الخميس 9 نيسان ابريل 1998 ها أنت تحاورين قلق يديّ، وإصغاء قلبي: في الطريق الشتائي ثمة هاجس يسري على أطراف أصابعي، فيمنحني الانتباه الى حيرة عينيك... إلى رحيلهما الأبدي في دروب الأيام القادمة. أنت تتركين السؤال معلقاً يبحث في أوراقي عن جرأة الإجابة، فيما الإجابة ذاتها تبدو مؤجلة... ممنوعة من ملامسة السؤال. هل ينبغي لنا الشعر؟ من القصائد القديمة ذهاب الروح الى منازل الألفة، راقصة، متألقة الحضور. وفي القصائد التي لم نكتبها بعد، عودة الروح... إيابها الذابل، وكأن الاصغاء الى نبض الشعر عذاب آخر يستدرجنا الى عذاب القلب... الى رحيلٍ ألفناه، نبحث فيه عن ايثاكا التي نريد، ونحاول نسيان حكمة كافافي الخالدة عند خراب الأمكنة ما دمنا قد خرّبنا مكاننا الأول. تكون الرحلة من كلمات ومرايا، وتنتهي الرحلة الى صمت في مساحات المرايا. أنت التي تجعلين القصيدة ترتعد من برد الغربة فتقف على أطراف الأرض باكية لا تتبين دربها. وفي الطريق الشتائي ثمة هاجس يسري على أطراف أصابعي... ثمة صوت يخترق جدار القلب... يصعد كعصفور أشجار المرارة، وينشد بصوت خافت: تركت أصابعها على وهن الكلام تحثه... ومضت... لم تحتفل بالماءِ، جفّ على قديد شفاهنا وانساب يتبعها... لم تحتفل حتى بأغنية غفت دهراً... وأيقظها حرير غيابها... لم تحتفل أن الأصابع هكذا فرّت قليلاً من يديها وانحنت كالطائر النعسان غافيةً على وهن الكلام. الجمعة 10 نيسان ابريل 1998 الوهم دليل القلب الى مسارات الريح. سأقلب خارطة العالم في ذاكرتي... وسأحاول أن أخلط تضاريس الدنيا، لعلنا حين نمزج القارات، ونعيد تشكيل خطواتنا، نقدر ان نقف معاً على صخرة الحب. لا يبدأ قلبي منكِ، ولا ينتهي. قلبي محبرة هواجسنا... مداد قصائد العذاب في طرق متباعدة، مسدودة، نائبة المسافات. أنت في ورق الجريدة، وفي نار اليدين. أنت في القصيدة كلام الروح ولحظة صدقها التي لا تخطىء. من أجل قصيدة في يديك تذهب عني القصائد... تفرّ الصور والكلمات، وتأخذ شكل الأحلام. الأربعاء 15 نيسان ابريل 1998 ما الذي نستطيعه حين يحوم طائر الموت الأسود فوق الشوارع والأزقة، وينيخ بثقله على ورق الجرائد وصفحات الكتب الحديثة الصدور؟ في الأيام التي نعيش كثير من الذين ماتوا منذ زمن طويل، لكن أجسامهم لا تزال تتحرك فوق الطرقات وفي المناسبات الثقافية. هؤلاء يحملون سعف أيامهم اليابس ويجولون بيننا، فيما أيديهم تتشبث بمقابض خناجرهم تتهددنا بالموت، ان لم نصغِ الى هتافهم الذابل وحناجرهم المشروخة. الخميس 16 نيسان ابريل 1998 البحر يتكىء على حافة الجبل. في الطريق الى طرطوس تلعب الأشجار دور البطولة في المشهد كله. أما في المدينة فثمة وقت للشعر والأصدقاء. في أمسية طرطوس وجدت فرصة ثمينة للاتكاء على صورة البحر، لاستحضار أمواج قدميه التي ترتطم بشاطىء غزة البعيد. أما حول الطاولات الصغيرة، فلم يكن بدٌّ من مرح الشاعر عصام خليل وعبثية أحمد يوسف داود الجادة جداً، ناهيك عن أحزان رشا محمد عمران التي ضمها كتابها الشعري الأول "وجع له شكل الحياة"، والتي لا نقدر في حضورها الا ان نتذكر بقوة حضور والدها الراحل محمد عمران. وفي طرطوس تأتي القاصة الشابة نجلا أحمد علي، تجلس قليلاً، ثم تعتذر لارتباطها بحفلة زواج ابنة خالها الذي تحبه كثيراً الكاتب أنيس إبراهيم، فيما الشاعرة الشابة رولا حسن تحدثني عن آخر قصائدها، أنا الذي كنت أظن ان الشعر يمكن أن يكون اجازة من هموم الكتابة بكل أنواعها.