ملك وولي عهد البحرين وممثل أمير الكويت يعزون في وفاة الأمير محمد بن فهد    ما هي أسعار البروبان والبوتان لشهر فبراير ؟    ليندو السعودية تحصل على 690 مليون دولار أمريكي من جيه بي مورغان    سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى 12415.49 نقطة    الأمين العام لمجلس الشورى رئيسًا بالتزكية لجمعية الأمناء العامّين للبرلمانات العربية    وزير الخارجية يتلقى اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية الروسي    القيادة تهنئ أحمد الشرع لتوليه رئاسة الجمهورية العربية السورية في المرحلة الانتقالية    تتيح لهم حضور الجلسات القضائية بالصوت والصورة.. «العدل» تُطلق مبادرة خدمات السجناء    اغتيال أسير محرر.. إسرائيل تصعد هجماتها في الضفة الغربية    الراجحي: أكاديمية لسوق العمل.. وتنفيذ 80% من «الإستراتيجية»    أعلى وتيرة نمو ربعية للاقتصاد السعودي منذ 2022    حرس الحدود بمنطقة عسير يحبط تهريب 450 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    استشاري طب نفسي: 10% من مشاهر شبكات التواصل مصابين بالانفصام    «البنتاغون» يحقق في اصطدام الطائرتين.. وترمب: موقف سيئ وكان ينبغي تجنبه    تجمع القصيم الصحي يفوز بأربع جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية السعودي 2025    "مفوض الإفتاء بمنطقة حائل":يلقي عدة محاضرات ولقاءات لمنسوبي وزارة الدفاع    أمانة القصيم تستعرض إنجازاتها لعام 2024 بإبرام عقود استثمارية    أعضاء مجلس الإعلام الرياضي بضيافة مهرجان التمور بالاحساء    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم مبادرة " تمكين المرض"    الديوان الملكي: وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    ترامب يأمر بإعداد منشأة في قاعدة غوانتانامو لاحتجاز 30 ألف مهاجر غير شرعي    وزارة الشؤون الإسلامية تقيم يومًا مفتوحًا للمستضافين في برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة    الأرصاد: سحب رعدية ممطرة على مرتفعات مكة والجنوب وأمطار خفيفة بالرياض والشرقية    المفتي للطلاب: احذروا الخوض في منصات التواصل وتسلحوا بالعلم    سيراً على الأقدام .. المستكشفة «موريسون» تصل العلا    لأول مرة.. إطلاق التقويم المدرسي برياض الأطفال والطفولة المبكرة والتربية الخاصة    مواجهات «الملحق» الأوروبي.. «نار»    وسط حضور فنانين وإعلاميين .. الصيرفي يحتفل بزواج نجله عبدالعزيز    «بينالي الفنون» يُثري زواره بكنوز الحضارة الإسلامية    مجمع الملك سلمان العالمي يُطلق «تقرير مؤشر اللغة العربية»    عشر سنبلات خضر زاهيات    أصغر متسابقة راليات عربية.. «أرجوان» .. جاهزة للمنافسة في رالي حائل الدولي الاستثنائي    إعلان أسماء الفائزين بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام للعام 2025    محمد المنجم رئيس نادي الشباب ل(البلاد): هدفنا التتويج ب «كأس الملك».. و «الليث» عائد بين الكبار    البهكلي والغامدي يزفان "مصعب" لعش الزوجية    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال (15) إلى سوريا    الهلال والأهلي والنصر يعودون ل«تحدي آسيا».. في فبراير    سوق التذاكر الموازية !    مختبر تاريخنا الوطني    غداً.. محمد عبده يُجسد فلسفة الخلود الفني على مسرحه في الرياض    حرب الذكاء الاصطناعي.. من ينتصر؟!    جازان.. الحالمة وجمعية كبدك    أمير حائل يناقش خطط القيادات الأمنية    لذة الوحدة الوطنية    بوتين: المفاوضات مع أوكرانيا ممكنة دون زيلينسكي    «السياحة الثقافية».. عندما تصبح الفنون جواز السفر    ندوة الأدب والنخبوية تثير المفهوم المجتمعي والثقافي    احتفالات في عموم المدن السورية احتفالاً بتعيين الشرع رئيساً لسوريا    شخصية الصرصور    إطلاق حملة للتبرع بالدم في الكورنيش الشمالي بجازان    خطورة الاستهانة بالقليل    الإرجاف فِكْر بغيض    «الجوازات» تستقبل المعتمرين في ينبع    حسام بن سعود يستعرض مشروعات المندق    الشباب يتعاقد مع البرازيلي لياندرينهو    الشيخوخة إرث وحكمة    انطلاق مؤتمر السكري والسمنة في جدة «5 فبراير»    أهالي الشرقية ينعون الأمير محمد بن فهد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"صيدلية أفلاطون" لجاك دريدا الى العربية . الكتابة يصنعها الأبناء ... يتامى الكلام المتعالي
نشر في الحياة يوم 11 - 08 - 1998

من نافل القول ربّما أن قارىء نصّ "صيدلية أفلاطون" للمفكر الفرنسي جاك دريدا، المنقول الى العربية على يد الشاعر والباحث العراقي المقيم في فرنسا كاظم جهاد، والصادر حديثاً عن "دار الجنوب للنشر" في تونس ضمت سلسلة "لزوميات المقال"، نقول أن القارىء العربي للنص المذكور سوف يجد نفسه منقاداً، كي لا نقول نازعاً، الى قراءتين اثنتين، أو بالأحرى الى قراءة معقودة على مستويين اثنين.
فهو من جهة أولى، يخوض في غمرات نص فلسفي الطابع دأب صاحبه، أي جاك دريدا، على إعمال الضغط والتكثيف والتجريد والتداعي الذهني، الى جانب التلميح والايحاء والنهل من ينابيع مختلفة، واضعاً كل ذلك بمثابة كشافات وأدوات معرفية تتخلل وتتقدّم تحت سطح موضوعها وترميزاته وقواعده الخفية.
أمّا المستوى الثاني للقراءة فهو يتعلّق، بطبيعة الحال، بالترجمة. وليس تقريظاً ولا اطناباً ولا حتى مبالغة لو قلنا بأن كاظم جهاد بذل مجهوداً هائلاً يتعدّى وجه الصنعة أو الحرفة والأداء التقني لعمل الترجمة.
ويحسب أن المترجم كان مدركاً لحجم المجازفة التي قرّر الاقدام عليها، نظراً للدرجة العالية من التعقيد التي تلابس أصلاً كتابة وأسلوب وعبارة دريدا بالفرنسية.
والتقديم المختصر الذي وضعه كاظم جهاد اضافة الى الهوامش والملاحظات والتوضيحات الكثيرة الموضوعة في سياق الترجمة أو في أسفل الصفحات، من شأنها كلها أن تسعف القارىء في رحلته الشائكة مع النصّ الدريدي وما يقتضيه من التركيز والحضور والتأنّي في إعمال النظر، ذلك ان الفيلسوف الفرنسي، الجزائري الأصل والمولد، أي جاك دريدا، ينشىء عبارته في إطار كلامه مع قارئه تفترض التناظر والتعادل، الأمر الذي يغنيه عن تقديم وعرض مادة عمله وأدواته الفكرية والنظرية، وهو الى ذلك يتمثل في صورة مسلّمات وتعريفات ناجزة عبارات وأفكار واستعارات قد لا تكون ناجزة وتامة ومستقرّة وقائمة الى هذا الحدّ.
غير أن عمل التفكيك، وهو ما اشتهر به المفكّر، بالأحرى المفكِّك دريدا، يفترض ثبات وترسخ العناصر والأبنية وهذا ما يسوّغ اعمال التفكيك فيها. في كل الأحوال، يخبرنا كاظم جهاد في تقديمه الموجز بأن عمل دريدا يعني إجمالاً "بتفكيك الفكر الغربي، منذ الميتافيزيقا اليونانية التي تشكل لهذا الفكر أصله وأساسه، حتى أعمال المعاصرين".
وهذا التفكيك "يستند الى محاور متنوعة ويستهدف، من هذا الفكر، مداميك عديدة، وفي أوّلها التصور الغربي للكتابة، وللهامش، هذا التصور الذي ينظر الى الكتابة كمادة هامشية، وثانوية، بالقياس الى الكلام المعتبر، فيه، خطاباً سيّداً، انعكاساً لخطاب الأب في الذات، وللخطاب الأكبر المتعالي، اللوغوس، الكلام الإلهي أو كلام العقل بما هو كلام تدبّرته ذات الهية متعالية".
ولئن كان موضوع النص الدريدي، أي "صيدلية أفلاطون"، يدور على صور وعبارات النقد السقراطي للكتابة وللكتّاب، كما يعرضه أفلاطون في محاورة "الفيدروس"، فإنّ دريدا يتوقف غالباً عند المصطلحات اليونانية وصيغ ترجمتها الى الفرنسية المعاصرة، كاشفاً عن وجوه اللبس الذي يشوب استخدامات المصطلحات. أي أن عمل التفكيك يستلزم، في عرف دريدا بالطبع ومن بين مستلزمات أخرى، نوعاً من التدقيق في مناحي الترجمة و"فلسفتها". وكل هذا يواكبه كاظم جهاد ساعياً قدر الإمكان الى الإحاطة والإمساك بطريقة عمل المؤلف. من هنا أيضاً، قيامه بوضع كشاف للمصطلحات المركزية في نص دريدا وتوضيح دواعي اختياره لهذه الكلمة أو تلك باعتبارها الأصوب في نقل الدلالة. وهو أيضاً يشرح دواعي تفضيله نقل بعض المصطلحات كما هي الى العربية، مثل كلمة "فارماكون" التي تحمل في آن واحد معنى الدواء والسمّ والأذى والمعالجة.
قد يكون مفتاح المعالجة التفكيكية الدريدية لنص أفلاطون عن سقراط الذي لم يكتب أبداً، وعن نظرته وتصوره لعلاقته مع سقراط، قائماً ومنذ البداية في ما يمكن تسميته بفلسفة الكتابة والنص كما يتمثلها دريدا. فهذا الأخير يعتبر بأن النصّ لا يكون نصّاً "ان لم يخف على النظرة الأولى، وعلى القادم الأول، قانون تأليفه وقاعدة لعبه. ثم ان نصاً ليظلّ يمعن في الخفاء أبداً. وليس يعني هذا أن قاعدته وقانونه يحتميان في امتناع السر المطوي، بل انهما، وببساطة، لا يسلمان أبداً نفسيهما في الحاضر لأي شيء مما تمكن دعوته بكامل الدقة إدراكاً".
بهذه العبارات الاستهلالية والقليلة، يكشف جاك دريدا عن المسافة النقدية التي تفصله عن التيارات الفلسفية الأخرى والبارزة مثل الظاهراتية والوجودية...، كما يكشف أمام القارىء عن طريقته في مقاربة أي نصّ بغية التقاط عناصره وقواعده الخفية. وعلى النحو هذا، بالفعل، يأخذ دريدا في تفكيك نصّ أفلاطون، ذاهباً الى القبض على سلسلة العناصر والدلالات الصريحة والضمنية، خصوصاً المضمرة منها، وفي مقدمها الأساطير اليونانية الدائرة على العلاقة بين الكلام والكتابة، وبعض هذه الصور الأسطورية يميل الى الأساطير المصرية القديمة الدائرة على الموضوع ذاته. ويدخل في هذا أيضاً وجه الصلة بين الكتابة والطبّ والمعرفة والذاكرة والاستذكار، وهي صلة قائمة ومنثورة في تضاعيف الاستخدامات الملتبسة لكلمة "فارماكون" التي تفيد معنى الدواء والعلاج طوراً ومعنى السم والضرر طوراً آخر.
كما يدخل في الحبكة الخفية للنص الأفلاطوني، ما يسميه دريدا بالمشهد العائلي، وهو مشهد يتسم عموماً بطغيان حضور الأب، بوصفه أبا الكلام وأبا اللوغوس، فيما تستبعد صورة الأم من المشهد الكلامي بدون أن يثير ذلك اعتراض أحد، واللافت للنظر ها هنا أن دريدا يستعير بعض مناحي التحليل النفسي ولكن بدون انتهاج الطرائق المعهودة لدى المحلّلين النفسيين، بل هو يضع هذه العناصر التحليلية في سياق قراءة فلسفية مفتوحة على اتجاهات ومدارس مختلفة في العلوم الإنسانية.
وفي هذا الإطار يرى دريدا ان الكتابة، بحسب آراء سقراط كما يعرضها أفلاطون، "هي الابن البائس. هي البائس. تارة تكون نبرة سقراط اتهامية وجديّة، تدين ابناً ضالاً عن سواء السبيل، متمرداً، ونوعاً من اللاقياسية أو الهول والانحراف، وطوراً هي مشفقة، متعالية، تتظلّم لكائن حي عديم الحيلة، ابن مهجور من لدن أبيه. وفي جميع الآحوال، ابن ضائع. عجزه عجز يتيم، وبالقدر ذاته عجز قاتل لأبيه. ملاحق بلا عدل أحياناً".
ودريدا يعتبر، بالاستناد الى العبارة الأفلاطونية وإرثها المتمادي في الميتافيزيقا الغربية، ان الكتابة ذات طبيعة بنوية عائدة الى الابن وبأنها "قاتلة للأب". غير أن العلاقة بين الأب والابن ليست بسيطة ولا شديدة الصراحة، بل ان المشهد العائلي لربما في ذلك علاقة أفلاطون بسقراط، لا يخلو من التعقيد. "فبإدانته الكتابة كابن ضال أو قاتل للأب، يتصرّف أفلاطون كإبن يكتب هذه الإدانة، دارئاً على هذا النحو موت سقواط ومؤكداً اياه في آن معاً.
لكن في هذا المشهد الذي ألمحنا فيه الى غياب الأمر الظاهري على الأقل، لا يكون سقراط هو الأب، وإنما النائب، فحسب، عن الأب ... سقراط هو العلاقة الزائدة بين الأب والابن".
والحق ان مفهوم "الزيادة"، المشار اليه في العبارة الأخيرة، يحتل مكانة مركزية في المنظار الدريدي، باعتباره الهامش الذي ينضاف الى الأساس أساس الكلام واللوغوس ويتهدده في آن.
وهذا ما يلحظه المترجم والناقد كاظم جهاد في تقديمه الموجز، فهو يعلمنا بأن "كل إنشاء وكل تسطير وكل اجتراح انما هو صنيع الابن، صنيعه مضطلعاً بيتمه، أي بعزلته المطلقة التي ان خرج منها فليلتقي أشباهه وأقرانه، يخاطبه كل منهم انطلاقاً من تجربته الخاصة أو عبوره الخاص ... ومن هنا تسفيه دريدا لمقولات قتل الأب وطغيان الحضور أو الحضور في الذات: لا يحتاج الكاتب الى قتل أبيه، فهو، في الكتابة، بلا أبٍ أصلاً" والحضور هو أبداً حضور شبحي، فلا يستقيم حضور من دون غياب، كما لا يستقيم أصل بلا تكرار أو بلا نسخة ولا بدء من دون أثر".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.