثر في الشاعر العظيم فيديريكو غارثيا لوركا الذي تحتفل اسبانيا هذا العام بالذكرى المئوية الاولى لمولده. ويتناول محمد المذكوري "الترجمة بين النظرية والتطبيق" محاولاً اولاً تعريف الترجمة، واسلوب الكتابة والترجمة، ونوعيات الترجمات كاشفاً عن غياب اصطلاحات عامة في اللغة العربية يمكن ان توحد عمليات الترجمة من اللغات الاجنبية. ويناقش طلعت شاهين في مقاله "الفولكلور والترجمة" جانباً مهملاً في عمليات إعداد المترجمين، وهو جانب الفولكلور باعتباره أحد العناصر المهمة في تشكيل السياق الاجتماعي والثقافي للعمل الأدبي. ويشير إلى أنه على رغم أهمية هذا الجانب، فإن اقسام الترجمة في الجامعات العربية تهمل تدريسه. ويخصص جزءاً من مقاله للتدليل على ذلك من خلال بعض الكلمات والجمل المتداولة في اللغة العربية في مصر، واللغة الاسبانية في عدد من دول أميركا اللاتينية، التي تعيش ازدواجاً لغوياً بين اللغة الاسبانية الخالصة أو الكلاسيكية وبين اللغة الاسبانية الممتزجة بكلمات من اصول نابعة عن لغات هندية قديمة. يدافع محسن الرملي عن المترجمين، وينفي عنهم "الخيانة" التي يتهمهم البعض بها، خصوصاً في الجملة الشهيرة التي تقول إن "الترجمة خيانة". ويرى أن هذه صفة قاسية وظالمة لعملية الترجمة مهما كان مقدار صحتها، ويعتبر ان ما يلاحظه بعضهم من عدم حياد المترجم أحياناً يرجع إلى أن الترجمة "تمثل عملية نقل محسوس غير ملموس، وتحت كل الظروف لا بد أن تحدث شيئاً من التغيير والتحريف أو الانحراف الاضطراري أحياناً". ويضم العدد الرابع من "ألواح" ملفاً خاصاً آخر أقحم عليه بسبب ظروف وفاة الشاعر المكسيكي اوكتافيو باث، صاحب أكبر جائزتين أدبيتين "نوبل" و"ثرفانتيس". لذلك تم تجميع هذا الملف على عجل ليقدم للقارئ وجبة دسمة، وضم الملف ترجمة لبعض مقالاته وأشعاره، إضافة إلى قصة قصيرة بعنوان "عجائب الإرادة"، وكذلك مقابلة مع الكاتب جرت قبل وفاته بسنوات أجراها معه خالد سالم ونشرها سابقاً في صحف عربية عدة. مجلة "ألواح" الأدبية ظاهرة جديدة على الحياة الثقافية الاسبانية، لأنها تعتبر أول مطبوعة ثقافية عربية تحاول أن تسد فراغاً موجوداً بالفعل، خصوصاً بعد تزايد الوجود العربي في اسبانيا اثر الهجرات الكبيرة التي جاءت من دول عربية كثيرة، من المغرب العربي إلى فلسطين ولبنان وسورية ومصر وحتى العراق. والمجلة تحاول، قدر الامكان، أن توجد مساحة للصوت العربي الثقافي في اسبانيا من خلال إقامة أنشطة ثقافية متعددة حول المجلة، ما يجعلها تخرج عن نطاق وجودها كمطبوعة ثقافية إلى ما هو أوسع من ذلك، طموحاً إلى خلق حركة ثقافية عربية نشطة تعيد زمن الحركات الأدبية المهجرية التي ساهمت بقدر كبير في إحياء وتجديد الثقافة العربية في الماضي.