تحية طيبة من أميركا. لقد قرأت في عدد 7 حزيران يونيو ثلاثة أعمدة في جريدتكم الغراء عن الجزء الأول من كتابي "الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث" وهو كتاب صدر بالإنكليزية أولاً ونال احترام جميع من تعرّف عليه أو اعتمده، أساتذة وطلاباً. على أي حال إني لا أنوي مناقشة الكاتب دفاعاً عما هو واضح لكل انسان نزيه مجرد من الغرض وعنده تفهّم لأصول التأريخ الأدبي نقطة واحدة أجيب عليها وهي أن وضع المقدمة داخل الفصل الأول كان سهواً مطبعياً من المشرفين على الطباعة والنسخة الانكليزية سليمة الترتيب، غير أن ما استرعى انتباهي وأحزنني من الناحية الوطنية لا الشخصية هو هذه القدرة القارحة المجردة من الإحساس الطبيعي بالمسؤولية وبالإنسانية التي أصبح بعض العرب يتقنونها ولا سيما إزاء المرأة الكاتبة، فهم إزاءها يشعرون بأمان اكبر لأنهم يعتقدون ان جناحها أضعف من جناح الرجل، فيا لفروسيتهم الباذخة! والغريب أني كنت قد انتهيت للتوّ من دراسة حول هذا الموضوع بالذات وما حصل للمرأة العربية في هذا القرن من محاولات التهديم والتهميش. ان شذب عمل واسع كهذا العمل على هذا الشكل الخشن الهجين يومىء الى عصر استقال فيه بعض الناس من ضميرهم. ويومىء الى شيء أكثر فداحة: وهو أن من يكتب بهذا الشكل يؤمن بأنه ليس بين القراء في العالم العربي مَنْ فيه مِن الذكاء والنزاهة والمعرفة والاهتمام ما يمكّنه من اكتشاف لعبته والدوافع التي حركتها. غير أنه مخطىء كثيراً، إذ من يصدّق لغواً كهذا؟ هل خلا العالم العربي ممن يقرأ ويقرر لنفسه قيمة الأشياء؟ ذكرى حادثة تذكرت حالاً حادثةً مرّت معي سنة 1991. كانت مجموعة الأدب الفلسطيني، التي عملت عليها ست سنوات، جاهزة للنشر، ومن عادة دور النشر الجامعية قبل دفع المخطوطة الى المطبعة أن تعرضها للمرة الأخيرة على مجلس المستشارين وهم من أساتذة الجامعة التي تنتمي اليها. كان بين أعضاء المجلس يومئذ أستاذ صهيوني فاعترض على ادخالي قسم "المذكرات الشخصية" في المجموعة فالمذكرات الشخصية شهادة شديدة التأثير على القارىء وقد مثّلتُ عليها بمقتبسات من 12 كاتباً مدّعياً بأن المذكرات الشخصية ليست من الأدب، ورغم النقاش الطويل مع عدد من الأعضاء فإنهم لم يصلوا الى حل نهائي. فاقترح الأستاذ هذا ان تُرسل المجموعة الى "خبير" بالأدب الفلسطيني ليعطي قراره الأخير، مضيفاً بأن عنده أعظم خبير. فأُرسلت المخطوطة الى هذا "الخبير" الذي اقترحه، واذا هو كما تبين لنا فيما بعد ليس إلا احد كبار الصهيونيين النشطين في اسرائيل، معروف لدى كل واحد منا لو تمكنتُ من ذكر اسمه فجاء تقريره جارفاً: ليس فيها ذرة خير واحدة. لا شيء جيداً فيها على الإطلاق، لا شيء على الإطلاق! تكلمت حالاً مع عدد من الفلسطينيين المعروفين عندنا في أميركا، فكانت اجابات الغالبية ان اترك تلك الدار وأكلم سواها. ولكني عنيدة في الحق ولا أرضى أن يتغلب عليّ مراجع كتب لغاية في نفس يعقوب ويدحرني بهذه السهولة، ووقف معي ادوارد سعيد وقفة نضالية هائلة. وكان أهم ما أقنع الدار بأغراض المُراجع عندما نبههم ادوارد للأمر هو ذلك الشذب الكامل للعمل، لأنه يشير الى شيء آخر لا علاقة له بالعمل نفسه بل يعود الى غاية أخرى. وكانت الدار هي التي نشرت لي مجموعة الشعر العربي الحديث قبل ثلاث سنوات من ذلك التاريخ فنالت مراجعات عظيمة، ولذا فإنها، بعد أن درست الموضوع، عادت الى صحوها واعتذرت لي. لقد كانت تلك المراجعات التي نالتها أعمال بروتا هي التي جعلتني اندفع وراء هذا العمل وهو نشر الأدب والثقافة العربية في الخارج وأفضّله على عملي الخاص فأهمل عملي الخاص وأسيء الى نفسي كثيراً. وصدرت المجموعة الفلسطينية سنة 1992، فكانت المراجعات حولها عظيمة أيضاً وجُل المراجعين من الأجانب. وأذكر اني بعد شهرين من صدور المجموعة كنت مدعوة الى حفلة عشاء في عمان ومضيفنا الدكتور عصام الطاهر وعلى المائدة الدكتور أسعد عبدالرحمن وفدوى طوقان وعدد من محبي الأدب ووصل أخي الى العشاء وناولني رسالة فاكس من الدار تنبؤني بأنها ستباشر بالطبعة الثانية للكتاب! بعد شهرين فقط! هذا لا يحصل عادة للكتاب العربي في الخارج. وقت صدرت لها طبعتان بعد ذلك. كنت قد نسيت تلك القصة وما فيها من دسيسة الى أن وجدتني أطالع صفحة "الحياة" على الأقل، قلت لنفسي، كان الإسرائيلي موالياً لسياسة يؤمن بها تعمل في خدمة اسرائيل ومن جملتها محاولة تحطيم كل عمل جيّد يخدم سمعة العرب ويكشف مواقف اسرائيل. ألا يكفينا هؤلاء؟ سلمى الخضراء الجيوسي كامبريدج، الولاياتالمتحدة * قرأت الشاعرة والناقدة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي مقالة الدكتور نبيل أيوب عن كتابها الصادر عن منشورات "اتحاد أدباء وكتّاب الامارات، الشارقة" ، وارتأت ان تردّ على رأيه النقدي في هذه المقالة.